أكد الخبير الأمني والمحلل السياسي، أحمد كروش، أن محاولات توظيف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لملف الذاكرة الجزائرية في السجال الحادث بين أنقرةوباريس حول قضية الأرمن القديمة والنزاع الليبي لم تؤدي أهدافها، بسبب رد الجزائر الصريح والقاطع لغلق الباب نهائيا لتناول هذا الملف الثنائي بين باريسوالجزائر سيما وأنه يكتسي طابع القدسية و ليس رهين أو قابل لأية متاجرة خدمة لأغراض تركية، واستبعد في حوار مع “الجزائر الجديدة”، أن تلقي تلك التصريحات بظلالها على الملف الليبي الذي تقف فيه الجزائر على نفس المسافة والأطراف المتنازعة عكس موقف كل من أنقرة و باريس المبني على تحقيق مصالح بعيدا عن أمن و استقرار ليبيا وحتى دول الجوار . حوار : مريم محمودي في رأيك، لماذا طلب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من الجزائر إمداده بوثائق تاريخية لإدانة الاستعمار الفرنسي؟ بماذا يخدم ذلك تركيا ؟ حديث السيد رجب طيب اردوغان من الجزائر عن طلبه بتزويده بوثائق تدين فرنسا بارتكابها جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الحقبة الاستعمارية، أي الفترة التي كانت تحتل فيها الجزائر لمدة 132 سنة (1930 – 1962)، ليس تصريحا جديدا، فالسيد اردوغان كلما يكون له سجال مع رؤساء فرنسا يدخل الذاكرة الجزائرية في السجال بينهما، وسبق وان وجه السيد اردوغان تهمة الإبادة لفرنسا في حق الشعب الجزائري سنة 2012، لما فرنسا سنت قانون يجرم إنكار إبادة الأرمن، وسمع الجواب حينها بأن الذاكرة الجزائرية ليست للمتاجرة من أي كان ، ويطل علينا السيد اردوغان هذه الأيام بتصريح له مفاده انه طلب من السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تزويده بوثائق تدين فرنسا بجرائم وقت احتلالها الجزائر وان الرئيس تحادث معه في أمر جرائم فرنسا ، وهذا جاء كذلك بعد ان وجه الرئيس الفرنسي ماكرون تهمة للرئيس التركي بعدم التزامه بتعهداته وخرق مخرجات مؤتمر برلين ، بقوله أن فرنسا رصدت سفن تنقل أسلحة ومعدات حربية ومقاتلين من الجيش السوري الحر، نقلتهم تركيا من شمال سوريا وزج بهم في القتال إلى جانب الفصائل المسلحة التي تحارب بجانب حكومة الوفاق الوطني الليبية ، فما كان بالسيد اردوغان إلا أن يطلق هذا التصريح والذي لقي الجواب مباشرة عن طريق وزارة الخارجية الجزائرية بأن ما جاء على لسان السيد اردوغان الذي نسب فيه حديث للسيد رئيس الجمهورية هو حديث اخرج عن سياقه حول قضية تتعلق بتاريخ الجزائر . السيد اردوغان متعود على مثل هذه التصريحات، فكلما تشنجت العلاقة بينه وبين الساسة الفرنسيين ياتي على ذكر الذاكرة التاريخية للجزائر ، وان كان السيد اردوغان جادا فيما يقول ، كان بإمكانه الحصول على دلائل موثقة ومن جهة رسمية، فجنود بلاده كانوا وقت ثورة التحرير الجزائرية موجودين على ارض المعركة باعتبارهم جزء من جنود الحلف الأطلسي الذي كان يحارب بجانب الجيش الفرنسي ضد الشعب الجزائري ، وأظن أن كل التقارير لجميع العمليات الحربية وسياسة الأرض المحروقة والجرائم التي كانت ترتكبها فرنسا كانت تحصل عليها قيادة حلف الشمال الأطلسي، الذي تعتبر تركيا ثاني دولة فيه من حيث العدة والمساهمة ، ويكون مشكورا السيد اردوغان لو يتكرم بنشرها أمام الرأي العام العالمي كما يدعي ، أما ان يطلب من الجزائر وثائق تثبت جرائم فرنسا ليقدمها هو للجانب الفرنسي ويكشفها أمام العالم ، نقول له ان الجزائر دولة مستقلة نالت استقلالها سنة 1962 وهي عضو كامل العضوية بالأمم المتحدة وتستطيع الدفاع عن نفسها . اعتقد ان مثل هكذا تصريحات لا تخدم تركيا بإدراج طرف ثالث في مشاكل ثنائية بينها وبين فرنسا ، فلتواجه فرنسا بالوثائق التي تمتلكها تركيا عن الجزائر باعتبارها أنها هي من سلمت الجزائر للمستعمر الفرنسي فهي تملك وثائق ثبوتية، كم كان تعداد سكان الجزائر يوم سلمت السلطنة العثمانية الجزائرلفرنسا، وكم كان تعداد سكان الجزائر يوم استقلال الجزائر نجد ان فرنسا قتلت أعداد أكثر بكثير من الرقم الذي ذكره السيد اردوغان. ماهي الآثار التي يمكن أن تتركها تصريحات اردوغان على ملف الذاكرة بين فرنسا و الجزائر؟ اعتقد أن الآثار التي تركتها تصريحات اردوغان حول ملف الذاكرة بين الجزائروفرنسا لخصها بيان وزارة الخارجية الجزائرية ، بإشارتها إلى أن الحديث الذي جرى بين الرئيسين اخرج عن سياقه حول قضية تتعلق بتاريخ الجزائر . لم يكن من اللائق على السيد اردوغان، الإدلاء بهذا التصريح ، وهو فسر الحديث لصالحه ولما يخدمه هو ، كما ان الشعب الجزائري حساس جدا فيما يخص ذاكرته ولا يريد من اي طرف التدخل فيه أو يتاجر بذاكرته أو يحل مشاكله ومشاكل بلاد على حساب الذاكرة الجزائرية ، فمن طرد المستعمر وعرف كيف يدافع عن وطنه، قادرعلى الدفاع عن ذاكرته . كما اعتقد أن تدخلات اردغان تسيء إلى إيجاد حل بين الجزائروفرنسا فيما يخص الذاكرة ، فمطالبة الجزائرفرنسا بالاعتراف بجرائمها كان مطلب شعبي دائم ومتجدد ، ورأينا حتى أن العلاقات الثنائية الجزائرية الفرنسية فيها كثيرا من الصعود والنزول وعدم استقرار بسبب ملف الذاكرة ، وهذا الملف يحل بين الطرفين دون أي تدخل اجتبي فيه، لان أي تدخل لطرف ثالث يعقد الحل وخاصة إذا أراد هذا الطرف أن يوظفه لصالحه . وهل يمكن أن يكون لتصريحات أردوغان أثر على العلاقات بين الجزائروتركيا؟ اعتقد أنه بالنظر إلى تصريحات السيد اردوغان على العلاقات البينية بين الجزائروتركيا، فتصريحاته الأخيرة لن تؤثر تأثيرا كبيرا على العلاقات بين البلدين خاصة فيما يخص الشق الاقتصادي ، ولكن بالنظر إلى الرد الجزائري، أظن أنها رسالة من الجزائر إلى من يهمه الأمر بأن التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الجزائرية خط احمر ولن نقبله من أي كان وبأي صفة كانت ، فالسيد اردوغان أراد استغلال أكثر شيء له حساسية بالغة عند الجزائريين ليقايض به في علاقاته مع فرنسا والتأثير عليها باستغلال الذاكرة الجزائرية للانتقام من فرنسا على اتهامها لتركيا في بإبادة الأرمن ، ومؤخرا باتهامها خرق اتفاق لندن وجلبها للجماعات الإرهابية للداخل الليبي، واتهام اردوغان كذلك لفرنسا بدعمها المطلق للجنرال حفتر . السيد الرئيس تبون ذكر موضوع الذاكرة وجرائم فرنسا في أكثر من مناسبة في حملته الانتخابية او في إطلالاته الإعلامية ، وكان دائما يطالب فرنسا الاعتراف بجرائمها في الجزائر ويذكر بذلك في كل مناسبة واعتقد انه لا ينتظر ان يأتي رئيس دولة أجنبية لينقل الرسالة إلى فرنسا ، فللجزائر طرقها الدبلوماسية وهي تعرف كيف توصل رسائلها إلى العنوان المحدد الذي تريده . هل ستؤثر هذه التصريحات على العلاقات الاقتصادية مستقبلا ؟ صحيح أن العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الدول هي الحامل أو القاطرة لباقي العلاقات ، لكن لا أظن ان هذه الحادثة سوف تؤثر على العلاقات الاقتصادية بين الدولتين ، فكلا الدولتين بحاجة إلى هذه العلاقات وهي تخدم مصالح الدولتين، فهناك عدم توافق في الرؤى والمسائل الدولية واختلافات كبيرة في وجهات النظر بين البلدين لحل كثير من الأزمات الدولية . في الأزمة الليبية مثلا، تركيا موقفها معروف بدعمها للفصائل المسلحة الداعمة للسيد السراج ومعادية لقوات حفتر والجزائر تقف على الحياد ، تركيا شرعت لنفسها إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا للحرب ضد قوات حفتر ، بينما للجزائر موقف رفض لأي تواجد أجنبي على الأرض الليبية، وغيرها من المواقف ، وحتى بالنسبة إلى ما يجري في سوريا وفي مناطق أخرى كانت تركيا سببا في الأزمة أو تقف حائل دون حلها. هل يحمل تدخل تركيا في ملف يخص الجزائر، محاولة لإنقاص تركيا من الدور دبلوماسي للجزائر؟ في الحقيقة ربما يصعب من أول وهلة تحديد نية السيد أروغان من تصريحه هذا ، هل هو ردة فعل غاضبة من تصريحات ماكرون الرئيس الفرنسي كما فعل من قبل لما جرمت فرنسا إنكار إبادة الأرمن، أم هو يريد ان ينصب نفسه وصيا على العالم الإسلامي ، ويظهر ذلك في تدخله في كل بؤر التوتر التي تعيشها الدول العربية والإسلامية ، والتدخل الواضح واحتلاله لأراضي سورية وعراقية بحجة حماية الأقليات وحماية تلك الشعوب من أنظمتها ، ومحاولة تغيير البنية الديموغرافية في الشمال السوري لتكون حاجز بين كرد سوريا وكرد تركيا ، وتصريحاته أن حل الأزمة الليبية لن يمر الا عبر انقرة ، كلها مؤشرات تدل ان السيد اردوغان يريد جعل من الدول العربية وشعوبها ورقة ابتزاز لأوروبا التي منعته من الانضمام إليها، كما يبتز أوروبا باللاجئين السوريين ، بفتح الحدود للاجئين إلى أوروبا ان لم يدفعوا أموال لتركيا مقابل احتضانها للاجئين السوريين ، رغم انه هو من مهد لهم الطريق وشجعهم في بداية الأزمة 2011 في سوريا بحيث بنى لهم مخيمات وكانت تعطى منح لكل لاجئ سوري يقصد تركيا حتى يظهر بذلك ان سوريا تعيش حرب أهلية أمام العالم ويطالب من بعد ذلك بالتدخلات الدولية التي تفشل النظام في سوريا ونجح في ذلك إلى حد بعيد، حيث عاشت سوريا ما يقارب الآن عقد من الزمن أسوأ أنواع الإرهاب العالمي. هل يمكن لتصريحات أردوغان حول ذاكرة أن تؤثر على التعاون الجزائري التركي في الملف الليبي؟ اعتقد أن المواقف الجزائرية والمواقف التركية في الملف الليبي متباعدة جدا ، فالجزائر تؤمن بالحل السلمي عن طريق الحوار بين الليبيين وان يكون الحل ليبي ليبي دون تدخل أجنبي ، ويكون ذلك برفع الأيادي الأجنبية وتدخلاتها في الشأن الليبي بعدم تزويد الأطراف المتحاربة بالأسلحة وكذلك عدم تغليب طرف على طرف في الداخل الليبي من الجهات الأجنبية ، والكف عن إمداد ليبيا بمزيد من المرتزقة والمقاتلين الأجانب . بينما الدور التركي في ليبيا هو واضح للعيان وغير مخفي وأعلنت عليه تركيا بتشريعها قانون يسمح للرئيس بإرسال قوات عسكرية تحارب بجانب حكومة الوفاق في ليبيا وتزودها بالسلاح وكل أنواع المعدات الحربية واتهمت تركيا بأنها ترسل مقاتلين أجانب الذين كانوا يقاتلون في سوريا إلى ليبيا ، كما أن تركيا رتبت مع حكومة الوفاق مذكرات تفاهم بترسيم الحدود البحرية لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة لتحصل على عقود تنقيب عن الغاز في المياه الاقليمية الليبة وهذا ما رفضته كل دول المشاركة في حدودها البحرية لليبيا ، ومذكرة التفاهم الخاصة بالتعاون الامني والعسكري التي ترقى الى معاهدة الدفاع المشترك وهذا ما لم يقبله كذلك المجتمع الدولي . لذا أقول أن المواقف الجزائرية والتركية في الملف الليبي متباعدة جدا ، واعتقد أن دعوة الرئيس التركي الى زيارة الجزائر هو محاولة من الجزائر التباحث في الشأن الليبي وتخفيض التصعيد العسكري بقدر الإمكان والعمل على إطالة وقف إطلاق النار الذي قد ينتهي باتفاق سلام بين الفرقاء الليبيين كما تطمح الجزائر. هل يمكن أن تحرك تصريحات اردوغان ملف الأرمن ضده مجددا من قبل فرنسا لإسكاته بشأن ذاكرة الجزائر ؟ فرنسا حركت الملف الأرمني باتهام السلطنة العثمانية بارتكاب إبادة في حق الشعب الأرمني سنة 1915 وذلك في ديسمبر 2011 ، وشاهدنا ذلك الوقت ردة فعل اردوغان ، كما شاهدنا مشادات أخرى بين السياسيين الأتراك والفرنسيين لما قرر الرئيس الفرنسي جعل من يوم 24 افريل يوم للتذكير بإبادة الأرمن من طرف الأتراك ، كما تعمل فرنسا كل مرة على طرح مناقشة ملف الإبادة في البرلمان الأوروبي والتسويق له عالميا، مما جعل أكثر من ثلاثين دولة في العالم تعترف بجرائم إبادة الأرمن سنة 2015 من طرف السلطنة العثمانية، وهو ما يغضب تركيا وخاصة لما البرلمان الألماني اعترف هو الأخر بهذه الجرائم، لأن السلطنة العثمانية كانت حليفة أنذاك لألمانيا في الحرب العالمية الأولى . وزير المجاهدين طيب زيتوني دعا البرلمان لفتح نقاش حول تجريم الاستعمار، هل يمكن أن تخدم تصريحات اردوغان هذا التوجه وتعجل بتجسيده ؟ اعتقد أن ملف الذاكرة في الجزائر لم يسكت الحديث عنه في الداخل الجزائري يوما وكان هذا مطلب شعبي نسمعه في كل تدخلات النخبة في الجزائر وحتى في حديث المقاهي ، وفي كل مكان وكل زمان. وسبق وان قامت مجموعة برلمانية بسن قانون تجريم الاستعمار والذهاب به الى المجلس الوطني الشعبي بعد ان سنت فرنسا قانون لها يمجد الاستعمار ، لكن هذا المشروع لم يرى النور بسبب عراقيل داخلية ، لكن الشعب الجزائري لن يسكت عن المطالبة بهذا الحق ، فكيف يعقل ان تنسى جرائم فرنسا التي بجرائم يندى لها الجبين ، جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وكل الجرائم التي استطاع التشريع العالمي ان يجعل لها تسميات وأوصاف وربما هناك جرائم لم يصل إلى تصنيفها بعد ، فكل شبر من ارض الجزائر يشهد على جرائم فرنسا في هذا البلد ، وكيف ينسى وجرائمها مستمرة إلى حد الساعة ، فجرائم التفجيرات النووية التى ما زالت تحصد الآلاف من الجزائرين بجميع الأمراض السرطانية وتلويث البيئة الذي تستمر لآلاف السنين والتشوهات الخلقية لمواليد تلك المنطقة ، وكذلك ألغام خطي شال وموريس ، تلك الألغام التي زرعتها فرنسا على حدودنا الشرقية والغربية واخفت خرائطها عن الجزائر بعد الاستقلال مما صعب تطهير المنطقة منها وجرفت السيول مع الزمن تلك الألغام ووسعت من انتشارها وهي تحصد إلى الآن أرواح الجزائريين أو مسببة لهم عاهات دائمة . اعتقد ان جزائر ما بعد 22 فيفري 2019، هي ليست الجزائر ما قبل ذلك التاريخ، وان القضية سوف تحرك من جديد ومن أعلى المستويات وسوف تلقى استحسان ودعم شعبي ، وان تستطيع سن قانون يجرم الاستعمار على الأقل ، ومع الزمن قد يدفع بفرنسا إلى ان تعترف بجرائمها في حق الجزائريين طول فترة تواجدها بالجزائر مرغمة كما اعترفت باستقلال الجزائر تحت نيران البندقية.