لن تكفي الكلمات لنعي فارس من فرسان الجزائر مثل الراحل عبد الحميد مهري الذي ودعنا أمس في صمت بعد عقود من الكفاح والنضال. لم يكن عبد الحميد مهري مناضلا عاديا لقد كافح الاستعمار وناضل من أجل الحرية والوحدة المغاربية والقومية العربية، مثلما ناضل من أجل الديمقراطية وتمكين الشعب من حق الاختيار، وسيكون من الصعب على جلاّدي الأحرار وأعداء النضال الشريف نسيان جريمة مطاردة هذا العملاق طيلة عقدين من الزمن كان مهري جامعة متنقلة ينهل من علمها وخبرتها وتجربتها وحكمتها وحنكتها جيل التحرر من الوصاية، كان مهري نموذجا لكل الذين رفضوا التبعية لمنطق القوة، وكافح في الماضي كما في الحاضر من أجل الحرية. كان مهري فارسا بحق، فارسا شريفا، ناضل دون مؤامرات، هزم الذين تآمروا بترفعه وتواضعه، وسيكتب التاريخ له. سيكتب أنه كان خصما شريفا لخصومه، مثلما كان حصنا منيعا لحلفائه، رفض مقايضة المبادئ السامية والأخلاق العالية التي تحلى بها مقابل المكاسب والمناصب. عبد الحميد مهري فارس شريف، ناضل بشرف وعاش بشرف، عملاق عندما يمارس السياسة، وسيبكي الكثيرون على رحيله لأنه شجرة طيبة، طيبة البلد الكبير الذي عاش فيه وناضل من أجله دون أن يطلب مقابلا.. ولن نجد في هذا المقام أحسن مما قاله الشاعر العربي في رثاء عظيم قومه: علو في الحياة وفي الممات.. لحق أنت إحدى المعجزات إنا لله وإنا إليه راجعون