لا يزال كثير من الجزائريين يؤمنون بأن النظام السوري بريء من دم شعبه براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام وأنه ضحية مؤامرة كونية اتفقت فيها كل دول المعمورة على إدانته واستعصى عليها إسقاطه باستثناء روسيا والصين اللتين بقيتا وفيتين للأسد لاقتناعهما بأنه لا يشكل خطرا على الكيان الصهيوني. ربما ظل أعضاء وفد اللجنة الوطنية لإغاثة الشعب السوري مثل غيرهم من الجزائريين ضحية لأحادية الإعلام المرئي عندنا الذي جعل الكل يرى أن صور البشاعة المهربة من سوريا عبر الفضائيات العالمية مفبركة في زمن «الفوتوشوب» الذي أفقد الصورة مصداقيتها، غير أن تنقلهم إلى الحدود السورية في رحلة استكشافية ولقاءئهم الفارين من حضن الوطن الأم جعل كلا منهم شاهدا على وحشية النظام السوري وعدالة قضية شعبه. مرجعيتنا الوطنية والإنسانية دفعتنا إلى الذهاب فكنا آخر الواصلين يقول رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح نصر الدين شقلال، إن فكرة تنقلهم إلى الحدود السورية تخمرت لديهم من خلال الصور التي كانوا يرونها عبر الفضائيات العربية والاتصالات التي أجروها مع المنظمات التركية واللبنانية التي أفادت بوجود أكثر من 50 ألف لاجئ سوري في تركيا وحدها، يقول «فتكونت لدينا حالة من تأنيب الضمير من منطلق أننا جمعية إنسانية ووطنية ذات خلفية إسلامية تحركها للوصول إلى أي بقعة تتشارك معنا هذه الخلفية وسوريا واحدة منها فقررنا أن نقوم برحلة استكشافية للوقوف على الوضع هناك وللأسف وجدناه مأساويا بمعنى الكلمة ووجدنا أننا آخر الواصلين إلى هناك». الحدود السورية اللبنانية... أولى صور المعاناة تنقل وفد اللجنة الوطنية لإغاثة الشعب السوري التي تضم كلا من جمعية العلماء المسلمين وعمادة الأطباء الجزائريين واتحاد التجار والوزير الأسبق عبد العزيز رحابي إلى الحدود السورية التركية في 5 من مارس الماضي، حيث كانت في استقبالهم منظمة «إي ها ها» الإنسانية التركية التي تتكفل ب123 ألف يتيم عبر 135 دولة، وقام ممثلون عن المنظمة بمرافقهم في رحلتهم إلى مدينة أنطاكيا على الحدود مع سوريا، وهناك وجدوا جميع الجنسيات العربية تقريبا من الجمعيات والهيئات الإغاثية، يقول شقلال إن أول ما فعله الوفد عند وصولهم إلى أنطاكيا هو اقتناء بعض السلع الغذائية والانتقال بعدها إلى مخيمات اللاجئين التي وصل عددها إلى 7 مخيمات. شيخ في السبعين يستقبل الوفد بالدموع .. يحنّ إلى تيزي وزو يرفض مصافحة الجزائريين يقول المتحدث إنه مع وصولنا إلى أول مخيم قريب من قرية تدعى «قوانيشي» تبعد عن جسر الشغور ب25 كلم، استقبلنا شيخ في السبعين من عمره فر بجلده من سوريا بعد أن أعطاه حماة الديار 24 ساعة مهلة وخيروه بين عودة ابنيه اللذين التحقا بالجيش الحر أو ذبحه، كان أول رد فعل له لما علم أن الوفد من الجزائر هو اختلاط الأحاسيس والمشاعر التي ظهرت على محياه بين شعور الفرحة بلقاء من قضى معهم زهرة شبابه في ولاية تيزي وزو مدرسا للغة العربية وبين سخط على موقف الإخوة الذين يصطفون وراء نظام بشار رغم كل الصور التي تنقل لهم على مدى عام كامل والنتيجة دموع في العين لم يستطع كبحها ويمنى أحجمت عن مصافحة الإخوة أو احتضان من «خذوله وشعبه» رغم التضامن الذي أبداه الشعب السوري خلال ثورة التحرير المباركة، لكن سرعان ما تغلبت ذكريات «العشرة» يقول شقلا على الشعور بالغضب بعد أن أكد له أعضاء الوفد أنهم قدموا إليهم ممثلين للشعب الجزائري وليس السلطة أو الدبلوماسية الجزائرية التي يبقى رأيها مختلفا فرحب بهم الشيخ وسرد عليهم قصصا صنعها من يسمونه في المخيمات بهولاكو الجديد. حراسة مشددة حولت المخيمات إلى سجن كبير : وجرحى ينتظرون شفاءهم للعودة مجددا إلى سوريا قدم الوفد إعاناته إلى 45 عائلة بهذا المخيم وزار مستوصف الحكومة التركية الذي يقوم بالتكفل بالجرحى والمصابين ممن كتبت لهم النجاة من حواجز الأسد في طريق الفرار إلى الحدود التركية ليتم نقل الحالات الحرجة إلى مستشفى أنطاكيا. الحكومة التركية تكفلت بكل مستلزمات اللاجئين باستثناء الحق في حرية الحركة، فالمخيم يقول محدثن بمثابة سجن كبير يقارع فيه اللاجئون شبح الفراغ وشبح الرئيس القاتل وشبيحته، حيث تم تزويد كل لاجئ ببطاقة خاصة وتشديد الحراسة على مداخل المخيم ومنعهم من التنقل خارجه خوفا من تسلل عناصر المخابرات السورية أو الشبيحة. وأمام هذا الوضع خصصت الحكومة التركية حافلات تقل اللاجئين مجانا إلى مدينة قريبة من المخيم تدعى مدينة «الريحانية» تبعد بحوالي بعد 2 كلم عن المخيم من أجل الترويح عن النفس قليلا. وما لفت أنظار الوفد يقول رئيس الإرشاد أن الجرحى الذين التقوهم بمستوصف الدكتور حسين النجار وهو سوري يحمل الجنسية الألمانية ينتظرون بفارغ الصبر شفاء جروحهم للعودة مرة أخرى إلى الداخل السوري. التعليم مقدس لدى السوريين ولم ينقطع حتى داخل المخيمات رغم كل المأساة التي تعيشها العائلات السورية اللاجئة في هذا المخيم إلا أن التعليم يقول محدثنا يبقى مقدسا وخطا أحمر لا ينبغي تجاوزه لدى السوريين فقد يتنازلون عن أي شيء إلا التعليم، إذ استغل اللاجئون في المخيم تبرع أحد الأتراك ب«فيلا» من طابقين لينشئوا فيها مدرسة للتعليم من الطور الابتدائي إلى الثانوي تضم 250 طالبا جميع معلميها من اللاجئين باستثناء معلمة واحدة تركية مهمتها تدريس اللغة التركية التي أشيع أن تدريسها كان شرطا من الحكومة التركية للترخيص بفتح هذه المدرسة. على الحدود اللبنانية السورية : المعاناة أكثر والخوف أعظم انتقلت اللجنة الجزائرية لإغاثة الشعب السوري في يومها الثالث إلى الحدود اللبنانية السورية بالتنسيق مع الجماعة الإسلامية السنية، وتحديدا بوادي خالد، حيث وقف أعضاء اللجنة على حجم معاناة اللاجئين المضطهدين. يقول محدثنا إن أوضاع النازحين مأساوية بسبب الخوف الذي يتملكهم مما عانوه قبل قدومهم إلى لبنان وكذلك بعد وصولهم رغم أن اللبنانيين خصوصاً أبناء القرى الحدودية حرصوا على تقاسم لقمة العيش والمنازل معهم بالنظر إلى عامل المصاهرة الذي يجمع الشعبين، وذلك بالرغم من ضيق حال معظم سكان هذه المناطق. ولكن مع ازدياد عدد النازحين اضطر العديد منهم إلى السكن في منازل قيد الإنشاء وأخرى مهجورة بلا نوافذ ولا أبواب ولاماء ولا كهرباء. وأضاف أن جميع التوقعات تؤكد أن أعدادهم ستتزايد، الأمر الذي يجعل الحاجة ملحة لإنشاء مخيمات إيواء، موضحا أن الحكومة اللبنانية لم تقم بأي مسعى جدي لإغاثة النازحين، كما أن جميع المساعدات التي قدمت في بداية عملية النزوح كانت بمجهودات فردية أو من قبل بعض الجمعيات الخيرية، وحالياً تقوم جمعيات الإغاثة الدولية بتقديم بعض المساعدات إلى جانب عدد من المؤسسات الخيرية. وأشار شقلال إلى أن الجمعية تبرعت ب150 مليون سنتيم للاجئين هناك بالإضافة إلى توزيع حوالي 60 كيس مواد غذائية و50 بطانية. صور مروعة يرويها اللاجئون عن حماة الديار استهداف المدنيين بالقذائف واغتصاب للبراءة مستشفى دار الشفاء بطرابلس اللبنانية كان ثاني محطة لقافلة الإغاثة الجزائرية على الحدود اللبنانية السورية، حيث أكد مدير المستشفى أنه قام ب450 عملية جراحية مجانية أي ما يقارب 11 مليون دولار تطوع بجزء منها مواطنون من طرابلس. الخوف من الشبيحة والمخابرات السورية هنا أعظم يقول شقلال منه في الحدود التركية فالحالات الحرجة للجرحى السوريين يتم تخبئتها في الطابق الأول من المشفى خوفا من تصفيتها من قبل المخابرات السورية، وأغلب الجرحى مصابون بالأسلحة الثقيلة نتيجة اعتماد الجيش السوري على قصف المناطق والأحياء التي يتحصن بها الجيش الحر عن آخرها قبل الدخول إليها. من جانبه يقول عضو الوفد ونائب رئيس جمعية الإرشاد المكلف بالإغاثة نصر الدين حزام أن أكثر ما علق بذاكرته أثناء هذه الرحلة هي صورة رواها لهم أحد الجرحى عن الوالد الذي حمل ابنه بين ذراعيه وهم محموم وراح يمشي قاصدا أحد المشافي فتعرض الطفل لقنص من قناصة الأسد المنتشرين على أسطح المباني، وانفجرت جمجمته الصغيرة فجثا الوالد يبكي ابنه الذي قصد به المستشفى لإنقاذه من الحمى فإذا به يقوده إلى حتفه ليتم قنصه هو الآخر حيث ظل ملقى على الأرض وهو يحتضن ابنه طيلة اليوم وحماة الديار يعبثون بجثتيهما رميا بالرصاص، وأنهم التقوا خمس عائلات وصلت قبل يوم واحد قطعت مسافة 20 كم في ثلاثة أيام سيرا بالليل عبر الحدود الملغمة دون دليل سوى ثقتهم في الله هروبا من موت أكيد إلى خطر ممزوج بأمل.