وهناك حالات مرضية كثيرة يلعب الصيام دورا فعالا في علاجها أو تحسن وضعيات أصحابها ومن أهمها زيادة الوزن وبعض أمراض الحساسية والعديد من أمراض القلب والأوعية الدموية وأصحاب البشرة الدهنية. ومع مطلع هذا القرن ظهرت نتائج دراسات طبية أعدها عالم علم وظائف الأعضاء بجامعة شيكاغو الدكتور كارلسون وزميله الدكتور كوند أكدا من خلاله أن صوم أسبوعين يجعل أنسجة جسم الإنسان الأربعيني مماثلة لأنسجة ابن السابعة عشر من العمر. مع أنهما أشارا إلى أن هذا التجديد في الأنسجة غير دائم لكنه يتجدد بتجدد صيام نفس الفترة. وأكدا في نفس الدراسة أن صيام ثلاثين يوما أو أكثر تزيد من معدل الاستقلاب الذي يعد نقصانه مظهرا من مظاهر الشيخوخة. ومن الغريب أنه في موريتانيا يتذرع بعض المفطرين في رمضان بالإصابة بمرض الزهري (أزڮار) او إصابة أحد الأجداد به ظنا منه أن هذا يتناقض مطلقا مع الصوم وهذا خلاف ما يذهب إليه الأطباء وبالذات الطبيب الأمريكي روبرت بارتولو أحد أشهر معالجي الزهري حيث يقول «لا شك أن الصوم من الوسائل الفعالة في التخلص من الميكروبات ومنها الزهري لما يتضمنه من إتلاف للخلايا ثم إعادة بنيانها من جديد» وهو يشير هنا إلى نظرية التجويع في علاج مرضى الزهري. وفي إحدى أشهر الدعوات الحديثة نسبيا للصوم يقول مؤلف كتاب «الإنسان ذلك المجهول» الطبيب الأمريكي الشهير ألكسيس كاريل «إن كثرة وجبات الطعام وانتظامها ووفرتها تعطل وظيفة أدت دورا عظيما في بقاء الأجناس البشرية وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام ولذلك كان الناس يلتزمون الصوم والحرمان من الطعام» ويواصل ألكسيس الحديث عن أهمية الصيام ليصل إلى دوره في حرق المخزون الدهني المتراكم تحت الجلد وفي غيره من الأعضاء ليصف الصوم بأنه منظف للأنسجة. وفي عام 1928 في العاصمة الهولندية أمستردام دعا الدكتور الهولندي دترمان في محاضرة له بمناسبة انعقاد المؤتمر الثامن لأخصائيي التغذية إلى الاعتماد على الصوم لفترات متقطعة للحصول على وضعية صحية أفضل. وقد أيد المجتمعون الكثير من أفكاره حول فوائد الصوم العلاجية والوقاية. كما أن أحد أهم علماء التغذية في أمريكا وهو أندريا وايلد أشهر إسلامه بعد تعرفه على فوائد الصوم الصحية وأهميته في الدين الإسلامي وقد أورد في كتاب له عنونه بأسابيع لتحقيق الصحة المثلى أن الصيام مخلص للجسم من السموم ومنشط للأعضاء ومجدد للخلايا. كما دحض النظريات القائلة بسلبية الصوم على الكلى من خلال زيادته لتكون الحصيات مشيرا إلى أنه أثناء الصوم يزيد تركيز أملاح الصوديوم في الكلى وهي بدورها تلعب دورا مهما في إذابة أهم أنواع الحصى شيوعا. ولكن هذا يحصل فقط عند شرب السوائل اللازمة لذلك أثناء الليل. وممن دخل الإسلام بنفس السبب تقريبا مدير الأمن القومي الأمريكي الأسبق مستر كلارك بعد أن أرجع شفاءه من الصداع النصفي للصوم فقط. وفي عام 1976 وإبان ازدهار الشيوعية في العالم أطلق الروسي لبروفسور نيكولايف بيلوي صيحة عالية من أجل الصوم من خلال كتابه «الجوع من أجل الصحة» نصح فيه الجميع وخاصة سكان المدن إلى صيام أربعة أسابيع من كل سنة ليصون المرء صحته. ولم يخرج الألماني الدكتور أوتو بوشنجر عن إجماع هذه الكوكبة من العلماء فأصبح من قادة العلاج بالصوم ومن أقواله في هذا الطرح العلمي قوله « الصوم بدون شك أكثر طريقة فعالة للعلاج في كثير من الأحيان وهو طريقة لتنقية الجسم وإراحته ومن خلاله تتحسن الصحة». وقبل خمسة سنوات من الآن ذهب مواطنه الدكتور هاينرريش ساور الخبير المختص في علم الغذاء والمدرس في جامعة بون الغربية إلى أن الصيام من أقدم أساليب الاستشفاء مؤكدا على ما له من أثر في تخفيف الآلام وإعادة توازن بعض الأملاح داخل الجسم وذكر أن له دورا إيجابيا في الشفاء من بعض الأمراض الجلدية وضغط الدم. لكنه حذر من الاعتماد عليه وحده كوسيلة علاج كما حذر من الصيام لفترات طويلة ومتواصلة. ويعلق الدكتور المصري عبد العزيز إسماعيل على الصيام قائلا «إنه يستعمل طبيا في حالات كثيرة ووقائيا في حالات أكثر». وغير بعيد من نفس الموضوع يذكر أيضا أحد أشقائنا المصريين ألا وهو الدكتور فكري عبد العزيز عضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية حيث يذكر أن الصوم يساعد على زيادة الثقة بالنفس والأمان النفسي الصحي ويستطيع الإنسان من خلاله أن يعالج ذاته من العادات السيئة ومن التصرفات غير المقبولة. ويعتبر أن الصوم يساعد في علاج القلق والتوتر والاكتئاب والوسواس والصداع النصفي والأكزيما العصبية والقولون العصبي. ويعتبر الصيام (العلاج بالجوع) من الوسائل المتبعة في علاج بعض حالات الوسواس وبعض أنواع الفصام بمعهد الطبي النفسي بموسكو وقد حقق نسب نجاح عالية وكثيرا ما كانت مدته المقترحة ثلاثين يوما. وتذهب دراسة نرويجية إلى أن الصيام يمكن أن يساهم بشكل فعال في علاج التهاب المفاصل لكن شرط أن يستمر لفترة لا تقل عن أربعة أسابيع. وللذين يحلمون بالتمتع بشبابهم وحيويتهم لفترة أطول فإن الصوم أحد المفاتيح المهمة للحصول على ذلك فهو يذيب الدهون المتراكمة على أسطح الجدران الداخلية للأوعية الدموية مما يسمح بتدفق الدم بصفة أمثل وهو محمل بالأوكسجين والغذاء مما يزيد مختلف الأنسجة حيوية ونشاطا. وهذا ما يعني دورا مهما في تأخير ظهور الشيخوخة وبعدا أكثر عن الإصابة بتصلب الشرايين وبهذا نجد أن الصوم على طريقة الإسلامية يمثل أحد أهم الخطوات لحماية الأوعية الدقيقة السليمة، كما انه محطة الانطلاقة لشفاء تلك المعتلة وذلك لانعدام بعض الأثر السلبي للتدخين خلال ساعات الصيام من ناحية، كما أن تأثيره النفسي الإيجابي في تثبيط الأداء السلبي للجهاز العصبي الودي يعرقل أحد أهم العوامل الممرضة للأوعية. ويبقى شهر رمضان فرصة ثمينة لمن ابتلي بمرض التدخين – حيث لم يعد ظاهرة سلبية فقط - للتخلص منه و أرجو من الإخوة المدخنين أن لا يتركوا الفرصة تفلت من أيديهم ويرموا السجارة إلى الأبد قبل أن توصلهم إلى ما لا تحمد عقباه. وباعتبارنا بلدا مسلما أرجو من القيمين على المناهج التعليمية الطبية أن يدرجوا في المناهج المقررة ما يشرح بوضوح تأثير الصيام على مجمل الأمراض. وأخيرا يمكننا القول أن العلم اليوم لم يعد يعتبر الصيام مجرد خيار للإنسان الحق في ممارسته من عدمه بل تجاوز هذه النقطة وأصبحت صيحات العلماء تتعالى من أجل دعوة الجميع إلى ممارسة الصيام حفاظا على الصحة واستجلابا لها.