مع أن وزيرنا الأول والأخير أحمد أويحيى شاب رأسه أو شيباتو المسؤوليات قبل الأوان، بعد أن عرفناه مسؤولا وهو في سن صغيرة نسبيا. مع ذلك، فإن وزيرنا الدائم الذي ينتمي سياسيا لعائلة بلخادم كما يعترف هو لا تبدو عليه علامات القلق واضحة كأنه من طينة الإنجليز أو لمصاروة باعتبارهم يبدون ما يخفون من كونهم أصحاب دم ساخن وليسوا أصحاب قلب بارد! وعندما يقول أويحيى إنه يقلق مافيا الاستيراد وأصحاب الحاويات، في معرض حديثه عن مسألة الازعاج، فإن ذلك الكلام لا تدعمه الحجج والأرقام! بارونات الاستيراد وأصحاب المافيا من صنع النظام الذي «يريف» التجارة الخارجية وقيمتها 40 مليار دولار سنويا استرادا فقط إلى حد خطير شملت حتى الغذاء والدواء. وهو ما جعل ولد عباس يؤكد مؤخرا أنه قضى على الرؤوس الكبيرة في مجال الأدوية، ولم تبقى إلا الصغيرة! والأرقام الأخيرة تقول إن 50 ٪ من هؤلاء مضاربون وغشاشون ومحتالون رغم جبروت رجال الجمارك ومراڤتهم! أي أن أويحيى أقلق نصفهم فقط والباقي مطمئنون بأن سيف الحجاج بعيد عنهم! القلق أنواع أخطره القلق الوجودي، وهو مرض العصر يشعر فيه الواحد بعبثية الوجود في هذه الحياة التي فقدت طعمها ونكهتها ! وهذا المرض الحديث الذي لا يبدو له علاج قد يكون مرتبطا بالنموذج الاقطاعي او الرأسمالي المتبع بعد أن يصبح مستقبل العامل على كف عفريت كلما دخل الثيران الكبار في عراك على المال (الفاني) والمصالح (الدائمة فيؤدي بالبعض الى الانتحار ! ومادام أويحيى هو الذي قاد وطبق قاطرة ما يسمى بالإصلاحات و«الإسلاخات» ودشن أول سنة من حكمه بتسريح نصف مليون عامل في إطار اتفاق «ستاند باي» مع صندوق النقد (والنكد) الدولي، وكلهم دعوا عليه، فإن ذلك يكفي لوحده للتأكيد أن ما صار يوصف برجل المهمات القذرة لا يقلق فقط نصف مافيا الاستيراد وأصحاب الحاويات، وإنما صار يقلق عموم الشعب وهذه مشكلة. فهذا العموم أصبح يبدي قلقا جديا من صاحبنا، وهم قلقون مثل أمريكا التي تبدي قلقها في كل مرة تحدث فيها «وخدة» عربية. وهذا ما جعلهم يتساءلون عن الدور القادم لهذا الرجل الدائم الحضور في واجهة السياسة وهذا، بعد أن أدى دوره كرجل للمهمات القذرة، وأقلق مافيا الاستيراد ثم أقلقنا كالناموس المزعج ونحن صاغرون!