[بلعياط] كيف تقرأون النتيجة الكبيرة التي حققها الأفلان في التشريعيات الماضية، خاصة وأن الأمين العام نفسه لم يكن يتوقع تماما الحصول على 200 مقعد؟ لا شك أن النتيجة التي حققها حزب جبهة التحرير الوطني هي نتيجة مبهرة بكل المقاييس، وإن لم تكن متوقعة من قبل الأمين العام للحزب، كما ورد في سؤالكم. لكني أقول إن هذه النتيجة كانت متوقعة في سياق رؤيتنا وتحضيراتنا لهذا الاستحقاق من طرف الجميع، من الأمين العام والمكتب السياسي إلى المناضلين في المحافظات والقسمات. وواضح تماما أن فشلا لأحزاب أخرى في الاستحقاق الانتخابي الأخير رد إلى نمط الاقتراع، وهذا النمط في حد ذاته لم يكن شيئا جديدا وليس مفاجأة، حيث كان محور نقاش في المجلس الشعبي الوطني بكل وضوح، وبمشاركة الجميع، وتمت المصادقة عليها بكل ديمقراطية وشفافية. (مقاطعة) لكن المعارضة تقول إنها تتحفظ أصلا على ما جاء في قوانين الإصلاحات، وتتهم الأغلبية في المجلس السابق بالالتفاف عليها؟ أولا مصادقة الأغلبية حجة لها وليست حجة عليها، والمشكلة هي عند الآخرين الذين يعطليهم القانون الحق في المناقشة والاقتراح والتعديل، لكن لا أحد قام بهذا، لم نسمع أحدا قال إن الانتخابات بهذا النمط قد تفسد النتائج، بل سمعنا جميع الأطراف متفائلة بالفوز وحصد الأغلبية في ظل النمط الانتخابي المعمول به. وعلى ذكر نمط الاقتراع، فإن هذا الأمر، وفي كل البلدان يدخل في أدوات التعريف الحقيقي بالرأي العام، أولا، وثانيا في إعطاء الفعالية للنمط الدستوري والنمط السياسي. وفيما يتعلق بالجزائر، ينبغي التذكير بأن الشرط المتعلق بالحد الأدنى، قبل التعديلات الأخيرة، كان ينص على نسبة 7 في المائة، بمعنى أن القوائم الحزبية والحرة التي لم تتحصل على هذه النسبة من مجموع الأصوات المعبر عنها لا تدخل في اقتسام المقاعد. وتوخيا لعدم إقصاء من لهم امتداد حقيقي داخل الرأي العام وافق حزبنا الذي يمتلك الأغلبية على تقليص الحد الأدنى من 7 إلى 5 في المائة. في حالات أخرى، كان يمكن رفع هذه النسبة إلى 10 في المائة، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة، وفي ضوء النتائج الأخيرة، إلى إقصاء عدد أكبر من الأحزاب من الحصول على مقاعد في المجلس. أما عن سبب إقرار نسبة 5 في المائة، فإن الهدف منه عدم تشتيت المسؤولية داخل المجالس، سواء المجلس الشعبي الوطني أو المجالس المحلية. هذه القاعدة المتعلقة بنسبة خمسة في المائة كانت معروفة للجميع وقبل بها الجميع، وسعى الجميع إلى الفوز في الانتخابات في ضوء هذه النسبة!! لكن المشكلة طرحت عند مشاركة عدد كبير من التشكيلات السياسية والقوائم الحرة في الانتخابات، حيث وصلت في ولاية المسيلة مثلا إلى 56 قائمة، وفاقت الأربعين في عدد كبير من الولايات الأخرى، مما أدى إلى تشتت الأصوات بشكل واضح، وأثر على حظوظ هذه القوائم التي لم تبلغ نسبة الحد الأدنى، وهو 5 في المائة. وبقيت فقط الأحزاب التي لها تمثيل وحضور على مستوى كل الولايات. أما الأحزاب التي خسرت الانتخابات، فذلك ليس ذنب حزب جبهة التحرير الوطني، بل عليها أن تبحث كيف لم تحصل على أصوات كافية. وهنا لا يصح لهؤلاء أن يقولوا إن خطاب الرئيس في ولاية سطيف قبل الانتخابات هو الذي غير النتيجة، إذا كان خطاب الرئيس يغير النتيجة بعد أكثر من 21 يوما من الحملة الانتخابية، للمعنيين فهذا يعني للرئيس قوة بشخصه، وقوة بانتمائه السياسي. لكن هذا لا يشرح الذي جرى، بل على الآخرين أن يعرفوا أسباب ضعفهم. وهنا أعود إلى سنة 1991، خلال الانتخابات التي جرت خلال عام 1991، حيث طرحت علينا الطريقة النسبية في الانتخابات لكننا رفضناها، لأننا مقتنعون بأن نظام الأغلبية المطلقة يعطي الانتخابات قوة من خلال تمكين الأحزاب القوية من التواجد في المجالس. ورغم أن النتيجة لم تكن في صالحنا تماما، حيث فاز بها حزب آخر، (بطريقة فيها الكثير من التجاوزات والتزوير)، لكن في ذلك الوقت تصرفنا برباطة جأش وببرودة دم، لم نقل إن الانتخابات لم تعطنا نتائج جيدة فيجب تدمير الجزائر وإسقاط النظام، بل عبرنا عن احترامنا للنتائج، وقلنا إنه حتى ولو تقوم الجهات المسؤولة بتثبيت النتائج، فسننتقل إلى المعارضة ونلعب دورنا كاملا، في الحفاظ على المنظومة الدستورية، من موقع المعارضة داخل البرلمان. والمفارقة أنه بعد أكثر من 20 سنة، يخرج علينا أناس فشلوا في انتخابات نزيهة وشفافة، ليقولوا إنهم سيقيمون برلمانا موازيا.. وفي الشارع!! هنا المواطن مدعو للتميز بين الحالتين: موقفنا في 91 أدى إلى خروج حزبنا من السلطة بداية من جانفي 92 إلى 5 جوان 97، ففي هذه المرحلة لم نكن الحزب الأول ولا الثاني، بل كنا الحزب الثالث، وقبلنا بالنتائج نترك للغير تقييمها وقبلنا بتسيير الأغبية دوننا، وكانت منطلقات موقفنا في تلك المرحلة هو التوازن والمسؤولية والشعور بخطورة المرحلة التي يمر بها البلد، لكنا كنا واثقين تمام الثقة بأن المستقبل لنا، فاستمرينا في العمل والنضال 5 سنوات كاملة، إلى أن استرجعنا الأغلبية في انتخابات 2002، و2007، و2012. عندما أذكّر بهذاه الحقائق التاريخية، فإنني أدعوا القراء، وعموم المواطنين إلى المقارنة بيننا والآخرين، على فرق أننا في التسعينيات كنا في السلطة وخرجنا منها بانتخابات فيها ما يقال. وأكثر ما أشدد عليه هنا أننا لم نقم بأي تزوير، رغم أنه في انتخابات محليات 12 جوان 1990 التي خسرناها كانت الحكومة من جبهة التحرير ورئيسها من اللجنة المركزية، والمجلس الشعبي الوطني كله من الأفلان، ومع هذا فلا تجد شخصا واحدا يقول إن الآفلان زور، أو أراد تزوير الانتخابات. بل قبل هذا، منذ خروجنا من الحزب الواحد ودخولنا فترة دستورية جديدة، فيها قوى سياسية متنوعة وفي بعض الأحيان متضاربة ومتناقضة ووضع الجزائر المالي والاقتصادي والاجتماعي هش، فقلنا أمام هذه الأوضاع لا يمكن لحزبنا أن يسير البلديات بمفرده، حتى وإن أعطانا الشعب الأغلبية، فإننا سندعو الآخرين ممن انتخبهم الشعب إلى المشاركة في التسيير. ونفس النظرة كانت لنا على المستوى المركزي (الحكومة والبرلمان)، حيث سرنا على هذا فكنا في الائتلاف الحكومي سنة 1997، وحتى عندما فزنا بالأغلبية الواضحة في تشريعيات 2002، لم ننقلب على هذه النهج، ولم نطلق غيرنا ممن يتسناب مع اتجاهنا الأساسي. السر في هذا أن كلا من الرئيسين اليامين زروال وعبد العزيز بوتفليقة لا يختلفان، عن توجه جبهة التحرير الوطني، وفي الجذور، في نظرتنا لعزة وطننا وحاجيات مجتمعنا. كما أذكر هنا أن الجزائر سجلت سابقة، وهي أن الرئيس زروال تخلى طواعية عن مهمته، وجرت انتخابات أيدنا فيها المرشح بوتفليقة وكانت شفافة لكن أراد البعض آنذاك أن يكدر الجو ويلوث هذا المسعى بمقاطعة الانتخابات قبل يوم أو يومين لكن الرئيس زروال لم يلغ الانتخابات، والرئيس بوتفليقة لم ينسحب، وأيده الشعب بالأغلبية. فالذين انسحبوا كتب عليهم ذلك، أما الأفلان فاستمر في دعمه للرئيسين، زروال وبوتفليقة، لأن نجاح الانتخابات ونجاح البلد كان مهمتنا الأساسية. وبعد الانتخابات، واصلنا العمل مع الرئيس بوتفليقة، وكان أول قانون جاء بها (وأنا كنت يومها في الحكومة) هو قانون الوئام المدني من أجل حل الفتنة الكبرى التي هي الإرهاب، وبعد الوئام جاءت المصالحة، كإجراء سياسي لحل الأزمة، وحافظنا على شرعية المؤسسات من خلال إجراء الانتخابات في موعدها (2002-2004-2007-2009-2012)، في جميع هذه المواعيد كانت جبهة التحرير ثابتة على مواقفها، ومتعاونة مع من يتفق معها في القضايا الوطنية الكبرى، ومستمرة على ذلك. رغم أن بعض شركائنا لم يستمروا معنا، وفضلوا قراءة سياسية تتملص ولا تتملص مما حققناه معا، حيث يصرح قادة حمس أنهم لم يتخلوا عن برنامج الرئيس لكنهم تكتلوا في إطار «الخضراء»، في إطار برنامج آخر غير برنامج الرئيس. إن سعينا لتحصيل الأغلبية مبني على أساس الاستمرار في برنامج الرئيس، فبرنامج حزب جبهة التحرير االوطني، المعد في المؤتمر التاسع، لا يختلف ولا يناقض برنامج الرئيس، فالتصويت على الأفلان يعني التصويت على برنامج الرئيس. في 2011 قمنا بالمصادقة على إصلاحات بادر بها الرئيس وكنا الأوائل في دعمه في تجسيدها في قوانين عضوية، وهو ما يتطلب تعديلا دستوريا هنا أريد تسجيل ملاحظة دقيقة: بالرغم من أن الرئيس كانت عنده تحفظات جوهرية على دستور 96 إلا أنه التزم به قبل أن يقوم بتعديله .. ونحن مهدنا لهذا التعديل ففي 2006 قدمنا نظرتنا للتعديل وبعثنا به الرئيس لأنه الوحيد المخول له في الدستور بالمبادرة بالتعديل دون سواه، وليست لنا حاجة في مجلس تأسيسي.. ولا الأغلبية مهما كانت لها الحق في التعديل. نحن أعطينا الرئيس رأينا، فجاء التعديل الجزئي في 2008، بأشياء أساسية منها توحيد السلطة التنفيذية وترقية المرأة في المجالس المنتخبة والتي حققت بلادنا فيها نجاحا باهرا بتواجد حوالي 145 امرأة في البرلمان. ونحن الآن ماضون نحو التعديل الدستوري العميق، حيث يرغب الرئيس في توحيد السلطة التنفيذية وتحديد المسؤولية فيما يتعلق بالقضايا الإستراتيجية للدولة والمجتمع، والأفلان لا يريد نظام برلمانيا عقيما مثلما عرفته الجمهورية الرابعة في فرنسا وتعرفه حاليا اليونان، التي توجد على حافة الانهيار، بينما السياسيون لم يتفقوا على شيئ، حيث أجروا انتخابات وألغوها بعد شهر واحد فقط! جبهة التحرير لا تريد نمطا هكذا في الجزائر، نحن مع النمط الفعال الذي لا يصادر الديمقراطية ولا يمس بحق البرلمان في الرقابة. نحن تمنينا أن يكون أكثر من حزب يتبنى هذه النظرة وتصورنا بأن التحالف الذي كنا فيه يسير على نفس النمط ويتبنى نفس التوجه، لأن الأفلان لا يحتكر برنامج الرئيس، بل هدفنا توسيع قاعدة التأييد للرئيس وتبني برنامجه. في الانتخابات الأخيرة، رفعتم شعار الاستمرارية، و آخرون (الإسلاميون تحديدا) نادوا بالتغيير، وقالوا إذا كان الأفلان راض على الوضعية العامة للبلد، فإننا نختلف معه، وهذا ربما مكن الخلاف الحقيقي بينكم؟ أولا، هنا فيه مغالطة،الأفلان ليس راضيا مئة بالمئة عن الوضع الحالي. فهمها كانت المنجزات، فإن الأمر يحتاج إلى تصحيح وتحسين، لأن التسيير الذي نشارك فيه ليس فيه الكمال، ولذا نخاطب الشعب بما يطلبه ويحقق تطلعاته، وندرك أن برنامج الرئيس يتكفل بهذه التطلعات لما فيه من مرونة علاوة على أنه لم يكتمل بعد، بل بعد 2014 ينبغي أن يواصل في نفس المسعى، فالأفلان له نظرة مستقبلية. الآخرون يقعون في تناقض واضح، من جهة يرفعون شعار التغيير المعاكس لتوجه الرئيس، ومن جهة أخرى يقولون إنهم مع برنامج الرئيس، وفي رأيي هذا التخبط هو الذي كان له تأثير على نتائج الانتخابات. نحن نصبو إلى أن الأغلبية الواضحة التي حازتها جبهة التحرير في تشريعيات ماي ستنعكس في تشكيل الحكومة القادمة، ومن دون تردد نقول إن قيادة الحكومة تعود إلى جبهة التحرير الوطني. مقاطعة: لكن الأمين العام السيد عبد العزيز بلخادم لا يصرح بهذا؟ الأمين العام لا يصرح بهذا الأمر، لأنه يعتبر من القيادات العليا للبلاد التي تشعر بالحفاظ على التوافق في المستوى العالي لكن أغلبيتنا ترى أن تسيير الحكومة من طرف شخص من خارجنا قد يؤدي إلى عدم توافق مع سياسة الحكومة، أما إن كان (ولا بد أن يكون الويزر الأول من حزبنا)، فهو يقع تحت رقابات ثلاثة: الرقابة الأولى: مواصلة العمل مع الرئيس وباستمرار، فالمطلوب من الوزير الأول أن لا يكون متناقضا ولا متضاربا ولا أن يقول عكس ما يقوله رئيس الجمهورية. الثانية: هي رقابة الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني. الثالثة: الهيئات المركزية والمحلية للحزب. برأيي، هذه الرقابات لا تتعاكس فيما بينها، حيث يكون الوزير الأول شخصية قوية تعبر عن ماضي جبهة التحرير وحاضرها ومستقبلها ويحوز على المواصفات المطلوبة في رجال الدولة. والأفلان قادر على تغطية جميع المناصب التي تتطلبها الحكومة بالإطارات النوعية، ونحن مستعدون، ونرحب بمن يريد العمل معنا والإسهام في خدمة الجزائر. ألا ترون أن تولي الأفلان قيادة الحكومة المقبلة يشكل عليه ضغطا إضافيا بالنظر إلى المعطى الإقليمي، حيث أن جميع حكومات دول الجوار تقودها أحزاب ذات مرجعية دينية، حملتها موجات الربيع العربي؟ لا، «كل إناء بما فيه ينضح»، والربيع العربي الذي يتحدث عنه الإعلام سببه أن عملاء مصالح الاستخبارات الأجنبية يروق لهم أن تتدهور الأوضاع في كل البلدان حتى يتوفر الماء العكر للاصطياد فيه. أما الجزائر، فهي محصنة جيدا، لأنها واكبت جميع التغيرات خلال العشريتين الماضيتين، بما تملكه من حصانة نتيجة التجربة الوطنية في حرب التحرير. فرنسا خلفت لنا الأمية والجهل والمرض، لكن الحزب الواحد بعد سنتوات قليلة استطاع إقامة بوادر اقتصاد عصري، من خلال مخططات التنمية. هناك من يعتقد أن فرنسا تركت منشآت قائمة ومؤسسات عصرية، لكن الأفلان عبث بها ولم يحسن تسييرها، هذا الأمر ليس صحيحا..! الآفلان انطلق من وضع كارثي بكل المقاييس، حتى البترول لم يكن سعره يتجاوز 2 دولار، لكن الذين حرروا الوطن كان لهم تحدي أساسي وهو أن يبنوا البلد. بعد فترة الحزب الواحد، دخلنا التعددية بطريقة غير محسوبة، كان من مخلفاتها ظاهرة الإرهاب بكل مآسيه على الوطن والمواطنين، لكن البلد سرعان ما استعاد تماسكه واستعادت المؤسسات سيرها، وقمنا بالتخلص من المديونية بل إن الأفامي يطلب اليوم قروضا من الجزائر. هؤلاء الذين كانوا ينتظرون ربيعا عربيا يتناسون أن هذا الربيع قام أساسا ضد أنظمة فاسدة صراحة: عائلات “ركبت” على بلدانها، كما في تونس ومصر وليبيا، وهي الأوضاع التي كانت «ترعى» منها الحركات التي جاء بها الربيع. أما في الجزائر، فأمثال هذه الحركات لم تجد «مما ترعى» وكيف ترعى، بل إن الربيع كان ربيع جبهة التحرير التي أكد الشعب تمسكه بها وثقة في خطابها وبرنامجها. تتحدثون عن المنجزات، بينما ترتبط صورة الأفلان في ذهن الكثيرين بحصيلة سلبية للتسيير على امتداد 50 عاما؟ هذه مغالطة فاضحة، جبهة التحرير لم تحكم 50 سنة، بالضبط حكمنا 28 سنة، وهناك تقرير لمجموعة من الخبراء بطلب من الرئيس السابق ليامين زروال أنصف حكم وحصيلة جبهة التحرير، وهذا التقرير الضخم موجود وباللغتين. علاوة على هذا، فإن الجبهة عوقبت بما يكفي في انتخابات 90 و91، وإلى غاية 97 لم نكن في الحكم فلماذا نحاسب عليها، حتى من 97 إلى 2002 يجب محاسبة من فاز بالأغلبية ومن فاز بالمرتبة الثانية، فلماذا تحاسب الجبهة. في انتخابات 2002 طلبنا جميعا الحساب من الشعب، فكان النتيجة أغلبية مطلقة لقوائم الأفلان. لهذه الأسباب لم يكن، ولن يكون ربيع عربي، حتى ولو أن الرئيس طلب من الشعب انتخاب الإسلاميين، فإن الشعب لم يكن ليوافق، لأنه بذلك يطلب المحال، والحمد لله أن ذلك لم يحدث..وما قاله الرئيس كان عين الصواب.. غدا تنعقد اللجنة المركزية في دورة عادية لكنها حاسمة حيث يقول معارضو القيادة الحالية إن اليومين القادمين سيكونان الأخيرين لبلخادم في الأمانة العامة؟ أولا، سحب الثقة من الأمين العام ينبغي أن تتوفر له شروط قانونية، هذه الشروط منعدمة الآن بحكم المادة 38 من القانون الأساسي التي تقول بأن اللجنة المركزية تنتخب الأمين العام للحزب لمدة 5 سنوات. وبالتالي فإن الأمين العام ليس أمينا عاما للجنة المركزية ولا للمكتب السياسي بل هو أمين عام للحزب لمدة 5 سنوات، ولا يتوفر لأي هيئة كانت أن تعدل هذه المادة إلا المؤتمر. وبالتالي فإن كل اجتهاد عكس هذه المادة هو باطل وجوبا. وأكثر من هذا رأي المادة صريح.. والمقصود بها معروف لأنها تحمي مؤسسات الحزب من النزوات ومن التكتلات الفئوية والظرفية أو غيرها للتلاعب بهيبة واستقرار المؤسسات، وبالتالي فإن منصب الأمين العام محمي بقوة القانون. لكن ماذا ارتكب الأمين العام لتحسب منه الثقة؟ الأعذار تكاثرت وتداولت. في البداية، لم يقل أحد شيئا فيما يخص المؤتمر التاسع ومضت 30 يوما كان المؤتمر سليما واللجنة المركزية سليمة.. وحتى أثناء انعقاد اللجنة المركزية التي انتهت بتزكية المكتب السياسي تقدم الأمين العام بشرح خطة نشاط الحزب وتنظيمه في عدة أمانات وزعها على أعضاء المكتب السياسي لم نسمع رأي ولا احتجاجا ولا اقتراحا مغايرا. لكن بعد تزكية المكتب السياسي ظهرت أصوات منفردة ومتكتلة للتنديد بما “ارتكبه” الأمين العام وهو ابتعاده عن أصالة الحزب، لأنه اقترح شعارا أجنبيا (من السودان) هو «حزب قائد في وطن رائد»!! هنا لا بد من التذكير أن هذا الاقتراح قام به الأمين العام آنذاك أمام الهيئة التنفيذية صراحة ولم نسمع صوتا مغايرا أو معارضا لهذا.. فتبناه المؤتمر. ثم قالوا إنه نظم أشغال المكتب السياسي بنمط الحزب الحاكم في مصر وهذا ليس صحيحا أبدا. بهذا بدأت الأمور، وتطورت إلى أن قالوا إنه يوجد في اللجنة المركزية أشخاص لا تتوفر فيهم الشروط المطلوبة، مع العلم أن هذه الظاهرة وقعت في 2005، عندكما كان أصحاب هذا الطرح على رأس الحزب، وصعبت بعد ذلك معالجتها بدون التفصيل فيمن ساهم في ارتكابها!! لكن الأمين العام طالب بنشر الأسماء التي لا تستحق أن تكون في اللجنة المركزية ولحد الآن لم يقدمها أحد!! بعد هذا انتقلوا إلى حجج أخرى، وصولا إلى القوائم خلال التشريعيات الأخيرة، حيث قالوا إنها بشعة وستتسبب في خسارة الحزب، وبالتالي، رفضوها، وقام الكثير من الذين يطلبون إعفاء الأمين العام اليوم، بحملات ضد قوائم الحزب، والنتائج موجودة عند المحافظين. لكن بلخادم رفع تحديا، وقال إن المكتب السياسي اجتهد في وضع هذه القوائم، وأعلن تحمله المسؤولية في أول دورة للجنة المركزية بعد الانتخابات. وبعد الانتخابات وحصول الحزب على 208 مقاعد، بدأوا في القول إن هذا الفوز لم يكن بحكم اختيار القوائم، والأمين العام ليس له يد فيها، وإن مصداقية الحزب هي التي أدت إلى الفوز، بل إن الرئيس هو صاحب الفضل!! والواقع أن قوائم الحزب انتصرت، رغم كل الهجمات التي تعرض لها، ورغم حملات المناوئين للأمين العام، التي لم يتفاعل معها المناضلون وعموم المواطنين. هذا هو الوضع العام للحزب.. لا توجد شروط سياسية لسحب الثقة من الأمين العام، فهو لم يخرق القوانين، ولم يتسبب في خسارة للحزب، بل أعطاه نتائج باهرة، لأنها جاءت بعد نعيق الغربان الذين لطالما تمنوا أن يذهب الأفلان إلى المتحف، ولطالما ادعوا أن الحزب حاليا لا يستحق رصيد جبهة التحرير الوطني التاريخية. هنا يجدر التنويه أن هذه النتيجة الباهرة جاءت أسابيع قبل الاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال، وهذا فضل من الله أن تكافأ جبهة التحرير بهذا الانتصار في هذه الذكرى المتميزة.