رغم التطوّر الكبير والتقدم التكنولوجي الذي يعرفه الطب يوميا، والنتائج المذهلة التي توصل إليها الخبراء في مكافحة الأمراض والفيروسات ، و سعي المختصين إلى اكتشاف أدوية من شأنها محاربة أكثر الأمراض فتكا بالبشر، نجد في المقابل فئة من الناس يفضلون أساليب أخرى تطبعها البدائية أخرى وطرق اشتهر بها العرب أو أهل البدو في السابق للعلاج، حتى أن منهم من اختصر قرون البحث الطبي و الاكتشاف العلمي في دم خروف و قرونه ، و بعض الخلطات العشبية لدى أناس اشتهروا بما يعرف ب " القطيع"، متمسكين بقشة تنجيهم من مرض لم يجدي معه الطب نفعا . سارة .ب وإن كان لأسلافنا أعذار في تداويهم بالطرق البدائية ، ترجع إلى جهلهم وعدم وعيهم و قلة إمكانياتهم، و بعد القرى و المداشر التي يقطنون فيها عن المستشفيات ، إلا أن جيل اليوم جيل التكنولوجيا والتقدم العلمي ، لا يزال الكثير منه يفضل العلاج و التداوي بعشبة أو برقية شرعية بالقرآن ، كما عادت مؤخرا إحدى الظواهر للرواج ، وهي ظاهرة "القطيع"، و المختصون في هذا المجال يستغلون سذاجة قاصديهم الذين تقطعت بهم السبل ، ويتمسكون بقشة تنجيهم من مرض لم ينفع معه الطب ، وهكذا أصبح الدجال طبيبا يصف وصفات بالأعشاب، ويستعمل بعض الطرق التي تحير البعض وتدهش البعض الآخر، كاستعمال المنجل للكي وقرون الكبش و الزنجار والقطران ، ومراهم متعددة ومتنوعة للشفاء ، من عدة أمراض كالبوصفاير والبواسير وضيق التنفس ، والغدة الدرقية و التهاب اللوزتين وغيرها. المعالجون ب "القطيع " من سلالة الأولياء الصالحين أو ممّن وٌرثوا الشفاء لا يمكن لكل من هب ودبّ أن يطلق على نفسه اسم الطبيب أو المعالج في هذا المجال، بل يجب أن تتوفر فيهم صفات معينة ، كأن يكون مثلا من سلالة أولياء الله الصالحين ، ممن بيدهم البرهان على حدّ تعبيرهم، كما يقول البعض، خاصة السيّدات الطاعنات في السن، أو أن ترث القدرة على الشفاء، وفي هذا الشأن قصدنا عجوزا طاعنة في السن تقطن ببئر توتة اشتهرت بعادة القطيع ، حيث أكدت لنا أنها كانت إمراة عادية وكانت قريبتها معروفة ومتخصصة في هذا المجال ، وتمكنت من شفاء العديد من الأشخاص باختلاف أمراضهم، وقبل موتها سلمتها وورثتها هذه الخاصية، أو كما جاء على لسانها " قبل ما تموت أعطاتهالي" ، ولا أحد يمكنه تفسير كيف تنتقل أو كيف تسلم هذه الخاصية بطريقة روحية غير أن يبصق صاحب عادة " القطيع" في يد من يريد أن يورثه إياها ، ومن بين الأمراض التي تداويها هذه السيدة " الشبر من العين"، " عرق لاسة " "بوصفاير" ، "البواسير" ، "الدوخة"، " السحر والدجل " وغيرها من الأمراض العديدة التي استغرقت سنوات عديدة و مجهودات و أجهزة متطوّرة في مجال الطب ، للتوصل إلى كيفية علاجها ، غير أن "خالتي حليمة" تسلم للمريض رزمة من الأعشاب غير المعروفة موضوعة في كيس بلاستيكي، ثم تقوم بشبر المريض أي وضع يدها على جسده من رأسه إلى قدميه، وحسب هذه التقنية تتمكن من معرفة مرض قاصدها ، ولخالتي حليمة زبائن يقصدونها من كل فج عميق للتداوي ، وكل واحد يؤكد أن صديقا أو قريبا له شفاه الله على يدها ببركة دعائها ، ويقال أن هذه المهنة معقدة، فهي تتماشى مع الزمان والوقت ، فأيامها تقتصر على الأحد والأربعاء والخميس ، أما الوقت فلابد أن يكون في الصباح الباكر ، حيث يقصدها المريض صائما، أو كما يقال" تقطع على الريق"، أي لا تتناول أي شيء . سيدة أخرى اشتهرت في عالم القطيع تدعى "عائشة"، وحسب بعض زبوناتها فإنها تمكّنت من شفائها من مرض الروماتيزم على مستوى الظهر، بواسطة المنجل الذي وضعته على النار حسب تعبير السيدة، حتى صار لونه أحمر من شدة الحرارة ، ثم رفعته و أخذت تكوي به ظهري، أحسست أن ظهري احترق كله، وبقيت على ذلك الحال مدة شهرين أتألم وأتألم، وبعد مرور هذه المدة شفيت تماما من الآلام القوية التي لازمتني طويلا. لكن تضيف المتحدثة ذاتها أنها بدأت تحس بألم خفيف بين الفينة والأخرى، "فالحاجة" طلبت مني الرجوع ثانية لتكمل العلاج لي . دم كبش العيد لعلاج اللوزتين والمنجل للكيّ و قرون الكبش لالتهاب الأضراس لعلاج مختلف الأمراض يدّعي المعالجون أنهم يستعملون خلطات ووسائل بسيطة ، هي في الأصل أقرب للدجل أو السحر، أما بالنسبة للبعض فهي أمور بسيطة مباركة بأيام أو بتواريخ لا أكثر ولا علاقة لها بالدجل، فعلى سبيل المثال اشتهر أحد الرجال بولاية البليدة بالقطيع، وما إن تتحدث مع شخص ما ، و تسرُ له أنك مصاب بالتهاب اللوزتين" التي تتطلّب علاجا متواصلا لمدة 7 أيام بالمضادات الحيوية التي تتمكن من القضاء على البكتيريا والجراثيم ، إلا و أكد لك أن "الحاج" كما ينادونه يشفي المريض نهائيا من هذا الداء ، و ينصحه بأن يقطع بدم كبش العيد ، حيث يأخذ أول قطرات من الدماء التي تسيل من أضحية العيد بعد نحرها وهي ساخنة ، ويضعها على حلقه و يعد 7 مرات ، ولا يقول إلا باسم الله ، فيشفى تماما ، ومن مرض قبل العيد بإمكانه الانتظار حتى يوم النحر ، ولكن دون أن ينسى أن التهاب اللوزتين في حالة عدم علاجه في وقته ، سيؤدي على عدة أمراض من بينها القلب، كما يعالج "الحاج" مرض "بوصفاير" الذي يصيب صاحبه ، مثل "بوصفاير العينين"، المصحوب بالفشل و الدوار ، ولو قصد المريض طبيبا لربّما وصف له دواء فقر الدم ، إلا أن "عمي الحاج" يؤكد أن العسل مع السانوج المطحون وبعض الأعشاب هي خير دواء ، يضيف محدثنا معلقا " إسأل مجرّب ولا تسأل طبيب" ، أما عن آخر ما سمعنا عنه من أصحاب المهنة وزبائنهم العارفين بالمجال، فإنه يجب الاحتفاظ بقرون كبش العيد أو عظم الفك ، فهو خير وسيلة لقطع الأمراض ، والقضاء نهائيا على ألم التهاب الأضراس أو ما يعرف ب " لابسي" ، فكما يقولون "ضربة وحدة" فقط ، عليك أن تضع عظم الفك أو قرن الكبش على النار ، ثم تكوي بها المكان المعين ولكن بيد الشخص المناسب، مع كلمات بسيطة لذكر الله والصلاة على النبي وذكر سلالة الأولياء الصالحين ، وبهذا يكون المرضى قد قطعوا شوطا مهما و اختصروا الوقت ، وربحوا المال ، فهذا العلاج لا يكلف غاليا ويغني عن الفحوصات والقيام بالتحاليل ، ولكن هل حقيقة تمكن المريض من الشفاء، أم هو مجرّد توهم نفسي . أمُ التوائم مؤهلة طبيعيا لعلاج الكسور و"الفعص" ب "الدليك" إن كنت تعاني من آلام حادة في المفاصل أو تعرضت ل "فعص" أو التواء كاحل فلا داعي للتوجه إلى طبيب لوضع الجبس، فبإمكان أم التوائم وهي كل أ ولدت توأما لتزيل عنك الألم و تكون سندا في إزالة الداء محل شكواك ، إذ أنها مؤهلة طبيعيا لعلاج هذه المشاكل عن طريق ما يسمى بالعامية "الدليك" ، ولمن لم يسمع بالأمر سابقا فهو أمر شائع كثيرا ، بحيث أكدت لي إحدى السيّدات أنها سمعت عندما كانت عند طبيب العظام لعلاج التهاب أصابها في مفاصلها أن تتوجه لأي سيّدة تعرفها ، تكون قد رزقت بالتوأم ، ومن شأنها أن تمسد عظامها ، فإن كانت المفاصل مفككة أو خرجت عن مكانها ستشفى سريعا، وحسب ما يشاع فإن التوأم هبة من الله ، يمنح والدته قدرة على العلاج . الصدفة جعلت الخرافة علاجا طبيا ناجحا واقع الأمور يدل على أن الكثير من المرضى يلجأون للتداوي بما يصفه الطب الشعبي عندما يصابون بأمراض مستعصية وخطيرة ، ما يزال الطب عاجزا عن علاجها ، فالمريض كالغريب يحتاج إلى قشة ليمسك بها، فيلجأ إلى الطب الشعبي، بعد أن يكون قد مل من تناول الدواء، وكثيرا ما يقع في فخّ الدجالين والمشعوذين الذين يستغلون حالته ورغبته الكبيرة في الشفاء، ويعطونه وصفات غالية . وحسب مختصين فإنه من الممكن أن يستعمل الأعشاب الطبية للوقاية من بعض الأمراض، وهناك بعض النباتات تستعمل للعلاج، ومن الممكن أن تكون مواد أولية للصناعة الدوائية، وقد تقوم بما يسمى بالطب البديل أو المساعدة، كما لا ينبغي أن يتصوّر المريض أن في الأعشاب علاج لجميع الأمراض، إذ أن هناك أمراض عديدة تحتاج زيارة الطبيب، وليس في إمكان أي كان تشخيصها ، بل أنها تحتاج إلى تحاليل مخبرية وإكلينيكية، لا تتوفر عند المعالج بالأعشاب أو غيرها. لهذا لابد من استشارة الطبيب في بعض الحالات، وحبذا الجمع بينهما إذا لم يكن هناك تداخل في العلاج. وبالتأكيد يرفض من يمتهنون التدواي بالأعشاب من غير أهل العلم أن يوصفوا بالمشعوذين، أو الاعتراف بحقهم في امتهان التداوي بالأعشاب ،ويستندون في ذلك إلى أنه طبيعي معروف ، وله تاريخ أخذوه عن آبائهم، وهو خلاصة لتجارب حيّة، ولكنهم يعترفون بأن هناك دخلاء على المهنة ومشعوذون. ونتيجة لجهل المجتمع وقلة المتقنين للرقية الصحيحة انتشر المشعوذون وباتوا يعالجون عن طريق السحر والشعوذة أو الخرافة، فقد تدرج المجتمع في بحثه الحثيث عن علاج أمراضه ابتداء بالطب التقليدي، وعندما عجز في علاج كل الأمراض لجأ أفراده إلى الخرافة، وهي قطعا ليست علاجا. و أضحى كل من يستخدم طريقة شاذة ونجح صدفة مع مريض قد يكون مرضه نفسيا، جعل من طريقة تداويه تلك قاعدة لشفاء غيره ، و هكذا تراكمت يوما بعد يوم تلك التجارب ، حتى أضحت حقيقة في أعين الناس ، ومن الصعب إقناع أحدهم بأنها عبارة عن خرافة لا فائدة علمية منها. فما الفائدة مثلا من ربط سير حول الخصر منذ الطفولة حتى الهرم؟ وما الفائدة من ربط خيط أسود بإصبع القدم التي بها فطريات؟ وما الفائدة من الاغتسال بماء مخلوط بريق شخص ؟ وما الفائدة من أخذ تراب من قبر شخص معين للتداوي به ؟ خرافات كثيرة كانت سائدة، وكان من الصعب محاربتها ، لأن المجتمع صدقها فتحوّلت إلى حقيقة ، رغم أنه لا يملك أي تعليل منطقي لها .