منذ الإعلان عن مقتل المعارض بلعيد شكري صباح الأربعاء أمام منزله لم يهنأ الشارع التونسي، بل تصاعدت عمليات التنديد العفوية لتصيب بدورها رجل أمن كان يعمل ضمن كتيبته في تأطير المظاهرات المناهضة لأعمال العنف التي باتت وكالات الأنباء تنشرها عن تونس التي لا تكاد تجني ثمار ثورتها ضد نظام بن علي منذ أن أطاحت به. يبدو أن تونس الفتية في عهد التعددية، لم تسلم من محاولات الزعزعة التي تستهدف بذور الحرية، ليس لعدم استعدادها لما تفرضه العملية الديمقراطية بل لأن الممارسة الديمقراطية - على شاكلة دول الجنوب - لم تستطع كبح طموح البعض المجنون للسطلة وإقصاء الآخر ما دام من مشرب مختلف ومخالف. صحيح أن الثورة التونسية أطاحت بنظام بن علي لكن الذي لم تستطع أن تستأصله هو رفض الآخر الذي أنجبه النظام ذاته واستقر في العقول والأنفس رغما عن الكل. ولعل الأصوات المطالبة بقسط أكبر من حرية التعبير ستسكت حتما إما بإرادتها او عن طواعية لأن المتصلب عند رأيه في مراحل الانتقال كثيرا ما يدفع الثمن الذي قد يطال حياته. ويجمع الملاحظون في هذا الصدد على أن تونس الشقيقة لم تجن من ثورة الياسمين إلا شوكها لأنه وبعد مرور سنتين عن إسقاط بن علي ونظامه لم تستطع الثورة تحقيق مطلب »الشعب يريد...«. وهاجم متظاهرون الأربعاء الماضي مقرات لحركة النهضة الإسلامية الحاكمة في مدن الكاف في الشمال ومزونة في وسط غرب وقفصة في جنوب غرب، فيما تظاهر الآلاف في عدة مدن تونسية تنديدا باغتيال شكري بلعيد. وقال مراسلون من عين المكان إن متظاهرين غاضبين اقتحموا مقر حركة النهضة في مزونة من ولاية سيدي بوزيد وأخرجوا محتوياته وأحرقوها وأن آخرين أحرقوا مقري الحركة في قفصةوالكاف. وقد خرج الآلاف في تظاهرات بمختلف ولايات البلاد تنديدا باغتيال شكري بلعيد المعروف بمعارضته الشرسة لحركة النهضة. وفي العاصمة تونس تظاهر حوالي 2500 شخص أمام مقر وزارة الداخلية مطلبين بإسقاط النظام وبالثورة من جديد. واتهم معارضون وأفراد من عائلة شكري بلعيد حركة النهضة باغتياله فيما نفت الحركة هذه الاتهامات. وحذر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس من أن قتلة المعارض اليساري البارز شكري بلعيد يريدون جر تونس نحو حمام دم نافيا اتهامات بضلوع حزبه في اغتيال بلعيد. وقال الغنوشي في تصريح له إن الذين يتهمون النهضة باغتيال بلعيد يقولون »اقتلوا أتباع النهضة أينما وجدتموههم، هؤلاء يريدون حمام دم ولكن سيفشلون، مؤكدا انه دعا زابناء النهضة الى ألا يردوا الفعل«. ويسارع المسؤولون في تونس بالتعجيل ببناء المؤسسات الدستورية من أجل الإبقاء على هذا البلد الذي أثمرت ثورته العفوية - بداية- موجة عنف غير مسبوقة في كثير من البلاد العربية حيث أعلن رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي في كلمة متلفزة عزمه تشكيل حكومة كفاءات وطنية لا تنتمي لأي حزب في مهمة محدودة وهي تسيير شؤون البلاد حتى إجراء الانتخابات وذلك بهدف الخروج من الوضعية الاستثنائية التي تمربها البلاد عقب اغتيال المعارض اليساري البارز، شكري بلعيد. وقال الجبالي الذي بدا متأثرا من هول الحادثة لقد »قررت تكوين حكومة كفاءات وطنية مستقلة عن كل الأحزاب السياسية«. وأضاف أن أعضاء الحكومة الجديدة سيلتزمون بعدم الترشح للانتخابات القادمة، كما دعا التونسيين إلى تجاوز مخلفات ما حدث والالتفاف حول الثورة واستحقاقاتها. وطالب المجلس التأسيسي بتسريع أشغاله، والمرور في أسرع وقت ممكن إلى تنظيم انتخابات حرة وشفافة. وقد رفضت حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس مقترح رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي تشكيل حكومة كفاءات وطنية. ومن جانبه قال عبد الرؤوف العيادي رئيس حركة وفاء في تصريح لوكالة بناء نيوز التونسية: إن حديث حمادي الجبالي عن تشكيل حكومة كفاءات وطنية لا يمكن اعتباره سوى تنازلا لنداء تونس بعد الابتزاز الذي حصل ضد الحكومة وحركة النهضة عقب وفاة شكري بالعيد. وأوضح العيادي أنّ قرار الجبالي جاء استجابة وتنازلا للثورة المضادة، قائلا: إنّ كلام سياسي عن تشكيل حكومة كفاءات وطنية في هذا الظرف يعتبر كلام فارغ لأنه يتحدث عن شيء مفقود، فأين هي هذه الكفاءات التي يتحدث عنها، هل هي الكفاءات التي أفرزها زمن الاستبداد آم هي كفاءات زمن بن علي؟.