يقول المخرج والكاتب المسرحي العراقي حيدر عبدالله الشطري، أن البحث في علاقة المسرح والمجتمع هو من يحدد أهمية المسرح ودوره الفاعل في التغيير، ولا خوف على المسرح فهو يمتلك مقومات وجوده في كل زمان ومكان وبعد كل التحديات والمعوقات والصعوبات والأزمات، فمثلا -يوضح- أن الحراك المسرحي أو شبه المسرحي الذي صار أثناء جائحة كورونا يعتبر إعلانا منه عن نفسه وأنه لم يستكن ولم يقف متفرجا وأخذ يبحث في أسباب موقفه اتجاه ما يحدث. زينة.ب وتابع ضيف العدد ال39 لمنتدى المسرح الوطني الافتراضي بعنوان “المسرح والمجتمع.. الدور الوظيفي والتحولات البنيوية”، أنه بعد هذه الجائحة سنقف كثيرا أمام حقائق جديدة استجدت في العالم وغيرت الكثير من قناعاتنا وهذا ما يدعونا للتفكير مليا بمسرح ما بعد الكورونا، قائلا أنه لا يستبق الأحداث ولكنه يعتقد بتغير المفاهيم في الكثير من المضامين بينما الشكل سيبقى محافظا على نفسه، مضيفا أن التجارب أثناء الكورونا طارئة ولن تصمد كثيرا. وأضاف المخرج حيدر عبد الله، أن مهمة المسرح لم تعد قاصرة على النواحي الجمالية فقط، بل أصبح من مهامه مخاطبة عقول الجماهير بعد أن كان ذلك قاصراً على مخاطبة عواطفهم وانتظار رد الفعل لذلك، لقد أصبح المسرح -يضيف- اتصالاً وثيقاً بالمشاهدين وأصبح من ضمن مهماته توصيل المعرفة بوضوح تام، فالمسرح يصل إلى نهايته المنطقية في الحياة الاجتماعية والسياسية، مشيرا أن هيمنة الطروحات النخبوية والتي تنحصر في الجماليات هو تجني على أهمية الفنون وأدائها لدورها الفعال في علاقتها الجدلية مع الجماهير، ومنها المسرح الذي يعي جيدا دوره الفعال في التغيير، كما أن الانغلاقات التي تتعرض لها الفنون في أزمات وأوقات معينة وفق طروحات جديدة هي انغلاقات طارئة لا تستطيع الصمود أمام هذه الفنون ومنها المسرح في أحداث التحولات البنيوية للمجتمع، وهو سيبقى أداة فاعلة في ذلك ولا خوف عليه. وأشار الكاتب أن المسرح يقترح صور وأشكالا لحياة كريمة يبحث عنها دوما للإنسان فهو مادته التي يتشغل عليها، يرى ويؤشر وينتقد، يرى ما لا يراه الآخرون، لا ينظر المسرح إلى الواقع من برج عاجي بل يتغلغل في بنيته من أجل تحديثها وتغييرها بما يخدم حاجات الإنسان. كما أن الخطاب المسرحي -يضيف- يجب أن يتحدد وفقا لحاجات الإنسان وإلا كان فناً نخبويا، المسرح يوجد حيث يوجد الإنسان ولا يمكن أن ينزل في خطابه ليكون بمثابة مصحة علاج لكن الإنسان هو موضوعه الأثير حيث يبحث في أفكاره وآماله وتطلعاته، بالتالي المسرح جوهره الإنسان لذلك سوف لن يشتغل على المتعة الفنية فقط التي قد تحوله إلى أشبه بالسيرك، لا يشتغل وفق الذات الفردانية والذاتية ليبحث في الخيال كالشعر مثلا، هو يشتغل على المجموع لبيحث في البصيرة، المسرح مظاهرة بلا ضجيج يدعو للتغيير ليس بطريقة التنديد فذلك له أماكنه، مساحته الواقع والمسرحي هو الرائي الذي يرى ما لا يراه الآخرون. من جانب آخر لا يقر حيدر عبد الله بتحديد دور المسرح على الثورية فقط، في نظره هي ربما طروحات تحتمها مرحلة معينة ولا تتطلبها أخرى، هو دور يلعبه المسرح إزاء حاجة ملحة للثورة والتغيير، قائلا هل نسأل لماذا سخر كاتب ياسين قلمه لمكافحة الاستعمار ألم نكن كلنا جميعا وليس الشعب الجزائري فقط بمثل هذا الخطاب في حينه، مضيفا أنه إن لم تكن هناك أزمات هل كان المسرح سيبقى عاجزا عن أداء رسالته، وهنا يأتي دور الفنان الباصر الذي يفهم دوره في كل زمان ومكان، الأزمات تصقل التجربة الإنسانية ليكون الفن شاهدا قائلا “نحن لا ننتظر الحروب حتى نعلن عن أفكارنا”. وذكر المتحدث ذاته، أن نقاد المسرح قد تناولوا موضوع المسرح والمجتمع في الكثير من البحث والتقصي والحفر في العلاقة بينهما هو موضوع ليس بالجديد وركز في بحثه على الصراع الاجتماعي الذي هو أسس دراسة العلاقة بينهما، والكثير من المذاهب النقدية اشتغلت على هذه العلاقة التبادلية بين الاثنين (من يسكن من) المسرح والمجتمع، وتباينت في طروحاتها التي تنتهي دوما بأن المسرح أداة تنويرية تعمل على موضوعة الإنسان وتبحث في خلاصه. ويمكننا القول -يضيف- بأن المسرح هو الأداة الاجتماعية الفاعلة مع الواقع الاجتماعي ومتغيراته بغرض الإصلاح والتقويم، كما تعددت هذه التناولات وتنوعت تبعاً لخصوصية المنظور النقدي الذي تنظر من خلاله إلى العلاقة الوثيقة بين المسرح والمجتمع، وكانت ترى أن عملية التغيير الاجتماعي التي يكون المسرح معنياً بها هي عملية تتبع تغييرا في شكل الوعي الانساني ومتبنياته الفكرية نتيجة لثورات فكرية كبرى، وبالتالي ينسحب هذا التغيير على التأثير الايجابي في بنية المنظومة الاجتماعية بغية إحداث عملية التحول فيها إلى منظومات أخرى أكثر استيعابا لحاجة الإنسان ومتطلباته الفكرية والمادة، فالتغيرات التي تحدث في المجتمع نتيجة للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي التي تؤثر في الوضع الإنساني ومن ثم في شكل الدراما ومضمونه. وأضاف الكاتب المسرحي “عند البحث في علاقة المسرح بالمجتمع في العصر الحديث وفي بعض اتجاهاته نجد أنفسنا أمام طروحاته الجديدة التي تكرس فكرة أن المسرح هو الشكل الفني الذي يؤشر أزمات وإحباطات الإنسان العصرية ويفضح المؤامرات التي أدت به إلى ذلك، ويؤكد على طروحاته التعليمية والتوجيهية والتي تحركها تيارات سياسية تجعل منه أداة فكرية تحددها موجهات ومحركات خاصة ربما تبحث في أهداف سياسية منتخبة”. وواصل حيدر عبد الله حديثه بأنه كان على المسرح أن يؤدي دوره الفعال باستعادة صورة الواقع الاجتماعي الأصلية بعد نزع الأقنعة أو تعرية الإسقاطات، وبذلك يكون هذا التناول للمسرح الأقرب إلى الإقناع بوصفه المرآة التي تتلقى الصورة قبل أن تعكسها تتعامل بالقطع مع هذه الصورة بفاعلية يترتب عليها تغير الكثير من ملامحها وتفاصيلها في عملية أقرب إلى إعادة الصياغة منها إلى الانعكاس، ولقد أعطت -يضيف- كل التطورات الكبيرة في الوقت الحالي بكل تداعياته واضطراباته وعدم زوال تأثير حروبه المعلنة والمخفية على وجود الإنسان، إمكانيات جديدة للمسرح فزاد الوعي الثوري والفلسفي في معالجته لشتى المشكلات الاجتماعية والفردية ضمن الواقع المضطرب وطبيعة هذه المشكلات وحجمها خلق الوعي النقدي للفنان المسرحي، وساعد هذا على إمكانية المسرح وقدرته في التأكيد على جوهر المشكلات الأساسية التي تميزه وتتمظهر من خلالها العلاقة الكبيرة بين المسرح والمجتمع. أستاذ حيدر عبدالله الشطري كاتب ومخرج مسرحي من دولة العراق، وهو خريج كلية الفنون الجميلة من جامعة بغداد، شغل منصب مدير معهد الفنون الجميلة في ذي قار لسنوات عديدة، وله عضوية باتحاد الأدباء والكتاب العراقيين وكذا بنقابة الفنانين العراقيين. صدرت له عديد النصوص المسرحية التي بعثت فيها الحياة على الركح وله مساهمات في الصحف والمجلات المحلية والمواقع الإلكترونية، كما اشترك في الكثير من المهرجانات والمسابقات المسرحية المحلية والعربية وحصل على كثير من الجوائز.