لم تكن الولادة يسيرة أو بغير آلام مبرحة.. بل كانت عسيرة جدا.. ومرهقة للأعصاب.. ومخاضها الطويل أصاب مصر برمتها.. وامتد منها إلى عائلة الربيع العربي.. التي كانت تضع يدها على قلبها.. تنتظر بلاغ الولادة.. فشأن مصر يهم العرب جميعا.. وليس المصريين فقط… فعندما حج السادات إلى إسرائيل.. حج معه أغلب العرب.. وعندما سقط مبارك.. سقط معه إخوته في الديكتاتورية. كان السؤال: هل تكون الولادة طبيعية.. بغير جراحة عسكرية.. ويقيد الوافد الجديد في سجل الديمقراطية.. كأول مولود شرعي ينجبه الصندوق في مصر.. ؟ أم يأتي سفاحا.. وتكون تلك صعقة الشرف الكبرى.. لأن الحمل الكاذب.. جاء بمولود كاذب؟! كانت الولادة عسيرة للغاية.. والقابلة التي احتفظت بسر المولود لا تريد الإفصاح عنه إلى آخر لحظة.. كانت رهينة أوامر ذوي القبعات.. أتعلنه مسخا اسمه شفيق.. أم مولودا طبيعيا اسمه مرسي؟ تحت ضغط ميدان التحرير.. سلمت القابلة بالحقيقة.. وتركت الرحم تفرز ما بداخلها.. وعجزت عن التصرف في جنس المولود ولقبه.. ومن يكون أبوه.. ومن إخوته.. وما هي الجنسية التي سيكتسبها بعد أن يجلس على الكرسي. استقبلت مصر رئيسها الشرعي الأول.. واسمه الكامل «محمد محمد مرسي عيسى العياط».. المولود في 20 أغسطس 1951.. فلم يكن من سلالة المماليك.. أومن أحفاد محمد علي.. ولا من قبيلة ذوي القبعات الخضر.. بل كان من بسطاء مصر.. لا أكثر. اليوم.. وتحديدا في الرابع والعشرين جوان.. أصبح لمصر رئيس شرعي تفخر به.. وتعلنه أمام الملأ.. رئيس معلوم الوالدين.. من سلالة ريفية.. غير مقيد على مجهول.. جاء بشرعية الصندوق.. وليس بشرعية العربة والمدفع.. بقوة القانون.. وليس بقانون القوة.. بتضحيات «الغلابة».. وليس بقفزات القطط المكتنزة بلحم سكان المقابر والعشوائيات. بإعلان مرسي رئيسا لمصر.. خنس شيطان التزوير الأكبر.. يندب حظه وحظ أشقائه من الرضاعة.. وانتكست مافيا المال والسياسة.. تترقب ما يفعل بها.. وهي التي حولت مصر الكبيرة.. إلى مزرعة دواجن مملوكة لمبارك وآله وخدمه.. وأعلنت بصفة رسمية وفاة «الفرعون الثاني» الذي حكم مصر ستين سنة.. ويا للمفارقة.. ترقد مومياء رمسيس الثاني في المتحف المصري المحاذي لميدان التحرير.. وهو الذي مات غرقا في البحر الأحمر.. ليموت حفيده غرقا في بحر ميدان التحرير. وكشأن كل الولادات القاسية في التاريخ.. ستبدأ مصر تاريخا لم تألفه من قبل.. لكن دون عقبات وشياطين ترقص على رجل واحدة.. ومسامير معدة لثقب عجلات الرئيس المنتخب.. وأهوال ضخمة من الفقر والتخلف والظلم والقهر. فهل يكسب مرسي التحدي..كشأن الإخوان دائما.. أم يقبع أسيرا في القصر المرصود.. تحيط به شياطين الإنس والجن؟ هذا يوم في حياة مصر.. لكنه ليس كباقي الأيام.