رغم ما يميز مدينة باتنة من زخم ثقافي كبير تتعدى سمعته حدود الوطن، إلا أنها تعاني من نقص فادح في المرافق الثقافية، ومن ركود الجمعيات التي يفترض أن تضطلع بتنشيط الحراك الثقافي داخل المدينة بعيدا عن المناسباتية، وتحين توزيع المساعدات المادية دون تقديم نشاط يذكر أو اكتشاف مواهب جديدة قد تكون لها قدرة الإضافة للمشهد الثقافي بالولاية في مختلف صنوف الإبداع الفكري والفني· ويحدث هذا رغم المخصصات المالية المعتبرة التي توجه إلى قطاع الثقافة بالولاية، إلى جانب المشاريع التي استفاد منها؛ أهمها القطب الثقافي العلمي ب”حي كشيدة”، بميزانية فاقت الثلاثمائة مليار سنتيم دون تسجيل نشاطات تذكر باستثناء احتضانه لثلاث تظاهرات ثقافية منذ افتتاحه خلال السنتين الماضيتين· فيما يشتكي القطب ككل من جملة من النقائص أهمها غياب الأساتذة المختصين في مختلف الورشات العلمية وتدريس اللغات والإعلام الآلي بالمركز الذي ينشط بواسطة أساتذة متطوعين، فضلا عن افتقار المكتبة للهاتف والانترنت والتدفئة· وعرف هذا الهيكل منذ افتتاحه إقبالا كبيرا للشباب والطلبة وحتى الإطارات الراغبة في تعلم اللغات الأجنبية أو الإعلام الآلي، ما يعكس حاجة المواطنين إلى مرافق من هذا النوع· دعوات لاستغلال ركح ”تاموفادي” سياحيا
في هذا الإطار قدمت لجنة الثقافة والسياحة التابعة للمجلس الشعبي الولائي، خلال دورته الأخيرة، تقريرا سلبيا عن وضعية المرافق الترفيهية والشبانية بالولاية، رغم ما تكبدته الخزينة العمومية في سبيل إنجازها وتجهيزها، كما هو الحال بمسرح الهواء الطلق الجديد بالمدينة الأثرية ”تيمفاد” الذي دشن السنة الماضية واحتضن ركحه الدورة الثانية والثلاثين لمهرجان ”تيمفاد” الدولي بعد أن نادى مختصون في الآثار وجمعيات تهتم بالتراث المادي بضرورة المحافظة على الركح الروماني من الآثار السلبية لإقامة التظاهرات الفنية عليه· وكلف إنجاز المسرح الجديد الذي يقع غير بعيد من الركح الروماني داخل المدينة الأثرية ميزانية ضخمة فاقت 250 مليون دينار، ليستغل لمدة أسبوع في السنة ويقتصر نشاطه على تنظيم المهرجان المذكور، وذلك رغم أهميته كهيكل كبير يمكن أن يستقطب كل النشاطات الثقافية بالمنطقة وما جاورها· ولاقت فكرة نقل سهرات المهرجان من الركح الروماني معارضة من بعض الأطراف بحجة إفراغ هذه التظاهرة الدولية من أهم رمزياتها، بينما اقترحت اللجنة تفعيل واستغلال المرفق الجديد في تعريف الوفود الوطنية والأجنبية بالجانب التاريخي والحضاري لمدينة ”تاموفادي” الأثرية عبر جلسات منظمة على مدار السنة، ويشرف عليها أساتذة مختصون لتمكن تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات القادمين إلى المدينة من شتى الولايات في إطار الرحلات السياحية والعلمية؛ من التقرب أكثر إلى الموروث الثقافي والتراث المادي للجزائر· وبالمقابل؛ سجلت عدة نقائص تقنية وعيوب في الإنجاز تشوب المسرح الجديد، أهمها عدم ملاءمة المنصة التي تبقى بحاجة إلى ترميم، وعدم احترام المعايير التقنية في وضع بالوعات صرف المياه، حيث يتحول الركح إلى بركة كبيرة عند تساقط الأمطار·
البطالة والهياكل الراكدة يتحالفان ضد الشباب
رغم الدور الكبير المفترض لدور الشباب في التكوين الحرفي والعلمي والترفيه، إلا أن واقعها بولاية باتنة وبلدياتها يعد متأزما، فضلا عن انحرافها عن دورها الطبيعي في السنوات الأخيرة واتخاذها مركزا لتقديم المساعدات الاجتماعية للفقراء والمحتاجين خلال الأعياد وشهر رمضان· والكثير منها يبقى مهجورا لأسباب غير واضحة، حيث تركت هذه المرافق عرضة للتخريب والإهمال، ولم تكلف الجهات الوصية نفسها عناء بعث النشاط فيها من جديد وتفعيل ورشاتها و فتح الأبواب للراغبين في التكوين ومنح الفرصة للكفاءات الشابة للإشراف على هذه المؤسسات، خصوصا أن جلها يفتقر للتأطير البيداغوجي اللازم· ويتساءل مواطنون عن جدوى وجود دور الشباب ما دامت خارج إطار النشاط، رغم تسجيل طلبات للشباب عبر بلديات الولاية بتوفير أماكن الترفيه وفتح دور الشباب التي أنجزت منذ مدة، غير أنها بقيت مغلقة ولحق الاهتراء ببعضها دون أن يستفاد منها على غرار دور الشباب ببلديات ”سريانة” و”إينوغيسن” و”عيون العصافير”· وأشارت لجنة المجلس الشعبي الولائي في تقريرها إلى ضرورة إعادة الاعتبار للمرافق الشبانية عبر الولاية وببلديات ”الشمرة” و”تيمفاد” و”مرونة” وغيرها، وتسجيل مشاريع إضافية لإنجاز دور الشباب بباقي البلديات· ولا يبعد واقع المراكز الثقافية التسعة بباتنة عن حال دور الشباب، حيث تبقى هي الأخرى مغلقة بسبب افتقارها للتأطير والكفاءات المسيرة· علما أن شباب هذه المناطق يعاني من البطالة وهو بأمس الحاجة للنشاط الذي يخفف عنه وطأة المعاناة·
تجهيزات قاعات السينما اهترأت وتجاوزها الزمن
تبقى قاعات السينما بالولاية تعاني وضعية سيئة جراء غلقها منذ أكثر من عشرين سنة، دون تحويل مقراتها إلى نشاطات أخرى أو منحها لجمعيات أكثر فاعلية· وقد طالبت اللجنة الثقافية بالولاية والعديد من المنتخبين بإعادة بعث هذه القاعات من جديد، خصوصا تلك التي سلمت إلى وزارة الثقافة عن طريق الامتياز كقاعة سينما ”الكاهنة”، في انتظار أن تتحقق وعود المسؤولين المحليين ب”بث الحياة فيها”، حيث أمرت دائرة باتنة مؤخرا بإعداد بطاقات تقنية حول قاعات السينما المغلقة بالولاية من أجل إعادة بعثها مجددا· وعلمنا من ذات المصالح أن غلافا ماليا يفوق ال 7 ملايير سنتيم سيوجه لهذا الغرض بعد دراسة وضعية التجهيزات والمرافق الخاصة بالعروض السينمائية التي تعرضت للتلف وتجاوزها الزمن·
المسرح الجهوي ينجح في استرجاع جمهور الخشبة
في ظل انعدام ديمومة الحراك الثقافي بباتنة، فإن المسرح الجهوي شكل استثناء نسبيا، بعد أن أحدث خلال الفترة الأخيرة نوعا من الحميمية المفقودة بين الجمهور والخشبة، من خلال تنظيمه لتظاهرات مسرحية وطنية ومغاربية نالت إعجاب الجمهور كالأيام المسرحية المغاربية وشهر ”المونولوغ” والمهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي، والأيام المسرحية للطفل التي انتهت الأسبوع الماضي· كما نظم المسرح احتفاليات خاصة لتكريم بعض الوجوه المسرحية الوطنية، وأشرف ممثلون ومخرجون على ورشات تكوينية في أبجديات الخشبة لفائدة الهواة وأصحاب المواهب· واستمرت هذه الأيام العروض الخاصة المنظمة في إطار شهر جانفي للمسرح بمشاركة فرق محترفة وهاوية من مختلف ولايات الجزائر· وقد نالت النشاطات المسرحية إعجاب الجمهور الذي تمنى أن تعمم على باقي المرافق الثقافية بالولاية، وأن تتحرر هذه الأخيرة من القيود الرسمية والمناسباتية وإهمال المسؤولين، خصوصا أن فرقا وجمعيات ثقافية شبانية كثيرة بالولاية تفتقد إلى مقر لممارسة نشاطها·