عمدت بعض الأحزاب السياسية إلى تعليق صور من الحجم الكبير لزعمائها بدل قوائم المرشحين من أبناء الدائرة الانتخابية للاستحقاق المقبل، وقد احتلت صور «القادة» حتى اليوم الخامس من عمر الحملة تلك المساحات الموجهة للملصقات الإشهارية في الأماكن العمومية التي خصصتها السلطات المحلية لفائدة الأحزاب والأحرار. ومن خلال جولة ميدانية قادتنا إلى أغلب اللوحات التي نصبتها ولاية الجزائر لهذا الغرض، وقفنا على تفضيل كل من جبهة العدالة والتنمية، رفقة حزب العمال والحركة الشعبية لتقديم رؤسائها للناخبين، وحتى تكتل الجزائر الخضراء اختزل 37 مرشحا عن قائمته في شخص الوزير عمار غول، فبرزت صورة الشيخ جاب الله، وكذا لويزة حنون وعمارة بن يونس في غياب كامل لكل المرشحين بالولاية والذين تهم أسماؤهم ومستوياتهم العلمية ووظائفهم وحتى مقر إقامتهم ومولدهم، الناخبين الراغبين في استكشاف الخريطة الانتخابية بهذه الولاية وغيرها من المناطق في ربوع الجزائر العميقة. طبعا ذكر هذه الأمثلة دون غيرها، لا يعني أن البقية قد التزمت التقاليد الانتخابية في هذه هكذا محطة، لكنها ببساطة لم تعلق حتى الآن أي ملصقة إشهارية، باستثناء حزبي الأفلان والأرندي، حيث باشر كلاهما ومنذ اليوم الأول تعليق القائمة الحزبية كاملة، والتي تصدرها على التوالي الدكتور محمد العربي ولد خليفة والنائب شيهاب صديق. ورغم أن الانتخابات القادمة تمثل موعدا برلمانيا لا علاقة لرؤساء الأحزاب به، باستثناء المرشحين منهم، كما أن وزارة الداخلية قد اعتمدت التصويت عن طريق القائمة المتعددة التي تعلوها صورة رأس القائمة ورقم الحزب فقط، إلا أن هؤلاء فضلوا الظهور على حساب فرسانهم في واجهة الدعاية الحزبية. وقد فسر بعض المختصين في الإعلام السياسي في اتصال بجريدة «البلاد»، مثل هذه الظواهر بطغيان منطق الكاريزما في الفعل الحزبي الجزائري. كما أنها تكشف بوضوح تخوف هذه الأحزاب من عدم تقبل الناخب لمرشحيها المحليين نتيجة افتقادهم للبعد الاجتماعي والحضور الإعلامي، زيادة على عدم ثقتها بمحتوى البرنامج الذي تعرضه على الجمهور، فتلجأ تعويضا عن ذلك إلى استعراض زعمائها الذين لا علاقة لهم بخيارات الناخبين في استحقاق برلماني. وأضاف هؤلاء المراقبون، أن مثل هذا السلوك الإعلامي يعتبر أيضا تحايلا على المواطنين يندرج في خانة التضليل الذي تمارسه بعض التشكيلات الحزبية بهدف استمالة الناخبين، وقال المحللون إن هذا التصرف ينسجم مع خطاب هذه الأحزاب التي تقدم وعودا انتخابية للمواطنين لا يمكن تحقيقها من خلال البرلمان في كل الأحوال، بل هي من صميم البرامج الرئاسية التنفيذية بالأساس، لكن ما يهم قادة الأحزاب في النهاية هو استقطاب الناخب بأي طريقة كانت، يضيف هؤلاء الأكاديميون. وتأتي هذه الظاهرة في ظل الأخطاء الكثيرة التي ترتكبها الأحزاب في إدارة الحملة الانتخابية والتي رصدتها اللجنة القضائية للإشراف على الانتخابات من قبيل استعمال اللغة الأجنبية في التجمعات الشعبية واستغلال الرموز الوطنية، إذ يعتبر ذلك مخالفة صريحة لقانون الانتخابات، وإن كان إبراز صورة الرئيس لا يعد تجاوزا للقوانين، لكنه في المقابل يكرس كاريزما الشخص على حساب الحزب والبرنامج والقيادات الفرعية وحتى المرشحين، ويعكس بشكل ما، أزمة التداول والتجدد والثقافة الديمقراطية والانتخابية في الأحزاب الجزائرية برأي المختصين في الإعلام والاتصال.