إن ما ينبت من فكر قتالي.. على ضفاف الدين.. أو في صلب تأويل متعسف لمدلول قرآني.. يتحول لاحقا إلى منطلق عبثي لإثارة الرعب بين الناس.. وإشاعة الفوضى في الطرقات.. ولن يكون جهادا بأية صورة.. ولن يكونه تحت أي طائل أو مبرر أو عنوان.. بل يكشف عن خلل فادح في استقبال الإشارات التي ترسلها آيات القرآن الكريم.. تلك التي تحث على التواصل مع الناس بالحكمة والجدال الحسن والصبر.. دون التفكير في مهاجمتهم.. وإشهار السيف في وجوههم. أنا لا أفهم.. كيف يصير مجاهدا.. أو جهاديا.. من يخل بأبسط التزاماته الدينية.. من يعجز عن مد يد العون لمحتاج.. ومن يفرط في أداء وظيفة يتلقى عنها مقابلا.. ومن يفتقر لأبسط آداب المعاملة.. فيسيء التصرف مع الخلق عامة.. ومن لا يحفظ من القرآن إلا آيات ينتزعها من سياقها الطبيعي.. ليؤسس عليها مملكته الجهادية.. التي يعبر منها إلى الجنة مباشرة. ^^^^ ماذا يعني أن تهاجم مخفرا حدوديا.. فتقتل العشرات من الجنود الأبرياء.. الذين ساقتهم الأقدار.. ليرابطوا على حدود إسرائيل.. ثم تسرق عربة تقتحم بها معبرا أخلاه اليهود مسبقا.. وعندما تجتازه بمئات الأمتار.. تتلقفك الأباتشي بقذيفة موجهة تحيلك رمادا؟ أو بمعنى آخر: ما دلالة أن تقتل أبرياء ثم تقتل.. لتخرج إسرائيل رابحة من العملية برمتها؟ هم يسمون هذا جهادا.. ونحن نراه لونا من العبث أو الخبل.. الذي تختلط فيه الأوهام والتهور.. بالضحالة الفكرية والجرأة على دين الله.. لتتأكد حقيقة أن هناك من يخرب الدين باسم الدين.. ويجلب المآسي على المجتمع بعنوان مقاومة الظلم.. ويزرع الفتن بداعي إحقاق الحق. في تاريخ المسلمين القديم.. انبثق الخوارج من فهم خاطئ للنص القرآني (… إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ… الأنعام 57).. ورتبوا عليه استنتاجا عجيبا.. فقالوا إن عليا مخطئ لأنه حكم الرجال.. في ما هو من حكم الله.. أي إن عليا خالف القرآن.. ثم تقدموا خطوة.. فقالوا إنه كافر.. ثم قفزوا أبعد من ذلك.. فقالوا.. تجوز مقاومته.. بل تجب مقاومته.. ثم استباحوا كل من يقف معه.. فتحول أتباع علي – رضي الله عنه – بتقديرهم إلى غنائم وأسلاب.. وباقي القصة تعرفونه. اليوم.. يقف جهاديو هذا العصر.. في المربع ذاته الذي شغله الخوارج قديما.. يحكمون أن كل الأنظمة العربية كافرة.. لأنها ببساطة لا تحكم بما أنزل الله.. ثم يزيدون.. هؤلاء الجنود يحمون الأنظمة.. إذن يجوز قتالهم.. وبما أن الوصول إلى مخفر إسرائيلي لا يتحقق إلا باستهدافهم.. فليكن.. نقتلهم ونستولي على أسلحتهم.. ونذهب لحرب إسرائيل. إنه استنباط عبيط.. كل حلقة تكفيرية فيه.. تفضي إلى التي تليها.. وعندما تكتمل الحلقات.. يصبح العالم برمته في ضفة.. وهؤلاء الجهاديون في الضفة الأخرى. هكذا يفهمون الدين.. ليمضوا في طريق الجنون والخراب.. يجهزون النصوص بناء على فهم ظاهر لها.. ليعبروا بها إلى التنفيذ.. وعندما تتراكم المصائب.. وتشيع الفتن.. يصرون على المضي إلى الأمام.. معتقدين أنهم على صواب تام.. وغيرهم على ضلال مطلق.. هم في طريق الجنة.. وغيرهم في طريق النار.. ولم يبق سوى أن يقولوا إنهم يقاتلون.. وروح القدس معهم!!! ^^^^ إن التطرف في فهم وتطبيق أحكام الدين.. تعقبه نتائج كارثية.. لا يسلم من كوابيسها أحد.. هذا التطرف الذي يتطور إلى وصاية مباشرة على الإسلام.. تمارس بالقوة.. ولا تمنح نفسها فرصة المراجعة.. كأنهم لا يقرأون قول الله تعالى {… وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً – الإسراء54}. ينتهي التطرف خدمة مجانية تسدى لأعداء الإسلام.. هؤلاء الذين لو لم يكن الإرهاب قائما لأقاموه.. ولو تكن القاعدة موجودة لأوجدوها.. لأنهم بحاجة دائمة ومتكررة إلى منفذ يتسللون منه.. لتبرير حربهم على الإسلام. أعتقد أن الجماعات القتالية التي نكبت بها المجتمعات الإسلامية.. ساهمت إلى حد بعيد.. في دفع عجلة المسلمين إلى الخلف.. لأنها تمنح الحياة والاستمرار.. لأنظمة الاستبداد العربي.. التي تكرس انحطاطنا المادي والعقلي والنفسي. تابعت ردة الفعل الإسرائيلية مما حدث في رفح.. فأيقنت أن اليد الصهيونية القذرة.. كانت وراء الجريمة.. ثمة قرائن تثبت تورط إسرائيل في استدراج هؤلاء الأغبياء إلى الفخ.. قبل أن تدعو مصر الجديدة للتعاون من أجل بسط الأمن.. ومحاربة الإرهاب. إن هؤلاء ( الجهاديين).. عبارة عن أورام تنخر في الجسد الإسلامي.. لتستنزف عافيته.. وتسرع به الخطى إلى القبر.. إن ما يقتضيه منح الفرصة لهذا الجسد كي يتعافى.. هو إشاعة جو الحرية في هذا الوطن العربي المحكوم بقبضة الاستبداد والفساد.. يعاضدهما الغلو والتطرف. عندما يصبح التعبير عن الأفكار ممكنا.. تزول كل المبررات العنفية.. ولا تعود هناك حاجة لحفر ممرات تحت الأرض.. أو العمل خلف الستار.. كما لا يبقى الدين شجرة يتستر وراءها مرضى النفوس والعقول. ولهؤلاء الذين فسد تدينهم.. بفساد عقولهم نقول.. اقرأوا قول الله تعالى {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً 103 – الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً – 104 الكهف}.. وإذا أعوزكم التفريق بين الضلال والهدى.. يمكنكم أن تحزموا متاعكم وترحلوا.. فليس بيننا مكان لمن يرى نفسه من عائلة (أحباء الله).. وغيرهم من الضالين.