الروائي السوداني الطيب صالح يعود إلى جنوبه بعد " موسم الهجرة إلى الشمال" وقد رافع ثقافيا عن رؤى وقيم ومبادئ هذا الجنوب الذي يراه الآخر بالمتعصب والعنيف، لقد حمل إلى الشمال عبر روايته هذا التقاطع والرفض للهويات الأخرى بأسلوب سردي ممتزج بلغة مطعمة بتكثيف المفردات ،هذا الجسد العربي الذي يحمل غواياته وجنوحه وطقوسه الإبهارية إن الروائي واحد من النخبة القادمة على غرار الروائي أمين معلوف والروائي المغربي بن جلون الذين عبروا بحكايتهم العجائبية عن سر هذا الشرق الباحث عن هويته عبر قراءات ونصوص متميزة، هذه المقاربات والسياقات عبر متون النص المشتعل على وعي يقرب المفاهيم عبر هذه النخبة التي تسميها الأنتلجانسيا وقراءاتها لواقع عرب قد سلط على مجتمعاتها الهيمنة والتخلف وشتى لتقاطعات أن الروائي الطيب صالح قد قدم رسالة حضارية تعج بالحداثة إنه يكتب عن طفولة كانت من مآسي الجوع والفقر وهذا الامتداد في رقعة تتقاسمها التمزقات والحروب الطاحنة أمام هذا الأخر المهيمن وقد كتب قبله الروائي العالمي محفوظ نجيب لنصوص عولمة الثقافة وكذا كتابات عبد الرحمن منيف بما كتبه عن الصحراء والعمق، أن هذا السرد الزاحف والشاعرية قد جعلت روايات الطيب صالح تفتك الصدارة ضمن روايات عالمية وهكذا كل كتاب الجنوب الذين يراهنون على شتى الأنساق لإسماع أصوات إفريقيا الخافتة التي أنهكتها هذه الحضارة التي تخيط الديمقراطية على مقاسها وكذا حقوق الفرد يعود الروائي الطيب صالح بعد رحلة من مباهج الشمال من لندن بالحديد إلى جنوبه إلى طفولته وحرب دارفور لم توقف أوزارها يعود إلى ذاته إلى قبره الأبدي لعل الجميع يعي أننا فقدنا موسما من التهافت الثقافي وهجرة أخرى لروائي كبير ترك أسفارا لغوايات وهجرات أخرى.