جنازة أم الرئيس، مرت كأي جنازة شعبية، والإبن المفجوع جعل منها جنازة أم وليست جنازة أمة. فرغم أن مصاب آل بوتفليقة، مصاب جلل ورغم أن المصاب رئيس يمتلك صلاحيات دسترة الحداد الشامل، إلا أن بوتفليقة أرادها جنازة أم لا يمكن لأي كان ومهما كان، أن يعيش فقدانها، كما يعيشه بوتفليقة الإبن والإنسان والرفيق.. كان يمكن للرئيس أن يحذو حذو مبارك مصر، حينما حول جنازة حفيده إلى جنازة دولة وأمة، وكان يمكن للإبن بوتفليقة أن يوقع مرسوما للحزن ولتعاطي الألم، وللرجل عذره فالفقيدة أمه وهو الرئيس، لكن بين طريقة تعامل حسني مبارك مع وفاة حفيده وطريقة تعامل بوتفليقة مع فجيعته في أمه، نكتشف الفرق الشاسع بين الحزن المسيس والحزن الطبيعي، الذي لا تشوبه شائبة سوى المواساة الصادقة بلا مسيرات ولا بيانات ''عفوية'' في إداراتها.. تسجل الفجيعة التي ألمت بالرئيس، بأن الإبن المفجوع والمكلوم، في من حملته وربّته وصهرته رجلا، تمكن في قمة حزنه من تهريب الجنازة من ''التسييس'' والتسوس، وفتح أبواب العزاء أمام جميع الناس، وأغلق الباب في وجه من تعودوا أن يرقصوا في الأفراح كما يرقصون في المآتم، وأكبر انتصار للإبن بوتفليقة على مصابه الجلل، أنه ودّع أمه في جنازة بسيطة، أمّها البسطاء الذين لم يحتاجوا إلى مرسوم يدفعهم للسير أو لأخذ صور لهم وهم يذرفون أدمع التزلف.. و''ربي يرحم الفقيدة.. ويرحمنا''، فالمفجوع إنسان والفقيدة أم وكلنا يدري بأنه لا مصيبة فوق مصيبة فقدان الوالدين