فيما أحالت وزارة الداخلية الفصل في القضية إلى المجلس الدستوري وقعت وزارة الداخلية والجماعات المحلية في ورطة قانونية وسياسية حادة، برأي كثير من زعماء الأحزاب وحتى بعض رجال القانون، وذلك على خلفية الغموض البالغ الذي يكتنف حتى الآن كيفية حساب المقاعد المخصصة للنساء في البرلمان الجديد، استنادا إلى المادة 31 من الدستور، والتي تنص على أن يكون ثلث أعضاء المجلس الشعبي الوطني والمجالس المحلية من النساء. فبالعودة إلى القانون العضوي المتضمن ترقية مشاركة المرأة في المجالس المنتخبة، نجد أنه يشير إلى إلزامية أن يكون ثلثا المترشحين في كل قائمة من النساء، دون أن يوضح كيفية حساب النتائج، لاستخراج حصة النساء من مجموع المقاعد النيابية المخصصة للولاية، حيث تنص المادة الثانية من القانون على اعتماد مبدأ تدرج نسب ترشيح المرأة في المجالس المنتخبة بحسب عدد المقاعد المتنافس عليها مع تكريس مبدأ المساواة بالنسبة للجالية الوطنية في الخارج. فيما تنص المادة الثالثة على توزيع المقاعد بين القوائم بحسب عدد الأصوات التي تحصل عليها كل قائمة وتخصص النسب المحددة للمادة 2 وجوبا للمترشحات حسب ترتيب أسمائهن في القوائم الفائزة، ويطرح القانون العضوي بهذه النصوص إشكالية عويصة في تفسيره وآلية تطبيقه من الناحية العملية، بين أخذ «كوطة» النساء من المقاعد التي يفوز بها الحزب أم من المجموع العام لمقاعد الولاية، إذ أن الأخذ بالمبدأ الأول قد يجعل من البرلمان القادم مخالف تماما لمحتوى الدستور في حال عدم بلوغ نصاب الثلث المؤنث، وهذا الأمر وارد جدا عند تساوي أو حتى تقارب الكثير من القوائم الحزبية في النتائج النهائية. وعليه فقد وجدت مصالح وزارة الداخلية نفسها في ورطة لا تحسد عليها، لأنها تسعى للوصول إلى حصيلة الثلث النسوي في الغرفة السفلى بكل الطرق، تجسيدا للمادة 31 من الدستور والمادة الثانية والثالثة من القانون العضوي المتعلق بترقية المشاركة السياسية للمرأة الذي صادق عليه المجلس الوطني الحالي في إطار الإصلاحات السياسية التي بادر بها رئيس الجمهورية. ونتيجة هذا اللبس القانوني القائم، فقد تلكأت وزارة الداخلية في الرد على انشغالات اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات بشأن التوضيحات التي طلبتها بهذا الصدد، وذلك تفاديا للوقوع في الخطأ الذي قد يؤزم الأمور، إذ لا يمكن أن تتراجع عن قراراتها لاحقا في حال الصدور النهائي، لذا فقد لجأت إلى طلب فتوى من المجلس الدستوري لتفسير كيفية تطبيق المادتين الثانية والثالثة من القانون العضوي المذكور، لكن البعض يعتبر هذه الخطوة الاجتهادية من ولد قابلية خاطئة من أساسها كونها غير دستورية، لأنه لا يحق للوزارة إخطار المجلس الدستوري، إذ يعد ذلك من صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيسي غرفتي البرلمان بصفة حصرية. وهنا تصاعدت مخاوف الكثير من مصير هذا الانسداد، لأن الإدارة وفق توقعهم مصممة على تحقيق الثلث النسوي مهما كلفها الأمر من مخالفات، في سبيل الخروج ببرلمان فسيفسائي فاقد للقوة التمثيلية، على حد تعبيرهم، ولا تستبعد تلك الأطراف المشككة في نوايا الإدارة أن يخضع المجلس الدستوري لإيعازها ويلوي عنق النصوص حتى تتلاءم مع النص الدستوري، وإذا حصل ذلك، فإن الدولة كلها أضحت في حرج نتيجة الخلبطة والارتباك الذي ستقع فيه مؤسساتها، يضيف هؤلاء. في انتظار أن تدلي هيئة الطيب بلعيز برأيها الاستشاري أو تتحفظ على قانونية الإحالة، فإن ثمة من المختصين في القانون من يتوقع اللجوء إلى حساب الباقي الأقوى لصالح النساء المترشحات من أجل الحصول على مقاعدهن المقررة قانونا لكل ولاية. كما تتحدث جهات مطلعة عن وجود مشروع جاهز لدى وزارة الداخلية، وقد تم تسربيه قبل الترشحيات لمن توصف بأحزاب الموالاة، لكن تم التكتم عليه حتى تعرف توجهات الأحزاب والناخبين من محطة 10 ماي المقبل. ويذكرنا هذا الموقف، بما وقع في انتخابات 2002 و2007، حيث أخذت الداخلية في الموعد الأول بقاعدة الأكبر سنا في حال تساوي عدد الأصوات، بينما اعتمدت في المحطة الثانية قاعدة الفارق الأقوى، ولم تعلن عن ذلك إلا غداة صدور النتائج النهائية للانتخابات.