خطيئة واحدة ألقت الشيطان الرجيم خارج الجنة·· وخطيئة سياسية واحدة·· كافية لرمي صاحبها في الجحيم·· أليس هذا حال السيد غزالي·· رئيس الحكومة الأسبق لمن لا يعرفه من جيل ما بعد 1991 ؟ كثيرون أنشب التاريخ أظافره في رقابهم·· فسالت دماؤهم·· قبل أن ينزفوا تماما ويموتوا·· والسيد غزالي كان واحدا من هؤلاء·· انخرط في إنقاذ الجزائر من شعبها·· وكان من المتواطئين على مصادرة إرادة الناخب في ..1991 ومن مستقبلي بوضياف·· الذي جيء به للتزيين·· فانتهى أشلاء في عنابة!! غزالي·· يأبى الاغتسال من معصيته الكبرى بأن يعترف أولا·· ويطلب المغفرة من الضحايا ثانيا·· وهم هنا بالملايين·· إنه لا يزال مصرا على البقاء في مربعه الأول·· (لست نادما على انخراطي في مسعى وقف المسار الانتخابي )·· وهو لا يشعر بأي وخز في الذاكرة·· حين يتحدث عن سنوات امتزج فيها اللونان الأحمر والأسود·· وتقاطعت فيها إرادات توافقت على ضخنا في مرجل ضخم·· اشتغل بعظام البشر·· وزيت الوطن· على غرار رضا مالك·· أحمد غزالي لا يزال نائما في سرير الماضي·· وعلى ظهره حمولة كاملة من الأوزار السياسية والأخلاقية·· وإني أتساءل كيف يمكنه العيش بكل هذه الأحمال، دون أن يختنق تحت وطأتها؟ وهل يكفي التنفس الاصطناعي وحده أن يبقيه حيا كل هذا الوقت؟!
غزالي·· لا يعتبر ما وقع في 1991 انقلابا·· لماذا؟ لأنه ومن معه·· كانوا (متأكدين أن الإسلاميين سيحطمون الدولة )·· وأن (فئات شعبية كبيرة وقوى سياسية عبرت عن خشيتها من تحطيم الدولة)· أريد أن أسألك: دولة من هذه التي تتحدث عنها؟·· فإن كنت تعني الجماعة الحاكمة·· فيقينا·· هذه ليست دولة الشعب·· وإن كنت تقصد الدولة الجزائرية كما هي معرفة في الدستور·· فهذه لم توجد بعد·· وإن وجدت فهي ليست مجنونة كي تحطم نفسها بنفسها·· أيعقل أن ينتحر الشعب·· أعطنا مثالا واحدا عن شعب انزوى حيث لا يراه أحد·· وقطع شرايينه·· أو علّق نفسه في شجرة بلوط· لهذا السبب أراك خارج التاريخ·· وخصما للحقيقة التي قتلتها مرتين·· واحدة حين تقول (قرار وقف المسار الانتخابي كان شرعيا)·· وأخرى حين تبدي أسفك (لأن النظام لم يستخلص العبرة من تجربة 1991)·· ربما بحكم خوفك من وصول أخبار غير سارة·· على متن قطار الربيع العربي المنطلق بقوة!! ٌٌٌ من حماقة بعض السياسيين·· أنهم يتسللون إلى زمن لا يخصهم ·· وينافسون أجيالا لا تعرفهم·· بل تتصورهم مخلوقات قادمة من كوكب بعيد·· أو كائنات قفزت فجأة من عصور ما قبل التاريخ·· لتسقط في القرن الحادي والعشرين·· ولسوء حظ الجزائر أنها مبتلاة بشدة بأمثال هؤلاء·· الذين يسميهم البعض ديناصورات·· ويراهم البعض الآخر مخلوقات قليلة الحياء·· وينسبهم علماء المتحجرات البشرية إلى فصيلة استثنائية من المومياوات الحية·· وغزالي يرى (أن الأنظمة الشمولية تمر عبر ثلاث مراحل هي: مرحلة الدوخة، ثم العمى، ثم الجنون)·· والنظام الجزائري بتقديره بلغ المرحلة الوسطى أي العمى·· وفي 10 ماي سيدخل مرحلة الجنون·· أليست مفارقة أن يصف غزالي نفسه· بطبيعة الحال هو لم يقل لنا: هل هي حالة عمى مستعصية أم قابلة للعلاج؟ وما هي النظارات المناسبة لهذا اللون من فقدان البصيرة؟·· وهل تسمح أي عملية جراحية دقيقة برد البصر إلى النظام؟ وما هي الخطوة التي تفصله عن الجنون·· على الأقل لنكون على أهبة الاستعداد·· حين يحكم المجانين؟
غزالي·· الذي هو سليل نظام لا يرى – بتوصيفه هو-·· ابتكر لنفسه وظيفة الناصح الأمين·· فهو ينبه المواطن إلى أن (الدعوة مخيطة·· إذن لا تصوت)·· وباعتباره مواطنا صالحا·· بعد أن كان رئيس حكومة صالحا·· يقرر (أنا لا أنتخب، وإذا طلب مني الشعب الشهادة أقول له إن تشريعيات 10 ماي ما هي إلا عملية عشتها من قبل، وصوتك لا يساوي شيئا·· إن تصويتك مضيعة للوقت لأن النتائج محسومة)·· فهل نصدقه؟ كنت أتمنى أن أصدقك يا سيد غزالي، لكني لا أستطيع·· في المقابل·· وهذه خدمة أسديها لك مجانا·· سأتقدم إليك خطوة·· لو فعلتها أنت أيضا وتقدمت إلي خطوة·· خطوة واحدة بسيطة·· لا تكلفك شيئا·· لكنك ستربح من ورائها الكثير·· فتعترف للمرة الأولى والأخيرة·· وتشهد بالقول : (اعذروني··· حين فعلتها·· كنت خائفا على نفسي·· لم أكن أملك أي وسيلة للدفاع·· كنت وحيدا في مواجهتهم·· شهروا سيوفهم وبنادقهم في وجهي·· وأمروني أن أفعل ففعلت ·· قالوا لي: قف على رجل واحدة كطائر النحام فوقفت·· انبطح فانبطحت·· افتح فمك ففتحته·· أغلقه فأغلقته·· كنت مشلول الإرادة·· عديم القوة·· فاستضعفوني·· أرجوكم أن تسامحوني)· بهذه الخطوة فقط·· سنصافحك نحن المواطنين·· ونقول لك: اذهب فأنت من الطلقاء·· أما أن ننتخب أولا·· فهذا شأن يعنينا·· ولا يعنيك·