يحلم كل زوجين بمولود يدخل حياتهما و يضفي عليها السعادة والهناء ، فينتظرانه بكل شوق و حنين و يعدون لساعة ميلاده الشهور و الأيام ، وأوَل ما يتبادر في ذهنهما التساؤل إذا ما كان الجنين ذكرا أو أنثى من أجل اختيار أروع اسم له من باقة الأسماء ، مستبعدان تماما احتمال حدوث إعاقة أو تشوه خلقي لدى الجنين . في هذا الصدد ارتأت "الجزائرالجديدة " التطرق إلى الموضوع ، من أجل الكشف عن " العقليات " الجزائرية في تعاملها مع الطفل المعاق . أزواج لا يتقبلون الإعاقة والإجهاض سبيلهم الوحيد
حالات كثيرة كانت فيها معرفة الزوجين لإعاقة مولودهما وهو جنين في أحشاء الأم بمثابة الصاعقة عليهما، فهما لا يتحمّلان أن يكون مولدوهما يعاني من إعاقة أو تشوه خلقي، رغم أن ذلك قضاء وقدر، ومن أمثلة ذلك التقينا بالسيدة "ن، م " بمستشفى القبة بالعاصمة ، أين لاحظنا ملامح الحسرة والحزن بادية على وجهها ، تقربنا منها وحاولنا الاستفسار عن الأمر، لتكشف لنا أنها حامل بطفل" تريزوميا 21 "هذا الخبر الذي لم تستوعبه هذه السيدة ولا زوجها الذي بقي صامتا وبدا عاجزا عن الكلام، خاصة وأن زوجته حامل بطفلها الأول بعد انتظار دام 6 سنوات ، قضتها متنقلة من مستشفى إلى آخر تبحث فيه عن نعمة الذرية ، هذه النعمة التي لا يدركها إلا من فقدها والأدهى ما في الأمر أن هذه السيدة لم تتمالك أعصابها ، إثر معرفتها للخبر وأضحت تسترسل في كلام يمس بالعقيدة ليسرع زوجها من أجل إسكاتها، ولكنها لم تبالي به وأقسمت أنها ستجهض الجنين ولن تحتفظ به ، ونفس الشيء لمسناه من السيد "عمار" 36 سنة الذي التقينا به في جناح طب النساء والتوليد بمستشفى القبة ، حيث عبّر عن استيائه وحزنه الشديد إثر معرفته أن زوجته حامل بجنين يعاني من تشوه خلقي، لاسيما أن المولود بنت ، على أساس أن الرجل لا عيب فيه على حدَ تفكيره ، مضيفا أنه يخشى على مصير ابنته بأن تعاني من عقدة نفسية وتبقى طيلة حياتها عانس، وهذا ما سيدفعه لا محالة لإجهاض الجنين حرصا على مشاعر ومستقبل ابنته.
عندما يصبح المعاق مصدر سعادة العائلة
وبالمقابل هناك الكثير من العائلات التي أبدت تعلقها الكبير واهتمامها الواسع بطفلها المعاق ليصبح الطفل المدلل لهم، ويعتبرونه نعمة وليست بنقمة عليهم، فهم متيقنون أنه قضاء الله وقدر ولا اعتراض لقضاء الله، بل إنهم يكرَسون كل ما أتيح لهم من أجل الحفاظ عليه ورعايته وتوفير له كل متطلباته واحتياجاته، لأنه مصدر سعادتهم في الدنيا والآخرة. السيدة "بهية" 52 سنة أم ل 5 أطفال بما فيهم أصغرهم "يحي" البالغ من العمر 6 سنوات ، والذي يعاني من إعاقة حركية وذهنية بنسبة 100 بالمائة، وهذا ما يجعله يعجز عن القيام بوضائفه البيولوجية بشكل عادي بما فيه الأكل والشرب، فوالدته هي التي تتكفل بكل احتياجاته منذ ولادته ، و قد أكدت لنا أنها في حديثها أنهل فخورة بولدها وأنها لم تشعر يوما بالاستياء أو بالخجل و التذمر لأنها مؤمنة بما قدره الله لها وأنه سبب سعادتها في الدنيا والآخرة، حيث تشعر بأنها تقوم بعمل خيري يكسبها رضا الله وعفوه ويفتح لها أبواب الجنة، و الأكثر من ذلك فإن كل ما تقوم به اتجاه طفلها هو من واجباتها قبل كل شيء ، وفي ذات السياق كانت إجابة السيد "مختار" 48 سنة، وهو أب للطفل "أيوب" البالغ من العمر 3 سنوات و الذي يعاني من تشوه خلقي يجعل كل من يراه يبتعد عنه ، لكنه أخبرنا بأن "أيوب" أحبَ أولاده إلى قلبه ولن يتخلى عنه إلى آخر نفس من عمره ، خاصة و أنه فال خير عليه فبعد ولادة "أيوب" مباشرة رزقه الله بخير كبير ووسع في رزقه بعدما كان لا يملك قوت يوم واحد. أمهات يخجلن بابنهم المعاق ورغم أن الطفل المعاق لم يرتكب أي جرم ، إلا أنه وجد نفسه في عالم لا يتقبل البعض إعاقته وينظر له البعض الآخر بشفقة وحزن ، فيما يخجل منه الآخرون ، لاسيما عائلته ووالديه، ليصبح ضحية الجهل والأنانية ، لاسيما إذا كانت الأم هي سبب تعاسته في الحياة ، فكثير منهن لم يفصحن عن مشاعرهن الرافضة لإعاقة أطفالهن لأي سبب كان ، لكن في حقيقة الأمر تجدهن يسئمن من طفلهن المعاق ويخجلن به ولا يتعاملن معه بعدل . "محمد أمين" طفل في العاشرة من عمره، يعاني من تخلف ذهني لكنه الطفل المحبوب من جميع الجيران فالكل يتحدث إليه ويسأل عنه ، لكن من جهة أخرى فوالدته لا تهتم به وتلقي به خارج المنزل طوال اليوم غير مبالية بطعامه و لباسه ، خاصة أنها تشتغل منصب إطار بمؤسسة خاصة ولها علاقات واسعة ، بحيث تخبرنا جارتها السيدة" ن" أنها لا طالما وجدت "محمد أمين" نائما في الشارع ويبكي من شدة جوعه لتقدم له الأكل وتغسل له ملابسه ، فيما تبقى والدته منهمكة في عملها واهتماماتها التي وسعت كل شيء غير طفلها المعاق ، تظيف متحدثتنا قائلة أن جارتها تخجل كون ابنها معاق ذهني ، وتطلب منها عدم إبقائه في منزلها ريثما تستقبل ضيوفها ، وهذا ما يزيد السيدة "ن" تعلقها ب "محمد أمين" لدرجة البكاء عليه والحسرة لما يحدث له مع أمه الظالمة . زوجات يمتنعن عن الإنجاب خشية من شبح الإعاقة
وفي حالات أخرى يكون العامل الوراثي السبب الرئيسي وراء تحديد النسل لدى بعض الأزواج ، مخافة أن يكون المولود يعاني من إعاقة حركية أو ذهنية أو تشوه خلقي . أما البعض الآخر من الأزواج فيصاب بصدمة نفسية إثر إنجاب مولود معاق يجعل الأم بالدرجة الأولى تمتنع عن الإنجاب مرة أخرى مثل السيدة "فتيحة" 36 سنة، متزوجة منذ أكثر من 9 سنوات ، حيث أنجبت مولودها الأول الذي يعاني من إعاقة حركية وذهنية جعلته لا يفارق الفراش ليلا ونهارا، وقد فارق الحياة بعد أشهر من ولادته ، هذه الحادثة كانت بمثابة صدمة كبيرة على السيدة "فتيحة" وزوجها ، وصعب عليهما التخلص منها لسنين طويلة ، و الأخطر من هذا أنهما امتنعا عن الإنجاب مخافة إنجاب طفل معاق ، وبعد إلحاح كبير من طرف عائلتهما وبعد خضوعها لجلسات لدى طبيبة نفسية تمكن الزوجان من الإنجاب مرة أخرى ، لكنهما رزقا هذه المرة ببنت بهية الطلعة وغير معاقة سميت على بركة الله "مريم". ومن جهة أخرى، فإن بعض العائلات اللواتي اعتمدن على زواج الأقارب ، كانوا ضحية إنجاب طفل معاق أو يعاني من تشوه خلقي، وعائلة السيد الطاهر مثال حي على ذلك حيث تزوج والده من بنت العم فكان ثمرة ذلك أختين معاقتين ليمتنع عن الإنجاب خشية من شبح الإعاقة الذي لحق بعائلته .