كلاب بيت بول لحراسة فيلات مروجي الهيرويين عندما قررنا إنجاز روبورتاج ليلي عن الجريمة في ولاية الجزائر، والإجراءات الأمنية المتخذة من طرف المديرية العامة للأمن الوطني على مستوى العاصمة خلال موسم الاصطياف، اتصلنا بمسؤولي هذه الأخيرة لحضور مداهمة ليلية لبعض أوكار الجريمة مع أفراد الشرطة، فاقترح علينا الخروج مع إحدى فرق الشرطة القضائية بمقاطعة الجزائر وسط، لكن وفي حدود الساعة الثالثة زوالا طلبنا تغيير البرنامج واقترحنا الخروج مع فرقة المقاطعة الغربية للشرطة القضائية التي تعد رأس الحرباء في مكافحة المخدرات في العاصمة، فتمت الموافقة على طلبنا دون برمجة للأماكن التي ستتم مداهمتها. فانتقلنا في حدود الساعة السادسة مساء إلى مقر الفرقة بالأبيار، تحدثنا مع رئيس الفرقة الضابط ناصر حموش، واتفقنا معه على اختيار المناطق التي ستتم مداهمتها، إلا أن هذا الأخير أكدنا لنا أن عملهم يتطلب تحضيرا مسبقا قد يدوم عدة أيام، يقومون خلالها بمراقبة دقيقة من عناصر الشرطة للمكان المراد مداهمته، ''نجمع خلالها كل المعلومات بقنواتنا الخاصة، وعندها نقوم بتنفيذ المداهمة، كثيرا ما نتمكن من خلالها الإطاحة ببعض عناصر الشبكة المروجة وتوقيفهم، وخروجنا بدون تحضير أنفسنا قد لا يأتي بأي نتيجة'' قال محدثنا. لكننا أقنعناه بضرورة تلبية رغبتنا، فجمع أفراد فرقته معظمهم شباب اكتسبوا خبرة كبيرة في الميدان وعلى اطلاع كبير بأوكار الجريمة وأماكن ترويج المخدرات. وبسرعة فائقة حضرنا معهم اجتماعا قصيرا حدّدنا خلاله بعض الأماكن التي سيتم اقتحامها، فاخترنا عدة مناطق وهي سطاوالي وعين البنيان وغابة بينام. وفي حدود الساعة السابعة ليلا انطلقنا مع الفرقة المكونة من ثلاثة أفواج في ثلاث سيارات مدنية وسيارتين للشرطة بالزي الرسمي التي رافقت أعضاء الفرقة بالزي المدني من بعيد وكانت تتدخل بعد عملية توقيف المشبوهين. ''التشوشنا'' في موريتي والزطلة في عين البنيان كانت وجهتنا الأولى موريتي بالقرب من محمية الدولة، فدخلنا في بعض الدروب أوصلتنا إلى إحدى المزارع، فبينما كنت أتبادل الحديث مع رئيس الفرقة داخل السيارة عن تجربته مع الإجرام والمجرمين حتى أتفاجأ بتوقف سيارات أعضاء الفرقة بالقرب من أرض زراعية محاطة بجدار إسمنتي، فخرج هؤلاء من سياراتهم مهرولين تاركين أبواب سياراتهم مفتوحة واتجهوا بسرعة نحو مجموعة كانت جالسة بجانب الجدار، في حين تمكّن شابان من الهروب بسرعة فائقة لم يتمكن بعض عناصر الفرقة من ملاحقتهم، ليتوجهوا الى المجموعة التي كانت جالسة، فطلبوا منهم الوقوف ورفع أيديهم الى السماء والشروع في تفتيشهم، حينها وصلت إلى المكان لأحضر عملية التوقيف وكانت علامات الخوف والارتباك بادية على هؤلاء الشباب. وبعد تفتيش أحدهم لم يستطع التكلم وكأنه اختنق وعندما سئل عن حالته قال لأفراد الشرطة أنه ابتلع قطعة من القنب الهندي حتى لا يضبط متلبسا ولا يكون هناك دليل يدينه أمام العدالة. وبعد تفتيشه عثر على جزء آخر من الزطلة داخل حذائه، في حين لم يعثر على أي شيء لدى الآخرين، لكن علامات التعاطي كانت بادية عليهم ليقوم باقي أعضاء الفرقة بتفتيش دقيق للمكان وحينها نكتشف المفاجأة، حيث عثر أفراد الفرقة على ثلاث حقن وملعقتان وشمعة تستعمل في تذويب الهيرويين قبل حقنها، بالإضافة الى بقايا الهيرويين أو ''التشوشنا'' كما يسميها العاصميون داخل بعض الثقوب الموجودة في الجدار، لينينفجر أحد الموقوفين بالبكاء ويتوسل أفراد الشرطة بالعفو عنه لأنه أب لطفلين ويعاني من ظروف صعبة للغاية، إلا أن رئيس الفرقة أكد لنا أن الهدف من مثل هذه المداهمات ليس توقيف المستهلكين للمخدرات وإنما الغرض منه كشف أفراد العصابة المروّجة. مع العلم أن الأفراد الذين يتعاطون الهيرويين أو الكوكاكيين، كما يقول ناصر حموش، هم غالبا من الطبقات الراقية، نظرا لغلاء سعر هاتين المادتين. فغرام واحد من الهيرويين يباع ب 4 آلاف دج، أما غرام واحد من الكوكايين فيباع بأكثر من مليون سنتيم، فأسعار هاتين المادتين، كما يضيف محدثنا، ليس في متناول جميع المدمنين، شأنها في ذلك شأن حبوب ''اكستازي'' المنشطة التي يستهلكها أكثر أبناء الأثرياء والمتعودين على السهرات الليلية، حيث تباع الحبة الواحدة منها ب 7 ألاف دج، وتعد هذه الأنواع أخطر بكثير من المخدرات التقليدية المعروفة كالزطلة والحبوب المهلوسة. لكن رغم ذلك أصبح استهلاكها يزيد أكثر، لذا نعمل اليوم كما يقول رئيس الفرقة ''على محاربة العصابات المروجة لهذه السموم حتى لا تنتقل الى مدارسنا وجامعاتنا''. وفي السياق ذاته يضيف الضابط ''أن فرقته استطاعت شهر جانفي من السنة الجارية الى غاية شهر جوان الجاري، من توقيف 73 شخصا، ثلاثة أفارقة تم إيداعهم الحبس''. وقد سمح ذلك بحجز 6 كلغ من القنب الهندي و78 غراما من الكراك والهيرويين وقرصين من المورفين و10 حبوب اكستازي و650 وحدة من المؤثرات العقلية. تركنا موريتي وتوجهنا في حدود الثامنة ونصف ليلا الى عين البنيان، حيث توقفنا بالقرب من شارع علواش عبد القادر المعروف بترويج المخدرات، فأرسلت الفرقة أحد أعضائها لاستطلاع المكان الذي يعرفه جيدا، وبعد ربع ساعة عاد الشرطي الذي كان بزي مدني الى رئيس الفرقة وأخبره بوجود عدة أشخاص مشبوهين، في حين شوهد شخص آخر يبيع الزطلة أمام الجميع، فتم على إثر تلك المعطيات، ضبط خطة المداهمة وتم تنفيذها بدقة محكمة، فتنقلت إحدى سيارات المجموعة وتبعها الجميع وقبل الوصول الى الأشخاص المشبوهين توقفت السيارة الأولى واتجه أفرادها بسرعة فائقة إلى المجموعة التي كانت جالسة على الرصيف يتناولون الخمر، أما الشخص الذي كان يبيع الزطلة، فقد لجأ إلى رميها بعيدا. ونظرا لظلمة المكان لم يستطع أفراد المجموعة من العثور على الكمية. وبعد أن تم التأكد من هوية أفراد المجموعة عن طريق الجهاز المتنقل الذي كان بحوزة الشرطة الذي يستعمل في كشف الأشخاص المبحوث عنهم والسيارات المسروقة، تم التعرف على أحدهم وهو شخص مسبوق قضائيا لم يمر على خروجه من السجن سوى شهر واحد بعد أن قضى أربع سنوات وراء القضبان، بسبب حيازة وترويج مخدرات. وفي السياق ذاته، يقول رئيس الفرقة، أنه بالرغم من تمكننا في أقل من سنة من الإطاحة بسبع بارونات من أكبر البارونات المروجة للمخدرات الصلبة واللينة بغرب العاصمة، إلا أن المنطقة لا تزال تعرف نشاط بعض المروجين، لكن ليس بالشكل الذي كان من قبل. ويجري حاليا التحقيق في ممتلكات هؤلاء البارونات وثروتهم، على حد قول رئيس الفرقة. أما عند تنقلنا إلى غابة باينام، فقد وجدنا عالما آخر هناك يرتاده أصحاب الظلام، كما يسمون أنفسهم. فرغم دخولنا الى الغابة في حدود العاشرة والنصف ليلا، إلا أن هؤلاء حوّلوها الى وكر للانحراف بسبب ظلمة المكان وخلوّه من المارة. وعند توغلنا إلى عمق الغابة تفاجأنا بعشرات السيارات المركونة بحافة الطريق تنبعث منها موسيقى صاخبة وشباب وجدناهم جماعات جماعات يحتسون كل أنواع الخمور ومنهم من يتعاطى المخدرات، إلا أن عناصر فرقة مكافحة المخدرات لم يتمكنوا من ضبط دليل مادي على تعاطي هؤلاء بسبب لجوئهم إلى رميها داخل الغابة وبالتالي من الصعب العثور عليها لظلمة المكان، في حين تمكن أصحاب العديد من السيارات من الفرار من عين المكان قبل أن يصل اليهم أفراد الفرقة لعلمهم بقدومهم. كلاب بيت بول لحراسة فيلات مروجي الهيرويين بالعاصمة وقبل أن نترك أعضاء الفرقة ضرب لنا رئيسها موعدا آخرا سيتم تحديده لاحقا لمرافقتهم عند جمعهم للمعلومات عن شبكة من شبكات ترويج المخدرات، لأن الإطاحة بشبكة من الشبكات يتطلب، على حد قول محدثنا، جمع معلومات كبيرة عنها، خصوصا وأن هذه الأخيرة طوّرت أساليب عملها أكثر، حيث أصبح هؤلاء يلجأون الى تأجير فيلات فاخرة لتخزين سمومهم، بعيدا عن المنطقة التي ينشطون فيها، كما أصبح كل المروّجين، كما يضيف مسؤول الفرقة، يعمدون إلى تربية كلاب بيت بول لحراسة بيوتهم وتعطيل عمل رجال الأمن وإعطائهم وقتا للتخلص من بضاعتهم في حال مداهمة بيوتهم. لكن الشيء اللافت للانتباه حاليا، كما يقول رئيس فرقة مكافحة المخدرات بالمقاطعة الغربية للشرطة القضائية، هو تزايد استهلاك الهيرويين والكوكايين في بلادنا وانتشارها بشكل يدعو حقيقة إلى القلق.