عاش مناضلا ومات بطلا. هكذا صرّحت ابنة الشهيد شكري بلعيد يوم دفنه بابتسامتها التي تجمع بين البراءة والاعتزاز العميق بهذا الحدث الكبير الذي لفّ حياتها وحياة أختها وامّها ومن ورائهم شعب كامل كان يرى كلّ يوم شكري بلعيد في شاشة التلفزة يدافع عن حرّية الجميع وحقهم في العدالة والتنمية والكرامة وحقهم في بلاد افضل اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. لكنّهم قتلوه. قتلوه لأنّه كان صريحا وواضحا في تعبيره عن مطالب الشعب التونسي وهي حسب تعبيره القويّ والعميق: نعم لأمن جمهوري ،نعم لقضاء مستقل. لا لحكومة الالتفاف على الثورة . نعم لحكومة كفاءات وطنية محدودة العدد. لا للعنف السياسي .. نعم لحل ميليشيات رابطة حماية الثورة. هكذا تحدثت نيروز ابنة شهيد الوطن، شهيد الحرّية والكلمة الحرّة شكري بلعيد عن أبيها اليوم فقالت: "عاش مناضلا و مات بطلا." قالت ذلك بهدوء شديد و ببراءة كبيرة... تردّدت قليلا ثمّ أضافت متنهّدة: "الله يرحمو" بعينين باكيتين... لم تقل هذه الأميرة الصّغيرة "موتوا بغيضكم!" ولم تقل أي شيء قد يسيء إلى أيّ مواطن تونسي. هذه أميرة شكري بلعيد، هذه تربية شكري بلعيد و زوجة شكري بلعيد. هكذا هم أبناؤنا و بناتنا، نربّيهم على الحبّ و البراءة و الاحترام... نغرس فيهم روح تونس المتسامحة، تونس التّي تعشق الحياة والجمال. رحمك الله يا شكري و دمت يا نيروز وردة مشرقة وأميرة متألّقة في أرض تونس الحبّ والجمال والتّسامح... ونتعرّض في هذا الملفّ إلى آراء مجموعة من المثقّفين التّونسيين من اغتيال الشهيد ومن الوضع الرّاهن في تونس.. محسن مرزوق يكتب نصّا رائعا لشكري بلعيد: هل رأيت يا شكري؟ هل رأيت كيف تبادلك تونس حبا بحب؟ أنا رأيتهم. مئات الآلاف من النساء والرجال. خاصة البسطاء الذين نحبهم وتحبهم أنت بشكل خاص. نساء ملتفات بما أمكن من بسيط الثياب محتشدات على حواشي الطريق يزغردن ويرفعن الشعارات إكراما لك. هل رأيت كيف حملتك تونس على زرابي روحها وقلبها؟ هل رأيت كيف بكتك عيونها وسماؤها؟ هل رأيت كيف انحنى جبل بوقرنين ليقبل قدمي بنتيك الباكيتين المكابرتين رغم أعوامهما القليلة. هل سمعت؟ هل اشتممت روائح التاريخ وهو يمشي وراءك. أنت تعرف أنني من بين القلائل الذين يعرفونك حيث لم يعرفك أحد. ولو كنت بجانبي تتابع هذه الجنازة وهي لغيرك لحسدته على مكانه. هي لك أنت هذه الجنازة. ولن يحسدك أحد. لأننا ملتاعون لغيابك وكنا سنكون أفضل لو لم نصنع هذه الملحمة بمناسبة موتك. ماذا لو كانت في حياتك ونحن نحتفل بذلك النصر الذي كم ما زلنا نحلم به ولا نزال حتى نراه. أقسم لك أنني لو لم ألحقك في مكان من تلك المقبرة التي تنام فيها الآن، وأنت تعرف أن أسماءنا على نفس قائمة الاغتيال التي أودت بك، سأحمل صورة عظيمة لك، في ذلك اليوم الكبير، وأحادثها وأقبلها كأنها أنت. وأعدك أنني يومها لن أختلف معك سياسيا كما كنا نفعل دائما. تمدد الآن حيث يحيط بك المنصف باي وصالح بن يوسف. تمدد حيث نوافذ المقابر ستنفتح لك لتأخذك في النعيم الآخر لفرحات حشاد والطاهر الحداد والحبيب بورقيبة. ستجد وقتا كثيرا للنقاش الذي تحب والحكايات والضحكات الرائقة. هنا، الآن، نحن بوجوهنا العابسة وعيوننا اللامعة مقبلون على مواصلة المعركة العظيمة....لن نتراجع أبدا قبل النصر. اللهم اشهد... الكاتب والناقد الأدبي محمد عيسى المؤدب: إمّا الحرية كاملة أو الظلام الدامس اللّحظة الرّاهنة في تونس هي عصيبة ودقيقة لأنّها لحظة فارقة بين المحافظة على الحريّة والكرامة أو الاندحار بالبلد في بؤر الظّلام والانغلاق.. تونس اليوم في حاجة إلى كلّ مثقّفيها ومبدعيها ليشكّلوا معا، دون وصاية أو إقصاء كتلة صمّاء تدافع عن الإنسان،عن الحريات وكلّ القيم التي لا يمكن أن تموت في الشّخصيّة التونسيّة المتميّزة بالحوار والتّسامح والانفتاح على كلّ الحضارات الإنسانيّة.. وتناهض في المقابل كلّ أشكال العنف والكراهيّة والبغضاء التي تحاول تكريسها بعض الأجسام الغريبة والمتطرّفة،بعض الأصوات الحاقدة التي تريد أن تزجّ بالبلاد في منحدرات الظلاميّة والانغلاق وأذكر في هذا الفكر الوهابي المرتزق الذي لا يسوّق إلا التّفرقة والانشقاق داخل العائلة الواحدة... نحتاج اليوم من كلّ مثقفينا الخروج من صمتهم ووقوفهم على الرّبوة المحنّطة والالتحام بالشّعب في وهمومه وانتظاراته وأحلامه.. وأعرف أنّ تونس ستظلّ وارفة وشامخة لا تعصف بها المحن ولا تربكها طيور الغدر والظّلام.. وإنّ حادثة اغتيال شكري بلعيد هيّ صورة من هذه اللّحظة الفارقة..أرادوا باغتياله إخماد العقل والوجدان ولكنّ العقل والوجدان نهضا في كلّ شبر في تونس واستفاقا من الغفوة القاتلة ليقولا لا للغدر والعنف ،نعم للحريّة والكرامة.. حادثة الاغتيال أريد بها تمزيق البلاد وإبادة أصوات الحق.. ولكن ما حدث هو عودة تشكّل عمق الشّعب التونسي الذي لا ينحني ولا يرهب ولا يتاجر بقدسيّة التراب،بقدسيّة المصير الذي لا يراه إلا في الوحدة والسلم والحريّة والانعتاق من كلّ أشكال التّرهيب.. إنّنا نبكي شكري بلعيد ولكنّنا نزفّه بطلا للوطن..بطل الحقّ والنّضال والخلود...ولا يسعني إلّا أن أهديه هذه الكلمات: شكري بلعيد : وداعا يا رفيقي..الصّبح رصاصة من الظّلام../ الصّبح دم مضيء/ دم يطوف في الرصيف.. / وداعا يا رفيقي../ وداعا يا ذاكرة الشّوارع../ سلاما ياعصف الريح في البلد../ سلاما يا نجمة لا تحترق../ في العتمة يكون النّشيد / في دم ذاك الشهيد../ في دمه الشّراع../ في دمه كلّ البلاد../ املأ كأسك يا وطني ارجم البخور والتعاويذ../ ارجم كلّ سراديب الغرق../ دم الشّهيد..دم الفقيد../ طائر لا يغيب../ طائر لا يموت.. الشاعرة أسماء الشرقي: القتلة يستهدفون جوهر الثورة ومعناها الحقيقي لمن حاول باغتياله لصوت من أصوات الحق والحريّة في تونس وسعى من خلال إخماده لنفس المناضل والشهيد شكري بلعيد رحمه الله ،أن يبثّ الخوف والرهبة والشّقاق في قلوب التونسيين وأن يزرع الكره والضّغينة بين التيارات السيّاسيّة في البلاد فيعمّق من التجاذبات الحزبية ويزيد المشهد العام في تونس توتّرا واختناقا وفوضى لمن أراد أن يصيب جوهر الثورة ويزلزل كيان التونسي ويزجه في دوّامة العنف وحمّامات الدّم نقول لهم لا تفرحوا بل ..احزنوا فتونس أقوى من كلّ هذه المحاولات الفاشلة.. بل إنّ الرصّاص الذي قتل بلعيد قد أيقظ الهمم الخامدة في نفوسنا وجدّد دماء الحرية والثورة داخلنا ..وهم دون إرادة منهم قد وطّدوا حبل التآزر والتّآخي والمحبة والتّضامن بين مختلف أفراد الشعب وهم وحّدوا الأصوات فكان شرّهم في نحرهم .. وسنخرج من عنق الزّجاجة ما يحدث في تونس مسار عادي لكلّ شعب لم يتربّ على ثقافة الحريّة ولم تكرّس قياداته من قبل منطق وفكر الديمقراطيّة لكي يجابه كلّ ما يتعرّض له اليوم من اهتزازات إيديولوجية .فقط ... نقول لهم: تونس بخير وستظلّ بخير ما دام شعبها واعيا مؤمنا بالحقيقة التي قالها المرحوم "تونس هي مائة زهرة ،مائة صوت ،مائة وجه ،مائة قرنقلة وسنبني بكلّ ذلك ربيعها وربيع الثورة ".هي آخر ما قاله شهيد الحرية وسيبقى هدفنا الذي لن تنراجع أو ننثني عنه. وسوف نوحّد القلم والفكر والصوت مثقّفين كنا أو مجتمعا مدنيا، أبناء كلّ جهات تونس الحرّة لنقول لا للعنف ولا للإقصاء ..لا للدّمويّة ولا ألف للتطّرف الديني والعقائدي والفكري ..تونس تسع كل العقول وكلّ الأفكار والإختلاف لن يهدّم بل سيكون معولا يبني مجتمع الغد وتونس الحريّة حيث سيعيش أبناؤنا وبناتنا في كنف الأمن والأمان وسيتنفّسون الحريّة ..نعم،نحن في قمة الحزن سعداء وفي قمّة الخشوع أقوياء الموت حق على كلّ إنسان والشّهادة حق لكلّ مؤمن ..المهم أن نموت بكرامة وعزة .. إنّا لله وإنّا إليه راجعون ..تحيا تونس ،تحيا الثورة ،وتحيا كلمة الحق وصوت الحرّية. وأقول :يا ناقتي/ همّي بالرحيل/ فأرضك رصاص / وماؤك ..دماء / وحادي العيس / قاتل مأجور ... ودم الشهيد على الرصيف موعود/ في رهبة الخشوع / يتجوّل الحبر على سجّاد من دخان ../ ويحجب عرس الشّهيد/ شهقة القمر .../ فتنام الدمعة على ثغر الوليد عماد عماد حقي /شاعر تونسي مقيم في فرنسا: تونس بكرامة أهلها ستثور من جديد ضد "الإمبريالية الدينية" تونس اليوم خرجت عن مداراتها،بات الوضع في تونس منبع حيرة و سؤال، وها نحن الآن صرنا نبحث عن الحياة ماهي الحياة في وقت ما بعد الثورة؟!! صرنا نموت و نودع امواتنا مثقفينا و حقوقيونا، صرنا نبحث عن فلاش باك لنمنح أنفسنا حرية أردناها ولكنهم منحوها لملتحين لا يعلمون حدود الله، تونس بشعبها و بكرامة أهلها ستثور من جديد عن هذه الإمبريالية الدينية. عن هؤلاء اللذين هم يتخذون الدين كغطاء و مطية للوصول إلى الحكم المستديم و الدائم . تونس تبكي شهداءها تبكي شكري و من سبقه و نحن شعراء و كتاب و مثقفي هذا البلد لن نمنح الفراغ بل سنؤسس للقادم ليكون الامل أكبر من أفعال الإرهاب. سنصنع قمرا يطل بالديمقراطية و الحرية فعلا او تعبيرا فدم الرجال اللذين اهدوا حياتهم لهذا الوطن لن يهدر و يباع دون ان نلمس الحرية. المبدع الشاعر والناقد شفيق طارقي: إنه اغتيال رمزي للوعي الان و هنا ... في تونس بعد الثورة يبدو المشهد سيرياليا لا سيما بعد صعود الاسلاميين الى الحكم وتعثرهم في أداء ما حلم البسطاء به لقد خابت آمال الخلق هنا و صار الإحساس بأقصى درجات الخذلان نقطة شبه يتقاطع فيها الناس جميعا و تجلي عن نفسها أكثر لدى المثقفين أمراء الكلام الحالمين بتونس كما ارتسموها في إبداعاتهم و مسرحيين ،و موسيقيين و رسامين ثمة طعنة دبرت بليل اخترقتهم بعد توهم افق من حرية ظلوا يصوغونها و يهفون اليها لقد اجهز على كل جميل و سرت الظلمة في الإشراقة عاصفة برؤى كانت تتطلع لنمو في الوعي و نسق اسرع لنمو الاشياء على كل الاصعدة لم تقم الثورة لنعود إلى جدل قروسطي و ليقارع بعضنا بعضا مقارعة متخلفة نو لم تقم ليستبد الرجعيون بأفكار بائدة و لم تقم ليغتال صوت الحق اذا علا و نبّه للخطر المحدق أن في اغتيال شكري بلعيد مرارة ليس في وسع الكلمات أن تحيط بها خبرا إنه اغتيال رمزي للوعي و جريمة في حق الانسان مروعة تكشف عن انياب مثقلة بالكراهية على هؤلاء الذين لا يرون إلاّ أنفسهم و ما يحركها من دواع ايديولوجية و من امراض في القلب و في الرؤية ان يستعيدوا الانسان داخلهم لقد ادخلونا عصر التوحش و اماطوا اللثام عن حقيقتهم المشهد قبيح و كل الامل ان لا يفوت الاوان فتونس التي فقدت بلعيد لا يمكن أن تكون إلا حزينة في مصابها كل شيء حزين هنا حتى اللغة اراها في حداد نحن في حاجة الى من يبني لا الى من يهدم الى من يتقدم بنا لا الى من يجذبنا الى الخلف الى من يعيد لنا الحياة لا الى من يقتل الرّوائي والصحفي المتميز رياض خليف /سيدي بوزبد: لعبة خسيسة ...وتونس الاغتيالات لايريدها أحد لا يخفى ان الوضع متشنج في تونس بطبعه وقد زادته حادثة الاغتيال تأزما. كانت هزة عنيفة في تونس مست الناس في كل مكان...تونس الاغتيالات لا يريدها أحد...ذهب بلعيد ولكن تونس ظلت في حيرة ...إنها لحظة أسئلة لا اجابة لها.من قتل؟من يخرب و يحرض؟من؟.....لاشك عندي أن ما يجرى لعبة خسيسة وأن لحظة الحسم قريبة فالأحداث ستكشف عن القاتل و عن الطرف الذي ساوم و أراد ان يلعب بالبلد و يستبله الناس...ستكون هذه الحقيقة مؤثرة في رسم مشهد سياسي جديد.والويل لمن يكتشف شعبنا خيانته...سينال الصفر القادم...ان لا غد ولا جدوى من تحوير او انتخاب دون كشف الحقائق الخفية...ان تونس اليوم في خطر وحاجة ضرورية الى أن تبدأ صفحة جديدة ...لا بد من الفاعلين ترك الصراع علي الكراسي والانتباه الي هموم الشعب و نفسيته المنكسرة... الكاتب والصحفي التونسي ساسي جبيل: سيناريو لصوملة تونس الراهن التونسي اليوم مسكون برائحة سوداء هي عنوان التطرف الذي قد يأتي على الأخضر واليابس ...تونس اليوم تعيش منعرجا حاسما باغتيال شكري بلعيد الذي قد يكون الشعرة التي تقصم ظهر الحاكمين باسم الدين والمحرضين على الفتنة ...نحن شعب متوافق منسجم تربينا على الانفتاح والتحرر من كل القيود ولا نريد ان نسمع اليوم دروسا من احد وخصوصا من شيوخ الفتنة الذين اغرقوا البلاد في التخلف والتطرف والفتنة التي هي ابعد ما يكون عن شخصيتنا التونسية التي تحتوي اليوم على كثير من الامل في مستقبل اكثر اشراقا خصوصا بعد ان بدأ الشعب التونسي يتعرف على حقيقة تجار الدين والخطاب المزدوج الذي تمارسه حركة النهضة الحاكمة التي أتت بطروحاتها على الأخضر واليابس وأدخلت البلاد في أتون اختلاف وانقسام اجتماعي لم نعشه من قبل . إن تونس اليوم ستصنع ربيعها الحقيقي بعيدا عن القائلين بالظلامية، والساعين إلى إحباط مسيرتها بغير رؤية واضحة ولا استراتيجية سياسية ولا توافق ...وأننا على أمل أن نستعيد في بلدنا خضرة غابت من المشهد وعوضتها حمرة قانية .... ان الحل الوحيد هو حسم الموقف من طرف رجال الامن الشرفاء والجيش الوطني التونسي الذين ان يقفوا إلى جانب الشعب التونسي وما هذا عنهم بغريب ان تونس الغد ستكون أكثر تألقا وأكثر تميزا وأكثر امنا وحرية لأن التونسيين من طينة نادرة قلّ أن تجد لها نظيرا الشاعرة عواطف كريمي و حادثة اغتيال شكري بلعيد: الاغتيال ...وحّد الصفوف رغم أنف القتلة بينما تتواصل الاحتجاجات ، ويتواصل الاستنكار إثر مصرع المناضل شكري بلعيد ، أحد أهم رموز المعارضة في تونس شراسة وثباتا على مبدأ الانحياز إلى المهمشين والمسحوقين من أبناء هذا الوطن ، احتجاجات جعلت من تونس وشعبها محط أنظار العالم بعدما ثبت للجميع بما لا يدع مجالا للشك أن النسيج المتماسك لهذا الشعب الأبيّ مستحيل أن تخترقه طائفية رخيصة ، أو فتنة مهما كان من يقف وراءها ويضخ المال ضخّا للزج بتونس وأهلها في بوتقة حرب أهلية لا يعلم نتائجها إلا الله ، حتى كأن الرصاصات التي صوبت الى صدر شهيد الخضراء كانت الاسمنت السحري لالتحام الصفوف وعودة الروح لشعلة ثورة كادت أن تنطفئ يأسا وقهرا ، بعدما تبيّن أن السياسة لا تعبر عن النوايا وأن النوايا قد تتحول مع معجزة السلطة إلى استبداد وطغيان ، وظلم باسم المقدس ، وفي نفس اليوم الذي فارق فيه المناضل شكري بالعيد الحياة وبرهنت تونس للكل أن ما يمس فردا من أفراد هذا الشعب الأبي كأنما قتل التونسيين جميعا تقدم رئيس حكومة كتلة النهضة حمادي الجبالي بخطوة جريئة تنفسّ على إثرها الكثيرون الصعداء ، مع أنها خلقت تساؤلات عديدة ، منها مدى مصداقية هذا الرجل المحسوب على الحركة التي توجه اليها اليوم أصابع الاتهام في قضية مقتل شكري بلعيد ،وفي الانحدار الذي آلت اليه الأمور في تونس ، مما يجعل البعض ان لم نقل الكل يتوخى الحذر ويتابع ولكن بعين الشك والخوف ما سوف تترتب عليه هذه الخطوة التي تبدو ظاهريا عملية انقاذ وطني ومحاولة لامتصاص الغضب الشعبي ، مع أنها قد تكون في العمق محاولة لإنقاذ حركة تحتضر وإبعادها مؤقتا عن الساحة لحين استرجاع القوى وترتيب البيت الداخلي لهذه الحركة التي كرهتها عيون وأفئدة الشعب التونسي وفقدت مصداقيتها وشعبيتها ،وبات كل أعضائها محل طرد ونفور أينما حلوا ، فهل يكون حمادي الجبالي عمرو بن العاص للحركة الذي بدهائه ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد وهو تكوين حكومة "تكنوقراط" دون الرجوع إلى مجلس شورى الحركة والمجلس الوطني التأسيسي مثبتا بذلك أنّه ابن هذا الشعب وأن المصلحة الوطنية هي غايته القصوى ، ضامنا بذلك سحب البساط تحت أرجل فرنسا التي بدأت تثير جدلا حول تدخلاتها المريبة بحجّة انجاح المسار الديمقراطي لتونس ، ومراوغا في نفس الوقت لمن قد يكونوا استنجدوا بخدماتها من داخل البلاد مجنبا تونس مشاكل مع دولة مثل فرنسا كانت علاقتنا بها وما زالت علاقة وطيدة قد تعجّل هذه الأزمة بنسفها في الوقت الذي لا تريد فيه تونس خسارة أي من حلفائها ، أم أنّه وفاء لحركة أفنى فيها شبابه يريد العودة بها خطوتين الى الوراء حتى تتمكن من القفز ألف خطوة الى الأمام بعد اعادة تنظيم الصفوف وبسابق تخطيط مع الحركة ككل ؟ أم أنّه كما يسوّق لنفسه حاليا وكما تراه أعين البعض من المتفائلين رجل المرحلة الذي شعر بفداحة الوضع وحكم - على حد قوله - ضميره ولا شيء غير ضميره معرضا نفسه للّوم والغضب النهضوي وربما أكثر في سبيل امتصاص غضب شعبي متصاعد ووضع سياسي واقتصادي واجتماعي بدأ ينذر بكارثة أو كما أطلق عليها رئيس الجمهوريّة الرومانسي المنصف المرزوقي " فوضى خلاّقة" خاصة وأن تونس أصبحت قصيرة الأسوار ، ضعيفة المناعة ، هشّة في نظر بعض الطامعين والمخربين ، نتيجة لانهيار مؤسسات الدولة ، وغياب كامل لهيبة دولة توفر لشعبها الحدّ الأدنى من الأمان والاستقرار بعد أن أصبح مهددا في لقمته وأمنه وحياته وفي سابقة خطيرة ، أصبح مهددا بعد وفاته بنبش قبره واستخراج رفاته من مقابر المسلمين باسم المقدس وباسم فتنة جعلتنا ننقسم شقين كفارا ومسلمين . الروائي والصحفي والناقد فوزي الديماسي: تونس الآن كقارب أعزل في عرض البحر في يوم مطير تونس الآن كقارب أعزل في عرض البحر في يوم مطير ، يتحسّس طريقه بتعثّر ، وصراعنا على متنه باسم التدافع السياسي أو الإجتماعي أو الإيديولوجي هو إذكاء لألسنة العاصفة ، لحظة مفصليّة في تاريخ هذا البلد ، ولحظة فارقة ، تستدعي من كلّ القوى الحيّة ثقافية كانت أو سياسية أو مدنية أو دينية الإحتكام للعقل ، و الإحتكام لثقافة إحترام التعدّد والإختلاف ، إذ تونس أرض تتّسع للجميع ، بمختلف مدارسهم ومشاربهم ، وتونس بلد جامع الزيتونة وعقبة بن نافع ، أرض عرفت بتعايش الحضارات من كلّ حدب وصوب ، أرض عرفت بالتسامح والوسطيّة ، لذلك من واجب كلّ الفئات والطبقات الحفاظ على وحدة الوطن على اختلافه وتعدّده ، ومن واجب الناس التعايش على قاعدة حماية الوطن من عواصف التشتّت أو الذهاب إلى خطاب يغلّب منطق القوّة على قوّة المنطق ،لكي نخرج بهذه البلاد من عنق الزجاجة ، ومن مرحلة المؤقّت إلى مرحلة المؤسّسات الدائمة والشرعيّة علينا العمل على بثّ بذور خطاب الوحدة ، والإخاء ، والتكاتف ، وتغليب مصلحة البلاد العليا على المصالح الضيقة ، لنزفّ لتونس في قادم الأيام ربيع الفكر والثقافة والتقدّم ، ونتجاوز فضاء المحنة بصبرنا ، ومعقولية تصريفنا للإختلاف ، وعقلانية التعاطي مع الحوادث الطارئة من هنا وهناك ، لتكون ثورتنا منحة ، وليست نقمة في المستقبل ، فليكن دم شكري بلعيد بوصلتنا جميعا ، وليكن شراعنا الواحد الأوحد لبلوغ شاطئ الأمان ... أمّا اشعال نار الفتنة بقول في تلفزيون أو إذاعة أو جريدة أو موقع اجتماعي ، فلن يحمل وطننا إلا إلى الخراب ... وليكن حادث اغتيال الشهيد شكري بلعيد هذه المؤامرة الدنية على السلم الأهلي في تونس لحظة تجمّع ولا تفرّق ، لحظة تقرّب بعيدا عن حديث البغضاء ، والحقد ، والكراهية ، لأنّ الرصاصة التي أصابت شكري بلعيد لم تكن من أهدافها اسكات صوت هذا الرجل ، وإنّما كانت غايتها فتح باب الحرب الأهلية في تونس ، وصوملتها ، فلنكن في مستوى اللحظة ، لتخرج تونس من محنتها بسلام. //////////////////////////////////////////////////////////////////// نختم هذا الملف برأي الموسيقي اللبناني الملتزم مارسيل خليفة مارسيل خليفة يكتب لشكري بلعيد: "أيها الجميل، حين استولى عليهم جنون الحقد فرفعوا الوحل يلطّخون به ثوبك، إن نور الصباح أعشى عيونهم المحمرّة بفجور الليل وتعالت أنفاسهم المحرقة على أريج الياسمين الأبيض . أيه أيها الصديق ، إنهم في جشعهم الكريه قد هجموا على خزائنك لكي ينهبوا ما لديك ولكن عبء الغنائم كان ثقيلاً أثقل من قدرتهم على حمله . أيها الرفيق لقد تفجّر صفحك في عواصف ألقت بهم إلى الأرض وتعثّرت أسلابهم في التراب لقد كان غفرانك في مطر الدمّ وفي لون الشروق الخضيب الغاضب . وحين طلبت إليك تونس الشعب أن تصوغ من حياتها نموذجاً مقتبساً من قلبك رأتك تتناول نارك وقوتك وحقيقتك ونعمتك وسلامك. إعداد:نصر سامي /تونس