قال نورالدين بلحوت أستاذ الفكروالحضارة الإسلامية بالمعاهد الخاصة بباريس أنه أصبح من الضروري إشراك الخبراء والباحثين في وضع مناهج تعليم اللغة العربية الخاصة بالجالية الجزائرية المقيمة بالخارج ،و دعا إلى ضرورة التعجيل في إنشاء مجلس استشاري يهتم بشؤونها الاجتماعية والثقافية بعيدا عن السياسة، كما دعا إلى ضرورة إشراكها في بناء أسس الاقتصاد الوطني من خلال المساهمات التي تقدمها لخزينة الدولة، كما تطرق نور الدين بلحوت في لقاءه الذي جمعه مع "الجزائرالجديدة" على هامش فعاليات الملتقى الدولي الذي نظمه المجلس الإسلامي الأعلى حول " الجاليات الجزائرية في الخارج و قضاياها الدينية و الاجتماعية و الثقافية" إلى العديد من المسائل تتعلق بالجالية الجزائرية. بداية و بصفتك مدير معهد النور للدراسات العربية و الإسلامية بباريس، كيف تقيم وضعية الجالية الجزائرية اليوم بفرنسا؟ في الحقيقة، إن الحديث حول هذا الموضوع يحتاج إلى وقت كبير، لأن الوضعية التي توجد فيها الجالية الجزائريةبفرنسا في ظل المستجدات التي تعرفها هذه الدولة يجعلنا نفكر مليا في كيفية احتواء هذه الفئة التي تحمل دماء جزائرية، والعملية تحتاج إلى تكثيف الجهود والأطر اللازمة للتكفل بها، وربطها بأصولها وبتاريخها وثورتها، ومن أجل هذا بطبيعة الحال، يجب أن تكون هناك مرجعيات معينة لنستلهم منها الضوابط اللازمة لاحتواء المهاجرين نفسيا واجتماعيا، كما يجب هنا أن نقدم بالتدقيق المعنى الحقيقي للمصطلحات حتى نفهم معاني الكلام، ونحتاج إلى دراسة مفاهمية لضبط الأمور، إذ يجب أن نفرق بين لفظ الجالية وكلمة الأقلية، ويمكن تلخيص معنى الجالية في جملة واحدة، فالجالية متسمة بالهجرة والتنقل، ولما يكون لدى المهاجرين نية اكتساب الجنسية والإقامة في بلد المضيف، فهم بذلك يصبحون أقلية مستقرة، فالجالية الجزائرية بالخارج تشكل الأقلية، بمرور الزمن و كلما توطنت تدخل في إطار ما يسمى بالأقلية. مشكلة الهوية الثقافية بالخارج ترتبط بالعديد من القضايا، أهمها تعليم اللغة العربية، ما هو حال تعليم اللغة العربية في المهجر ؟ تعليم اللغة العربية خارج حدود الوطن العربي مهمة لا تقع على عاتق الجالية الجزائرية وحدها، صحيح أن عدد الجزائريين المغتربين حسب الإحصائيات الجهات الوصية وصل عددهم إلى سبعة ملايين مهاجر، منها خمس ملايين بفرنسا أي ما يعادل 80 بالمائة ، فالجزائر لعبت دورا رياديا في نشر هذه اللغة بأوروبا منذ حزب الشعب الجزائري في فترة الثلاثينات من القرن الماضي، وكذا نوادي جمعية العلماء المسلمين الذي وصل عددها إلى خمسين ناديا تدرس اللغة العربية، فالجزائر لها السبق بين الدول العربية حيث تعد الأولى التي أمضت اتفاقية مع فرنسا سنة 1981 لترسيخ تقاليد تعليم هذه اللغة بهذا البلد، وتهتم بتعليم اللغة والثقافة الأصلية، والحمد لله هناك صحوة ثقافية ودينية بأوروبا، واهتمام شديد من قبل الأولياء لتدريس هذه اللغة لأبنائهم وذلك لربطهم بوطنهم الأم، فعدم إعطائنا الأولوية للثقافة العربية تعد معيارا لخيبة أمل الأولياء وإظهار فشلهم تجاه تربية أبنائهم تربية حسنة بما يتماشى وعادات وتقاليد بلدهم، لأن هذه الأخيرة من المسلمات الأساسية التي تشكل عنصر الهوية الوطنية، وتؤسس لبناء الشخصية السوية السليمة، وبصفتي أستاذ اللغة العربية والفكر والحضارة الإسلامية أؤكد أن العائلة الجزائرية أصبح لها توجه كبير لتعلم هذه اللغة وقواعدها، لكن مقارنة بالجاليات العربية الأخرى نعد أقل عددا منهم، لكن بين هذا وذاك هناك إقبال ملحوظ للشباب الجزائري المهاجر في بقاع أوروبا على هذه اللغة، الجزائر من خلال اتفاق لاحظنا وجود حسب الإحصاءات استقيتها من المركز الثقافي الجزائري بباريس أن عدد الأساتذة الذين يدرسون اللغة العربية بلغ 313 أستاذا يؤطرون 28900 تلميذا، والعملية تحتاج إلى المزيد من المعلمين لأن عدد الجزائريين في تزايد متواصل، علما أن المهاجرين يشكلون 25 بالمائة من المتمدرسين العرب بالمدارس الفرنسية. هل هناك اتفاقيات شراكة مع الهيئات الفرنسية في هذا المجال؟ في الحقيقة ليس هناك أي مجال للتعاون بين الدولتين خاصة في مجال تعليم اللغة العربية، و بالعكس يوجد إهمال كبير و على نطاق واسع من الجانب الفرنسي، مثلا نجد في الجهات الرسمية ومختلف هيئات التدريس ما يقارب 200 أستاذا، وهذا العدد ضئيل جدا مقارنة بعدد الأساتذة، كما تم إلغاء مسابقة الأستاذية منذ سنوات، فلا يوجد أي فرصة للعمل قارة للأستاذ، أي أن عملية التدريس اللغة العربية بالمؤسسات التربوية الفرنسية ضعيفة ومهمشة ومقصر في حقها، ويعملون لمنع انتشارها بين أببناء الجالية، ففرنسا تقدر المتمدرسين في المدارس الرسمية بستين ألف تلميذ، في حين تبين الإحصاءات الرسمية لعدد التلاميذ في المؤسسات التربوية غير الرسمية تتجاوز 200 ألف تلميذ. بالنظر إلى هذه المشاكل، هل هناك مساعي من الدولة الجزائرية لتقديم مساعدات لجاليتها المقيمة خارج الوطن؟ بإجراء مقارنة بسيطة بين وضع الجالية الجزائريةبفرنسا وبين الجاليات العربية الأخرى، نجد أن الجالية الجزائرية تفقد الكثير من المعطيات، وفي مقدمتها نقص التمثيل السياسي، علما أن المهاجرين الجزائريين أقدم جالية عربية وجودا بهذا البلد الذي تربطنا به علاقات تاريخية أرسخ قدما، فالمغرب الشقيق مثلا، توجد له خمس مجالس وهيئات رسمية موجهة لخدمة جاليتها، منها المجلس المغاربة المقيمين بالخارج،مؤسسة محمد الخامس للتضامن والتي تدعم عشرات الجمعيات في الخارج، مشاريع الثقافية مؤسسة الحسن الثاني، وكذا مؤسسة محمد الخامس للجالية المغاربية المقيمة بالخارج، المجلس العلمي، له مسجد كبير في بروكسل، المغاربة المقيمين بالخارج ثاني دخل بعد الفوسفات لدولة المغرب، أما بالنسبة للجزائر فالجهة الرسمية الوحيدة هي السفارة الجزائرية المعتمدة وكذا كتابة الدولة المكلفة بالجالية بالخارج الممثلة في الدكتور بلقاسم ساحلي، هذا هو الجهاز الوحيد الذي يهتم بالشؤون الجالية بالمهجر، و في هذا السياق أؤكد أن ما تقدمه الدولة شيء لا يستهان به، إلا أن الأوضاع و الظروف الحالية تتطلب المزيد من الجهود لتوفر و لو الجزء البسيط من متطلبات هذه الأخيرة. ماذا عن المجلس الاستشاري للجالية الجزائرية المقيمة بالخارج الذي ناد به رئيس الجمهورية سنة 2007؟ للأسف لم يرى النور بعد، ولم تتحدد معالمه منذ 2007 ، وهو مشروع ناد به الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، و بهذه المناسبة أجدد مناشدتي له، من أجل التعجيل في تجسيده ميدانيا، و أشير أيضا أنه و حسب التصريحات التي أدلى بها كاتب الدولة المكلف بشؤون الجالية الجزائرية في الخارج الدكتور ساحلي بلقاسم مؤخرا أنه سوف يتم إنشاء هذا المجلس في نهاية السنة الجارية ومع بداية العام المقبل 2014 . ما هي أهم النقاط الذي يرتكز عليها هذا المجلس، و ما هي الأهداف المنتظرة من إنجازه؟ ننتظر منه الكثير، أولا الاهتمام باللغة العربية وتدريس التاريخ الجزائري لربط الجالية بوطنها وتراثها، خاصة ونحن نسير نحو تشكيل الجيل الرابع، ويكون فضاء لطرح الإشكالات الثقافية التي تعاني منها جالياتنا بالخارج، فالمجالس التابعة للبلدان الأخرى تعقد ملتقيات ثقافية عن دور المهاجر وتصدر كتب عن حقوق المهاجر، وتدافع عن مهاجريها، أما نحن فلم نصل إلى هذا المستوى بعد، برغم من وجود نية حسنة للقاضي الأول للبلاد الرامية إلى احتواء الجزائري والتكفل به، و نأمل أن توضع الصراعات السياسية جانبا، والتعجيل به في أقرب وقت ممكن، لكن ما نخشاه أن توسيس هذه الهيئة، لأن وحسب تصريحات كاتب الدولة أن هناك صراعات كبيرة حول من يترأس هذا المجلس، نحن نريد مجلسا يهتم بالقضايا الاجتماعية الثقافية، بعيدا عن السياسة و التسيس، نريد مجلسا جامعا تكون السياسة أحد أركانه ولا تشمله كله وتطغى على جدول أعماله. و حسب علمي فإن هناك لجنة مكلفة بالجالية في مجلس الأمة، لكنه لم ترتقي بعد إلى المستوى المطلوب، فشغلها الشاغل منحصر في قضايا الحدود وما شابه ذلك. و في السياق ذاته هناك العديد من الجمعيات تنشط على التراب الفرنسي، فما هو تقيمك لدور هذه الأخيرة؟ هناك في الحقيقة نوعين من الحركات الجمعوية و يجب الفصل بينهما، هناك الحركة الجمعوية الدينية خاضعة لقانون 1905 وهي تدعو إلى فصل الدين عن الدولة، ففرنسا مثلا يوجد بها حوالي 4500 مسجد، أغلبها يوجد بها قسم لتعليم اللغة العربية، وحقيقة الوضع مزري بها ومتدهور جدا، من قلة التخصص والإمكانات وغير المؤهلين، وأغلبهم مهاجرين غير ملمين بنفسية الطفل المغترب، فالطفل المولود من أصول مهاجرة شخصيته معقدة جدا، لأن تدريس اللغة العربية بالمهجر تختلف كليا عن تدريسها في بلدها الأم. ما الهدف من استحداث موقع إلكتروني للتدريس اللغة العربية؟ أن السلطات الجزائرية تعمل قصارى جهدها لرفع مستوى تعليم اللغة العربية بشتى الطرق وبكل الوسائل المتاحة، بالتنسيق مع المركز الوطني للتعليم عن بعد لكل المقومات الوطنية منها اللغة العربية و الأمازيغية والتراث الجزائري الأصيل، وكذا التربية الإسلامية وتاريخ الجزائري، والتربية المدنية، لكن لترشيد هذا الفعل الثقافي المرموق الذي تسعى إليه الدولة الجزائرية والممثلة في كتابة الدولة المكلفة بالجالية الجزائرية المقيمة خارج حدود الوطن، أدعو الجهات الوصية استشارة المختصين في اللغة العربية لتحديث هذا الموقع الهام الذي يضم إحدى العناصر التفاعلية التي تدخل ضمن النسيج المشكل للشخصية الوطنية، خاصة وأن هذا الموقع موجه أساسا لأبناء الجالية بالخارج، لكن من ناحية المناهج الموجودة والمقدمة لتعليم هذه اللغة غير مناسبة تماما في عصرنا هذا الذي تلعب فيه التكنولوجيا فعلتها الفاعلة، خاصة وأنه يعطي انطباع غير لائق للشخصية الجزائرية حيث أدرجت فيه صور لشيوخ كبار وطريقة التعليم تشبه محو الأمية، هذا الكلام لا أعده انتقادا للعمل المقدم، بل أتكلم من موقعي كخبير ليس إلا، لأن فعلا العمل فيه جهد مضني يستحق للقائمين الشكر عليه. في كلمة أخيرة هل من مشاريع خاصة بمعهدكم؟ معهد النور تنتهي به الخدمة مع نهاية الموسم الدراسي، غير أنه هناك مشروع يعادل المعهد، و سيكون معهد أكاديمي متخصص دائما في تعليم اللغة العربية، و التاريخ ، تقديم دراسات إسلامية ، وغيرها من مواد من شأنها الحفاظ على ربط العلاقات بين الجمعيات والأقلية و بين أفراد الجالية العربية و المسلمة بصفة عامة، كما يسعى المعهد ومنذ سنوات إلى تنظيم رحالات ثقافية منها رحلة موجهة إلى الأندلس بإسبانيا يتم خلال التعريف بالتاريخ الإسلامي والتعريف أيضا بالمعالم و بإنجازات المسلمين ،أما هذه السنة فنسعى إلى تنظيم رحلة إلى داخل الوطن وبالتحديد إلى مدينة غرداية حيث يمكن اعتبارها كرحلة لغوية ثقافية. و ستكون بمثابة فرصة لمن لا يحالفه الحظ في أخذ الدروس الخاصة باللغة أن يأخذها و هو في رحلته. حاورته : نسرين أحمد زواوي