في كل مرة تجد شريحة المعاقين نفسها تقف أمام عوائق تزيد من معاناتها، لاسيما عند بلوغ سن معينة، ونود هنا التطرق الى أحد الحقوق التي تحرم منها هذه الفئة خصوصا، وهو الزواج.. ولعل أهم ما يسمعه المعاق ويولد بداخله إحساسا بعدم الانتماء إلى المجتمع والرغبة في الاختفاء من الوجود، هي عبارة مثل » علاه ما تخطبش واحدة كاملة؟«.. »هذي محتاجة للي يخدمها«، »أنا نخطب لوليدي اللي تخدمو ماشي اللي يخدمها«، »وعلاش كاينين غير المعوقين«.... وغيرها كثير من الأقوال الجارحة التي لا تأخذ بعين الاعتبار مشاعر وأحاسيس المعاق. تقول رئيسة جمعية الأمل لذوي الاحتياجات الخاصة الواقعة بباب الوادي، الآنسة حيزية رزيق في دردشة مع المساء"، ب"أن الجمعية عبارة عن مجتمع مصغر يضم أشخاصا يحملون إعاقات مختلفة، ويعتبرون الجمعية بمثابة المكان الذي يشعرون فيه بحريتهم وكرامتهم وبانتمائهم إلى المجتمع الخارجي". وتضيف أنه فيما يخص الزواج فهو غير وارد مطلقا ضمن مشاريعها، وتقول " كرامتي هي أعز ما أملك، وعليه، فحتى وان قبلت الزواج فإن المحيط العائلي سوف يؤثر لا محالة سلبا على نجاح هذه العلاقة الزوجية، وبالتالي، فإن المشكلة ليست في الإعاقة في حد ذاتها وإنما في النظرة الضيقة للمجمع إليها". وتضيف » على العموم فحتى وإن رغبت في الزواج شخصيا، أفضل الاقتران بشخص سليم ومعافى، وهذا لا يعني أبدا الانتقاص من كرامة المعاق، ولكن أرى انه من اجل إحداث نوع من التوازن في العلاقة الزوجية، ينبغي أن يكون الطرف الثاني سليما حتى يتمكن من تغطية النقص أي الإعاقة، على اعتبار أن الحياة الزوجية تقوم على التعاون". وللعلم، فان رئيسة الجمعية تعاني من إعاقة ناجمة عن خطأ طبي أدى إلى بتر رجلها عندما كان عمرها ثلاثة أشهر، ومع هذا فإن الإعاقة لم تحبط عزيمتها إذ تعد بطلة في العاب القوى وحاملة للعديد من الألقاب الاولمبية والميداليات الذهبية.
تجارب ناجحة للزواج بين معاقين وأصحاء وإذا كانت رئيسة الجمعية تعتبر الزواج مشروعا مؤجلا، فإن هذا لا يمنعها من تشجيع فكرة الزاج بين المعاقين من خلال تقديم يد المساعدة لهم ودعمهم بكل ما تملكه من إمكانيات متاحة، من اجل الوصول إلى تحسيس المعاق بأنه لا يختلف عن غيره من أفراد المجتمع. وفي هذا الخصوص تذكر الآنسة حيزية، أن الجمعية بادرت مؤخرا بتزويج شخص يعاني من إعاقة حركية من آنسة كانت تقوم بتعليم الأطفال في الجمعية، وبحكم مشاعر الحب التي نمت بين الطرفين رغبت الجمعية في مساعدتهما من اجل إكمال نصف دينهما، حيث تكفلت بكل نفقات وتكاليف العرس، وقد كلل هذا الزواج بإنجاب طفل يدل على مدى نجاح العلاقة الزوجية بين الزوج المعاق حركيا والزوجة السليمة. كما شهدت الجمعية حدثا آخر يتمثل في اقتران شخص سليم ومعافى من آنسة مقعدة على كرسي متحرك كانت ناشطة بالجمعية، وعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي تلقاها الشاب من محيطه العائلي لحظة عرضه لفكرة الاقتران بمعاقة حركيا، إلا أن العائلة شيئا فشيا تقبلت الفكرة، من منطلق أن الأمر يتعلق بالمشاعر وانه اختيار شخصي، وقد كلل هذا الزواج بميلاد طفلين. وتقول المتحدثة " هذا يدل على انه لا يوجد أبدا ما يمنع بناء علاقة زوجية بين المعاق والشخص السليم ما دام الاحترام والحب المتبادل قائما وموجودا لولا المنغصات والضغوط التي يفرضها المجتمع، والتي تسهم إلى حد كبير في إفشال هذه العلاقات الزوجية وتزيد من معانات المعاق وتهميشه".
أفضل الزواج بمعاق يحمل نفس إعاقتي من جهتها، تقول "سعيدة. د" ذات 32 سنة، وهي ناشطة بجمعية الأمل " تعرضت لحادث مرور وكان عمري وقتها لا يتجاوز السبع سنوات، وقد نتج عن الحادث إصابتي بإعاقة على مستوى الرجل إلى جانب نقص بالبصر وتطلب الشفاء وقتا طويلا إلى جانب العلاج النفسي بسب رفضي لإعاقتي وصعوبة اندماجي بالمجتمع". وفيما يخص الزواج تضيف " ليس لدي أي مانع في الارتباط، فأنا شخصيا أرغب بناء أسرة وإنجاب وتربية الأطفال ولكني لا أرغب في الزواج بشخص سليم، لأن التجربة أثبتت لي انه لا يمكن لشخص سليم أن يحس بما يشعر به المعاق مطلقا، لذا أفضل الارتباط بمن يشترك معي في نفس الإعاقة حتى لا يظلمني ويشعر أكثر بما اشعر به". من جهة أخرى، تعترف أنها تخاف أن تعارض عائلتها ارتباطها بمعاق من منطلق أنه انه غير قادر على خدمة نفسه ولا دخل لديه، ولكنها تؤكد استعدادها لتقاسم أعباء الحياة معه من خلال الصبر والكفاح وتقول " الزواج حق مشروع وهو قناعة واختيار شخصي".
الخوف من التعليق أو "المعايرة" مستقبلا وإذا كانت "سعيدة" لا تمانع أن يكون شريك حياتها معاقا أيضا، فإن الآنسة (فطيمة. ا) ذات 31 سنة والمصابة بإعاقة حركية على مستوى اليد والرجل، بسبب مرض تعرضت له وهي طفلة، تقول " لا أفكر مطلقا في الزواج لا من شخص سليم ولا من شخص معاق، رغم أني ارغب في بناء أسرة وتربية الأبناء وقادرة على القيام بجميع الأنشطة والأعمال المنزلية، لأني أخاف من عدم نجاح الحياة الزوجية من جهة، إلى جانب الخوف من أن يعايرني الزوج أو عائلته بإعاقتي أو أن يتم التعليق علي، فالمجتمع الجزائري لا يرحم ونظرته إلى المعاق قاسية جدا"... وهي تخالف الفكرة التي وجدناها عند السيد مصطفى طويل ذو (33 سنة)، الذي ولد معاقا، إذ انه يعاني من اعوجاج على مستوى اليدين والرجلين، حيث يقول " املك رغبة كبيرة في الزواج ولو كنت املك سكنا لتزوجت منذ زمن، ولكني أبدا لا أفكر في الزواج من امرأة سليمة وذلك حفاظا على كرامتي، ولأني اعرف مسبقا انه لا توجد مطلقا أي امرأة تقبل بأن تربط حياتها بشخص معاق، كما أن الذهنية الجزائرية تأخذ في المقام الأول لحظة الاختيار الشكل الخارجي للخاطب"، لذا، يضيف "فأنا اختصر على نفسي الطريق واختار تلك التي إذا طلبتها لا ترفضني، بل ترغب في أن تبني حياتها الزوجية إلى جانبي".
الإعاقة بعد الزواج تعني الطلاق للمرأة فقط وإذا كان أغلبية الشباب والشابات يرفضون الارتباط بمعوقين مهما كانت إعاقتهم، فإن الوضع أسوأ عند حدوث الإعاقة بعد الزواج، حيث أكد أغلب الذين استجوبناهم انه من النادر جدا أن يحتمل الرجل العيش رفقة زوجة معاقة بسبب حادث تعرضت له مثلا، ولكن إذا حدث العكس فإن الزوجة مطالبة بأن تصبر على زوجها وتهتم به وان تلبي كافة مطالبه، وإلا تعرضت للنقد من المجتمع، وفي هذا الخصوص تحدثنا السيدة حاج بار ذات 56 سنة، وهي أم لثلاثة أطفال عن تجربتها قائلة " تعرض زوجي في سن 36 لمرض الوهن العظمي الذي ألزمه الكرسي المتحرك، حيث بات عاجزا عن القيام بأي عمل فكنت أقوم بخدمته وتلبية كل حاجاته، حيث بات كالرضيع لا يستطيع القيام بأي عمل إلى أن وافته المنية بعد مرور 20 سنة من المرض. وتضيف من غير الممكن، بل ومن المستحيل أن أتخلى عنه بعد تعرضه للإعاقة، ولكن لو حدث العكس وكنت أنا المصابة فإن احتمال صبره علي قليل جدا، وحتى وان تحمل ورضي بالعيش إلى جانبي وخدمتي فإن العائلة تؤثر عليه سلبا وتكون السبب وراء تخليه عن امرأة باتت تبحث عن من "يخدمها ". من جهة أخرى، تؤكد أنها تعرف الكثير من حالات الطلاق التي وقعت والتي كان سببها تعرض الزوجة للإعاقة أو الشلل ومسارعة الزوج إلى إعادة الزواج هروبا من المسؤولية.
نظرة المجتمع هي الإعاقة الحقيقية اقتربت "المساء" من بعض المعوقين المنضمين إلى جمعية "الوفاء" وكان من بينهم الآنسة "ياقوت عمرو" موظفة بمطبعة والمصابة بشلل على مستوى الرجل منذ كان عمرها عشرة أشهر بسبب تعرضها لحمى. وعن الموضوع قالت " منذ وعيت وأنا انظر إلى إعاقتي على أنها شيء عادي وانه لا يوجد لدي أي مشكل مادمت أتحرك وامشي ولكن عند خروجي إلى الشارع تولد لدي الانطباع بأني شخص ناقص بسبب نظرة المجتمع القاسية إلى المعاق بصفة عامة فكلمة مسكين تكفي وحدها لتحبط إرادة أي معاق". وأضافت بكل أسف " المعاق في مجتمعنا لا يجد أذنا صاغية ولا قلبا رحيما ولا أيادي ناعمة ترأف به". ثم بكت بحرقة، كونها تذكرت الأيام التي عانت فيها جراء البحث المضني عن عمل دون جدوى... وقالت " طرقت كل الأبواب... وبعد أن يتم قبول ملفي وبمجرد استدعائي واكتشاف إعاقتي يتم رفضي مباشرة... هذا الرفض بسبب الإعاقة كفيل بأن يدخل المعاق في حالة نفسية صعبة، ولكن هذا لم يحبط إرادتي، كون أن مبلغ المنحة قليل جدا، فأنا شخصيا اعتمده لدفع نفقات وسائل النقل، وحاولت مرارا حتى حصلت على عمل بمطبعة لبنانية احترمت إعاقتي وفتحت لي أبواب العمل". أما بالنسبة للزواج وتكوين أسرة وتربية الأولاد، فأشارت " شخصيا لا امنح لنفسي مطلقا فرصة للتفكير في الأمر لأن المجتمع الجزائري تغيب لديه القلوب الرحيمة، لذا فكل ما أرغب فيه هو العمل لتغطية احتياجاتي الخاصة، أما الزواج فيظل أمنية صعبة التحقيق، بل وبعيدة المنال بالنسبة لمن هو معاق ". من جهتها، قالت الآنسة نجلاء بوغرارة ذات 24 سنة المقعدة على كرسي متحرك، نتيجة تعرضها لمرض " الوهن العضلي "، والذي ربطها بالكرسي عند بلوغها سن 16 سنة "عندما علمت أنني لن امشي على قدمي من جديد لم أتقبل الأمر مطلقا بيني وبين نفسي، على الرغم من كل الدعم الكبير الذي قدم إلي من العائلة، إلا أن ما زاد الأمور سوءا هو عدم قدرتي على مواصلة الدراسة بسبب السلالم، كون المدارس والثانويات غير معدة لمثل هذه الشريحة، وهو ما جعلني أتوقف عن التعليم، ولولا الانضمام إلى الجمعية التي ساعدتني على شغل وقت الفراغ وتعلم بعض الأنشطة اليدوية المختلفة والخروج معها في رحلات لكنت اليوم أعاني من متاعب جمة ". أما عن الزواج وتكوين أسرة فتبتسم وتقول " رغم تقدم بعض الشباب الي رغبة منهم في الارتباط بي، إلا أن جوابي كان الرفض، لأني ببساطة لا أفكر مطلقا في الزواج، فرغم كونه نصف الدين إلا أني مدركة انني لا استطيع أن أكون زوجة صالحة وغير قادرة على تحمل أعباء الحياة الزوجية، فأنا احتاج إلى من يخدمني ولا ارغب في فتح باب جديد لمعاناة من نوع آخر". وهو نفس الرأي الذي وجدناه عند أخوات نجلاء الثلاث اللواتي أصبن بنفس المرض وتعرضن لنفس للإعاقة.
زواج المعوقين من الكماليات " إعاقتي غيرت مستقبلي"، هكذا تحكي الآنسة كاميليا قارو ذات 23 سنة بكل مرارة مرضها، الذي تسبب لها في الإعاقة وجعل مستقبلها يضيع، حيث تقول " كنت أحلم بإنهاء مشواري الدراسي والعمل كأستاذة جامعية، إلا أن قلة الإمكانيات لدى عائلتي وبعد المدرسة ومشكل البحث اليومي عن من يقوم بإيصالي إلى المؤسسة، كلها عوامل جعلت مشواري الدراسي صعبا وأمنيتي مستحيلة التحقق، فما كان من عائلتي إلا أن توقفني عن الدراسة ليضيع بذلك حلمي، ولو لا - جمعية الوفاء - التي ساعدتني على الخروج من المنزل والقيام بالعديد من الأنشطة وتغيير نمط الحياة اليومي، لدخلت في حالة عزلة مطولة ولكانت حياتي أسوأ، لاسيما مع ضعف المنحة التي نتقاضاها كل ثلاثة أشهر وأحيانا كل ستة أشهر". وعن المستقبل والحياة الزوجية تعلق الآنسة كاميليا قائلة " أنا غير صالحة لان أكون زوجة لأني ببساطة بحاجة ماسة الى من يخدمني، وحتى وان قبلت الزواج وكان هذا الزوج مرتاحا ماديا فإنه لن يتحملني كوني معاقة، وبالتالي يصيبه الملل ويرفضني، لذا، فالزواج بالنسبة إلي من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها، بالنظر إلى ما ضاع من العمر على الكرسي دون حراك".