ركز محاضرو اليوم الثالث من الملتقى الدولي حول شخصية الأمير عبد القادر بتلمسان، على الدور الحاسم لمؤسس الدولة الجزائرية في وأد فتن الجبل وبلاد الشام عموما· وفي الجلسة الصباحية التي حملت عنوانا محوريا يتعلق بالأمير وحقوق الإنسانية، تدخل سمير سليمان من الجامعة اللبنانية ببيروت حول فرادة القائد العربي والإسلامي الأمير عبد القادر وقيّم النبالة بين خبرة الحرية وقيود المنفى عبر تجربة الفتنة في بلاد الشام، وحاول الأستاذ سمير سليمان في مداخلته، خلال اليوم الثالث، استجلاء الفوارق والمشتركات بين تجربة الأمير في الجزائر وتجربته في الشام، على أن التجربتين، برأي المحاضر، شكلت للأمير عبد القادر حقلا للرؤية، مستشهدا بحكمته في معالجة فتنة الجبل اللبناني وتدخله الحكيم لوأد الفتن بين المسلمين والمسيحيين· وعلى مدار ثلاثة عقود، يقول الأستاذ سمير سليمان، تشكلت للأمير عبد القادر تجربة فريدة من نوعها في بلاد الشام، واصفا إياها بالتجربة السياسية والجهادية والفكرية والصوفية، مشيرا إلى أن الثوابت والمعتقدات التي تشبعت بها شخصية الأمير عبد القادر والقيم التي تربى عليها أو اعتنقها ظلّت ثابتة وقد اتسعت آفاقها ورحبت، حسب المحاضر دائما· وواضح من خلال اهتمام المشاركة بدور الأمير عبد القادر في وأد فتنة الشام التأثر البالغ بشخصيته والحضور الخاص له في تلك المواقف التاريخية· ولم يكن المحاضر اللبناني الوحيد الذي اهتم بالموضوع، إذ تدخل الأستاذ محمد إقبال أحمد فرحات من جامعة عجمان الإماراتية حول الموضوع نفسه عندما شرح دور الأمير عبد القادر في وأد فتنة الجبل، حيث أسهب المحاضر في تقديم عرض تاريخي حول وقائع عام ,1860 كما أبرز الأغراض والدوافع التي كانت تقف وراء محاولة إشعال نار الفتنة في تلك المنطقة الحساسة من لبنان· وفي محور الحقوق الإنسانية التي تأتي ضمن 12 محورا خاصا بالملتقى الدولي، تحدث الأستاذ مصطفى لبيب عبد الغني من جامعة القاهرة عن الرؤية للمشترك الإنساني أو الهوية والاختلاف عند ابن عربي والأمير عبد القادر، علما أن العديد من المتدخلين تحدثوا كثيرا عن تأثر الأمير بابن عربي لدرجة أنه أوفد قافلة خاصة بتمويله الشخصي نحو بلاد الأتراك للتحقيق في كتب ابن عربي مثلما ذكره الدكتور زعيم خنشلاوي الذي أثار في أول مداخلة له البيعة الأميرية تحت عنوان ”شجرة الحياة” وهي قراءة في رمزية الشجرة التي بويع تحتها الأمير· وبالعودة إلى محتوى تدخل مصطفى لبيب عبد الغني، فقد اعتبر أن تصاعد موجات التعصب والتطرف ومحاولات تفكيك الثوابت وزعزعة الأساسيات من قبل قوى الهيمنة كان بحاجة إلى مرجعية فكرية معتدلة ما يدفع بالإنسانية إلى أن تستمع إلى الدعوة التي وصفها بالسامية والرشيدة التي تستلهم قيم الإسلام العالية عند كل من محي الدين بن عربي والأمير عبد القادر ليخلص إلى التقاطعات السامية والإنسانية بين رؤية ابن عربي والأمير، واصفا إياها بالرؤية للمشترك الإنساني·
أما شيرين دقوري من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى بدمشق، فتناولت في مداخلتها جانب الإنسان وكرامته في فكر الأمير الصوفي، معتبرة أن الكثير من الإجابات حول الفكر الإنساني نجدها لدى الأمير عبد القادر كمتصوف وكإنساني عاش حياته باحثا عن أسمى وأعلى مكانة يصلها الإنسان من خلال فلسفته الصوفية القائلة بتجلي الأسماء الإلهية في الكون وفي الإنسان حيث اتسم فكره بالرحمة، وتخلق بخلق القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة·
من جهة أخرى، تطرق المحاضرون في اليوم الثالث إلى محور الأمير الحكيم الذي عرف تدخلات عدد من الأساتذة من جامعة حلب وعجمان والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية وجامعة مرمرة التركية· كما تم التطرق إلى محور ”الأمير عبد القادر رجل الحوار”، وكلها محاور تتناول جانبا مهما من تركيبة شخصية الأمير عبد القادر التي امتزجت فيها القوة بالتسامح والحكمة بالدهاء الحربي والفكر المستنير المتفتح والمتصوف المتخلق بأخلاق القرآن والسنة النبوية·