ناشد سكان حي الكاريار ببلدية محمد بلوزداد بلكور سابقا، السلطات المحلية لانتشالهم من الموت الأكيد، بسبب وضعية إقامتهم المزرية خلال سنوات عديدة، والتي على الرغم من النداءات الكثيرة والطويلة التي وجّهوها للسلطات المعنية إلا أن حالتهم بقيت كما هي ولم يتغير منها شيء، وفي سياق المتحدثين الذين التقت بهم الجزائرالجديدة خلال زيارتها الميدانية هناك كشفوا أن موقع إقامتهم أصبح يشكل كابوسا لهم ولأبنائهم بسبب وقوع منازلهم في منحدر جبلي، يتضمن بيوتا قصديرية أكل عليها الدهر وشرب، حيث يعود تاريخ إنجازها إلى الحقبة العثمانية. السكان وعلى الرغم من حجم المعاناة التي يعيشونها داخل هذه البيوت، إلا أنهم ما زلوا متمسكين بالأمل الذي بقي قائما ما دامو أحياء على حد تعبيرهم، فالكوارث تحيط بهم من كل جهة، الأوبئة والأمراض وانحدار الجبال، وقد بات السكان يعيشون على وقع طبول الخوف والفزع من أن تحل على رؤوسهم إحدى الكوارث فيجدوا أنفسهم في مهب الريح ولأن البيوت هشة وبعضها الآخر قديمة فإن الخطر يزداد والموت قريب. أمراض روائح كريهة و ... طبيعة المنازل التي بنيت بحي الكاريار والمتكونة أغلبها حتى لا نقول معظمها من الزنك والباربان والصفائح أما الأخرى فقد طغى عليها الطابع العثماني القديم والتي أصبحت في طور الانقراض والاندثار، كل هذا خلق أزمة جديدة أصبحت تعايش يوميات السكان فالأمراض أضحت تتربص بهم من كل جهة وتفتك بكل ما هو غير قادر على تحمل تلك المعاناة، والتي جاءت كنتيجة لانعدام قنوات الصرف الصحية وانتشار المفارغ العمومية، فتحول هواء المنطقة إلى متنفس للروائح الكريهة التي تزكم الأنفاس وأصبح معظم سكانها مصابين بالربو والحساسية والضغط الدموي وهو وضع رفضه إجماعا أهالي المنطقة لأنه يهدد حياتهم وحياة أبنائهم الذين هم الآخرون أصبحوا الضحية الأولى في قائمة المعاناة والغبن حتى أن البعض وصفوا أنفسهم بمتهمين أبرياء لم يرتكبوا أي ذنب سوى أن القدر رماهم هناك والسلطات نسيتهم بل ومحتهم على حد تعبيرهم. أولاد الكاريار في قفص الاتهام وإن كانت ظروفهم المعيشية لم تكفيهم معاناة وغبنا فقد وجد شبابها مشكلا آخر أدخلهم قفص الاتهام وجعلهم يدورون في دوامة مترامين بين أطرف البطالة، وقد كشف لنا بعض شباب المنطقة أنهم محرومون من العمل لأنهم بكل بساطة هم أولاد الكاريار، حتى أن بعضهم متحصل على شهادات عليا، ولكن عندما ذهبوا للبحث عن العمل قوبلوا بالرفض المطلق بسبب إقامتهم فأقبلوا على الهجرة نحو الخارج تاركين ورائهم أمهاتهم اللاتي هلكت أعينهن بالدموع وآبائهم الذين انهار جسدهم من شدة الاشتياق والحنين، وأمثالهم كثيرون بهذه المنطقة فمنهم من وجدناهم جالسين أمام منازلهم بادية الحيرة على وجوههم التي تبرز حجم المعاناة في حين وجدنا آخرين متكئين على جدران المنازل الهشة. ولعل التهمة التي ألصقت على ظهورهم، هو أنهم مشبوهون بسبب ما انتشر سابقا من بعض الأعمال الإجرامية كالاعتداءات بالأسلحة البيضاء وانتشار تجارة المخدرات ببعض مناطقها، ولأن صورة واحدة قد تخزن جميع الصور، فقد بات معظم شبابها ملطخين بتهمة لم يكونوا سببا فيها ولا علاقة لهم بها سوى لأنهم بكل بساطة سكنوا الكاريار وعانوا فيه وكبروا بين جبله الهش. الزواج كلمة ملغاة في قاموس أهالي الكاريار معظم شباب الكاريار غير متزوجين أو محرومون من الزواج، لأن الزواج بالمكتوب كما يقولون إلا أن الحالة المزرية التي يعيشونها تحول دون التطرق إلى أهم موضوع في نظرهم، لأنهم يروه مجرد سحابة غابرة تزول بزوال الفصل. وغالبيتهم أجمعوا على أنهم لا يستطيعون التقدم للخطبة بالنظر إلى وضعية إقامتهم المزرية، والصورة السلبية التي شوّهت كرامة شبابها فأصبحوا يخشون التقدم لطرق الباب بنية الخطبة لأن الأكيد سيقابلون بالرفض، مثلما حصل للشباب "كريم. م" ذو 35 سنة الذي تعرف على شابة منذ 4 سنوات قصد الارتباط بها ليتم نصف دينه، ولكن تفاجأ حين رفض أهلها إعطائه إياها بحجة أنه ابن المافيا عفوا ابن الكاريار، وهناك وقعت الصدمة، ووجد كريم نفسه يدور في حلقة فارغة ولحد اليوم يقول بأن أهل تلك الشابة شكلوا لديه عقدة نفسية فصار يعزف عن الزواج وحتى عن التعرف قصد الارتباط، وإن كان هذا المشكل يعيشه الشباب، فإن بنات الكاريار أيضا يتجرعن مرارة القساوة في تلك المنطقة، على حد تعبيرهن لأن كل شاب يريد الزواج بإحداهن يتراجع عن رأيه عندما يشاهد تلك الوضعية أو عندما يسمع عن أهاليها، وقد شبه بعضه بالمنحوسات لأن السعد لم ولن يحالفهن مادمن يعشن في أكواخ الدجاج مثلما أدلو به. الرحلة ... حديث سكان الكاريار وفي خضم مأساة سكان وعائلات الكاريار، يبقى التنقل إلى بيوت لائقة هو حلم الجميع من كبيرهم إلى صغيرهم، حتى تغيّر صورة أهلها التي شوّهتها الأقدار بفعل الزمان، وحتى يخرجون من الجحيم الذي يعيشون فيه، وحسب السكان فإن الأمل لا يزال قائما في الرحيل والانتقال من بيوت الذل والقهر إلى بيوت العزة والكرامة.