نشّط الخبير الدولي في مكافحة الآفات الاجتماعية الدكتور الجزائري ديب ناصر، محاضرة بعنوان " المخدرات الجانب التخصصي "، من تنظيم جمعية العلماء المسلمين بمسجد النصر بالعاصمة ، وذلك في إطار الحملة التي أقامتها للتحسيس بمخاطر المخدرات، سعيا منها لإنقاذ أكبر عدد من المدمنين عليها ، عبر التقرب منهم و الإصغاء لهم مباشرة . تطرق الدكتور ناصر ديب في محاضرته التي ألقاها إلى الجانب الطبي و العلمي لأنواع المخدرات ومصدرها ، إضافة إلى مكوّناتها والأعراض الناتجة عن تعاطيها، ومن جهة أخرى تحدث عن أمارات كشف الإدمان عند الأقارب، كاشفا في نفس السياق الحيل المتعددة التي يلجأ إليها مروجو المخدرات لتهريب سمومهم القاتلة في العالم بأسره ، وأثناء تفصيله في محاور المحاضرة، بدأ الخبير بشرح كلمة "تخدير"، والذي قال أنه بمجرد سماع هذا اللفظ، يتبادر لدى الكل التخدير المستخدم في المستشفيات ، وهي كما عرّفها " كل مادة كيماوية طبيعية أو صناعية تسبب غياب الوعي المصحوب بتسكين للألم " . تصنيف للمخدّرات حسب مفعولها أشار الدكتور ناصر إلى أن منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" وضعت تصنيفا ثلاثيا لأنواع المخدرات ، تندرج كل منها ضمن مجموعة من المخدرات حسب تأثيرها. أول الأصناف هي المخدرات المسببة لانهيار الجهاز العصبي ، أو dépresseur ، ومن بينها القنب الهندي. وأما النوع اثاني فهي المخدرات المخلة بالجهاز العصبي أو perturbateur ، ومن بينها العفيون، الهيروين و المرفين. فيما يتمثل النوع الثالث في المنشطات، أو كما يسمى باللغة الفرنسية stimulant . واستعان المحاضر في سرده لأنواع المخدرات بصور تم عرضها على الحضور بواسطة آلة الداتاشو، ما أضفى على المحاضرة جوا أكاديميا راقيا . أزهار في الظاهر .. سموم في الباطن ولقد كانت زهرة "الخشخشاش" المنوم أول نوع من المخدرات يتطرق له الدكتور بالشرح ، حيث قال أنها حمراء اللون ذات بذور رمادية، تستعمل في معاصر الزيت ومخابر الحلويات، وتسمى في بعض المناطق زهرة النعمان أو بوقرعون، وأشار ديب إلى أن هناك نوع ثاني من الخشخاش، يدعى pavon ، وهي زهرة بيضاء اللون بذورها بيضاء تميل إلى الرمادي ، طولها متر ونصف ، ويقول الباحثون بخصوص هذه الزهرة أن لها مفعول جد خطير. بعدها تطرق الخبير الدولي إلى الهيروين ، وهي مستخلصة من المرفين، وتأتي على شكل مسحوق أبيض اللون، وقد يكون أصفر أو رمادي مائل للسواد، أو بني حسب المنطقة المستورد منها ونمط التحويل التي خضع لها، وانتقل بعدها إلى "الكوكايين"،وهي مسحوق بلوري أبيض اللون يتم استخلاصه من أوراق "الكوكا" بأمريكا الجنوبية كال "البيرو" ، الذي يظم ما بين 100 و 150 ألف هكتار ، مخصصة لغرس الكوكايين و "كولومبيا" التي لها 10 آلاف هكتار من هذا المخدّر . ولقد فتح الخبير الدولي عند وصوله إلى هذه النقطة من المحاضرة قوسا حول مشروب "كوكاكولا" المصنوع من نفس الشجرة "الكوكا" ، حيث ذكر أن مجموعة من الأخصائيين قاموا بإجراء بحث حول هذا المشروب الرائج بكثرة في كل أنحاء العالم، فاختاروا عينة من المواطنين قدموا لهم كمية من هذا المشروب الغازي ، وتبين لهم بعد ذلك أن الكوكاكولا تتسبب في هلاك الكلى ابتداء من كأسين، وأن المصابين بمرض الكلى يعانون كثيرا خاصة عند خضوعهم لعملية "الدياليز"، فهم يعانون قبل وبعد إجرائها. وراح الأستاذ بعد ذلك إلى التعريف بالمخدر "العفيون" ، و الذي قال أن "من أعراضه الحساسية المفرطة و التوتر و الانفعال بسرعة، وانخفاض مستوى الأداء ، وضعف لقدرة على التكيّف الاجتماعي، بالإضافة إلى الميل لارتكاب الجريمة " . ثم يأتي بعدها "القنب الهندي" ، ويتعرّض متعاطيه إلى الشعور باللامبالاة ، وبضعف في الانتباه وثقل في التفكير والإدراك ، وتشوّه في حاستي الرؤيا والسمع، وفيما يخص متعاطيي "المرفين"، فإنهم يتميزون بشخصية انعزالية، منطوية ومضطربة ، ولديهم إحساس دائم بالكآبة وشعور لا انقطاع له بالحاجة للمخدّر، بعدها أخذ المحاضر يعرف بنوع غريب من المخدرات، وهو ما يسمى "الكراك"، والذي اكتشف بأمريكا منذ 20سنة. ويعتبر الكراك خليطا من الكوكايين و بيكاربونات الصوديوم و الأمونياك، هذا الأخير الذي قد يكون مجرّد شمه فقط كافيا لأن يكون سببا في موت الشخص القريب منه . ويشبه الكراك من حيث الشكل صخرة الجاوي ، ولاستعماله يتم سحقه ثم حرقه ، ويسمى أيضا "طقطق" لأنه يصدر صوتا كالطقطقة. ومن بين الأنواع التي استغربها الأخصائي، "النيون" المستخلص من مصباح النيون ، الذي يحتوي مادة سامة ، فيقومون بسحق زجاج المصباح ويتم استنشاقه بعد ذلك، وهنا ذكر الخبير حالة مر بها لأحد المدمنين ، و الذي تعاطى مادة النيون فأخذ ينزف من أنفه " فيالبداية ظننا أنه تعاطى جرعة زائدة ، إلى أن تبين لنا بعد ذلك أنه توفي جراء نزيف داخلي بعد استنشاقه الزجاج". وعرج الدكتور ديب إلى بقية الأنواع من المخدرات كال "الحشيش" المنتشر بكثرة في الجزائر ، والذي يسبب فقدان الذاكرة و التأتأة في الكلام ، وتوهم الأصوات أو الأشياء والأشخاص الذين لا وجود لهم في الحقيقة ، وعدم القدرة على التفاعل مع المحيط. وأما "القات" فهو حشيشة تمضغ وتتسبب في فقدان الشعور بالزمن والمسافة، الانعزال والضحك دون سبب. ومن بين المخدرات الرائجة في وسط الشباب الجزائري "الحبوب المهلوسة والمنشطات"، فهم يسمونها بألوانها كال "زرقة" "حمرا" "روش" ، والذي هو مخبر لصناعة الدواء وليس نوعا من أنواع المخدرات ، كما أشار المحاضر لذلك، مضيفا أن الشباب كثيرا ما يتعاطى حبوبا موجهة لأصحاب الأمراض العقلية وتكون منتهية الصلاحية ، فيكون خطرها مضاعفا "حتى أن بعض المرضى عقليا أصبحوا يساعدون على انتشار المخدّرات ، إذ صاروا يذهبون إلى الصيدليات فيقتنون كميتهم من الدواء الكافية لثلاثة أشهر كاملة، ثم يبيعونها بضعف ثمنها في الشوارع ". ويضيف ديب قائلا " بعضهم يتعاطى حبوبا يدعونها "مدام كوراج" أو السيدة الشجاعة ، ومن المؤسف أن يسمح أحد لنفسه أن يكون مصدر رجولته وهيبته وشجاعته من أنثى، فينفعل لأبسط الأشياء ويحمل السيف أو الساطور ويرتكب الجرائم الفادحة، فهذا تخلف وجاهلية ". خطط جهّنمية لتهريب السموم وأشار الخبير الدولي إلى أن بعض المروّجين لا يكتفون مهما حازوا من المال ، فهم يجلبون الأطنان من المخدرات ، وتطورت أساليبهم في تهريبها ونقلها من بلد لآخر ، فصاروا يرمونها في البحر ثم يراقبون تنقلها حتى تصل إلى الشاطئ فيسترجعها أصحابها . وأما المرفين فيستخدمون كبسولات تملؤ بها ثم يبتلعونها طيلة السفر ، ويستخدمون دواء لاستخراجها عند الوصول، علما أن القائم بهذا في خطر الموت ، إذ لو انفجرت الكبسولة فستقتله ، ولهذا فهم لا يأكلون طيلة السفر ، و أصبح امتناعهم عن الأكل وسيلة لكشفهم"، ويواصل المختص عارضا خدع مروجي المخدرات لتهريب سمومهم " بعضهم يلجأ إلى النساء اللواتي يخضعن لعمليات جراحة تجميلية لإخفاء كميات من المخدرات في صدرها ". بالإضافة إلى حشو الأغراض الشخصية بها ، كالملابس والحقائب والنعال العريضة وأطراف المعطوبين الاصطناعية، وبعضهم في حبّات الجوز، بل حتى أن أحدهم قام بإخفائها داخل معجون الأسنان ، وذات مرة في محاضرة بالحدود بين الجزائر والمغرب ، ذكرت حالة لنجار تم إلقاء القبض عليه بعد أن تنبهت كلاب الأمن لوجود كمية المخدرات المخبأة داخل النوافذ والأبواب بطريقة لا يمكن التنبؤ لها لولا حاسة شم الكلاب أكرمكم الله ، فهم يستعملون طرقا ووسائل لا تخطر بالبال". أشكال التدهور البدني للمدمن ومن بين أشكال التدهور التي يتعرض لها جسم المدمن على تعاطي المخدرات، النسيان وعدم تذكر أقرب الأحداث، ولقد أقام مجموعة من الباحثين في هذا الصدد تجربة على العنكبوت التي تتقن نسج شبكتها ، فلما قاموا بتخديرها صارت تحيكها بطريقة عشوائية لم ترى قط ، ويشعر المدمن بضعف ووهن و خمول وفتور في الجسم ، و يتلعثم في الكلام مع عدم الربط بين أفكاره وعدم الاهتمام بصحته، و يصبح له احمرار في العين واتساع في الحدقة ، حتى أنهم يلبسون نظارات شمسية حتى في الليل لكي لا يتم اكتشافهم . المخدرات أمُ الإجرام يقول المحاضر " كل من المخدّرات والجريمة في انتشار بالجزائر لدى فئة الشباب، فأحد الشباب أمسكته جدّته متلبسا وهو يسرق حليها من الخزانة فقام مباشرة بقتلها دون تفكير لأنه كان مستهلكا للسموم ، وهو الآن في السجن. وأضاف حالة أخرى لبعض الشباب الذين كانوا يسهرون معا بمنزل أحدهم وهم يتعاطون المخدرات ، فنشب نزاع بين اثنين منهما، فقام أحدهما بطعن الآخر 65 طعنة ولم يشعر بذلك ، ولما أفاق في السجن سأل عن سبب تواجده هناك ، ولما تم إخباره بجريمته لم يصدق ذلك وأنكرها تماما". ويواصل قائلا "ولا ريب أن مدمني المخدرات يخلون بالأمن العمومي، مثلا عند سياقتهم السيارة قد يتسببون في حوادث مميتة، وحتى ما ظهر حديثا في وطننا من عمليات اختطاف الأطفال ، فهذا سببه أن لما يرى طفل أحد المدمنين ، فإما يقتله أو يختطفه ويطلب الفدية لتحريره ". أموال طائلة تجنى من المخدرات تجنى بالعالم أموال طائلة من المتاجرة بالمخدرات ، حيث بلغت مداخيلها ما بين 2012 إلى اليوم 800 مليار دولار ، في حين بلغت السنة ما قبل الماضية 500 مليار دولار، فهي في تزايد مستمر، ويضيف الخبير" من العيب أن تعرف المخدرات انتشارا في بلد مسلم أصيل كالجزائر، حتى صارت بعض الشوارع الجزائرية تدعى كولومبيا لانتشار المخدرات ، وهذا بسبب سكوت المجتمع عن هذه الظاهرة التي لابد من التصدي لها ، وإذا لاحظ أحدكم في أقاربه أو أبنائه عرضا من الأعراض التي ذكرناها ، فليحاوره ويحاول قدر الإمكان انقاذه وأخذه إلى المستشفى أو مركز معالجة الإدمان، والمدمن يذل نفسه من أجل السم ، إذ يبيع بيته وشرفه و عرضه وزوجته من أجل كمية صغيرة من المخدرات". وأشار ديب إلى استنشاق بعض الشباب للدليون و الغراء في كيس حليب ف" هذا يقتل خلايا الدماغ مباشرة ، و ينهار مستنشقها في سن مبكرة ، وتنتشر هذه الطريقة بكثرة لدى الفقراء ، حتى أن بعضهم يباع له باتكس قديم ، وأحد الشباب الذي كان تحت رعايتي ، قام باستنشاق دلو من الديليون ، وفي الصباح ذهبت لإيقاظه فقال لي لا زال الظلام ولم تشرق الشمس بعد ، ففي البداية ظننته يتكاسل و لما مررت يدي على عينيه علمت أنه فقد بصره ، فأخذته مباشرة إلى المستشفى وتم استرجاع بصره بفضل الله ". حلول بسيطة تقضي على الآفة وقدم الأستاذ ناصر ديب مجموعة من الحلول التي من شأنها القضاء على آفة المخدرات نهائيا ، من بينها حراسة الحدود ومراقبة الطرقات والصيدليات ، والحرص على خلق هذه النشاطات، "يجب أن نكون أذكى منهم ، فهم يقومون بكراء أراضي بالصحراء النائية ثم يعطون صاحبها الحبوب ليغرسها دون أن يعلم أحد بها، ولا يجب السكوت عن المدمنين وعن المروجين للمخدرات أبدا ، خاصة وأن معظمهم يبيعونها ، في حين أنهم لا يدخنون حتى السجائر البسيطة ، وعلى الوالدين أن يحاوروا أبناءهم بخصوص هذه المخدرات ، فإن لم يفعلوا فسيجدون من يحدثهم عنها بالشارع ويأخذهم إليها، ويجب مصاحبتهم كي يتقبلوا النقاش ، كما علمنا الرسول عليه الصلاة والسلام وأثبتته الدراسات، ولقد اقترحت فيما سبق فكرة سينما الحائط التي كانت فيما مضى ، فيمكن من خلالها مخاطبة الشباب عن طريق أفلام و برامج تحسيسية تحمل رسالة توعوية راقية ، ولنركز على إنشاء مراكز العلاج، فهي جد قليلة لا يوجد سوى مستشفى البليدة ، و بعض العيادات التي تحوم حولها علامة استفهام ، فالعديد من المدمنين يشتكون من سوء معاملة طاقمها لهم ، ويجب تقديم الحملة الوقائية قبل الحملة العلاجية ، فالمدمن يبدأ بسيجارة عادية وينتهي في برمودا السجن، المستشفى أو القبر . القانون و المدمن.. عقاب لمجرم أم رحمة بضحية وفي سؤال الذي قمنا بتوجيهه للخبير الدولي حول الطريقة المثلى التي يجب على القانون معاملة المدمنين على المخدرات بها رد قائلا " أقول للقضاة دائما أنظروا للمدمن بعين الطبيب لتعالجه، لا بعين القاضي لتعاقبه ، حتى أن هناك مادة تخير المتهم بين العلاج والسجن ، وهنا يشكو رجال القانون نقص مراكز العلاج فيضطرون لسجنهم. للإشارة فإن الدكتور ناصر ديب خبير دولي في محاربة الآفات الاجتماعية ، وهو خريج المدرسة الجزائرية ، بالإضافة إلى مزاولته لدراسات بعدة بلدان ، على غرار فرنسا وألمانيا ، اختصاص علم نفس وعلم النفس الاجتماعي ، وهو الآن يحاضر في عدة دول بالخارج ، حول انحراف الشباب و مشاكلهم ومعاناتهم ، و في نفس الوقت يقوم بتصميم برامج للمدربين ، ويترأس جمعية لحقوق الطفل والمراهق تم تأسيسها منذ 20 سنة . محمد بن حاحة