بالرغم من اجتهاد الخبازين في تحضير الخبز بمختلف الأشكال و النكهات ، إلا أن المائدة الرمضانية لدى الجزائريين لا تستطيع الاستغناء عن خبز الدار أو ما يعرف ب"المطلوع" ، و ما بات مثيرا للانتباه في السنوات الأخيرة ، أن هذا النوع من الخبز لم يعد يقتصر تحضيره على ربّات البيوت لأولادهن و أسرهن، بل تحول إلى مصدر رزق لدى بعض العائلات ، بغية كسب قوتهن في شهر يزداد فيه الطلب عليه بشدّة . خديجة.ب/ حسيني جهيدة الأرصفة والطريق السريع مكان إستراتيجي لبيع "المطلوع" تحولت هذه الأيام أرصفة الطريق السريع ببومرداس إلى مكان تعرض فيه كل أنواع المطلوع ، بما فيه المحضر على الحطب ، بائعوه أطفال لا تتعدى أعمارهم العشر سنوات ، و حتى محطات نقل المسافرين و الأرصفة أصبحت فضاءات مفتوحة تعرض فيها اجتهادات أنامل النساء لمختلف أنواع خبز الدار ، و لخبرة بعض الأطفال و قدم امتهانهم لهذه الحرفة ، أصبحت لديهم حنكة في اختيار الأماكن التي يكثر فيها الطلب ، حتى يشب عراك بين الباعة حول هاته الأماكن ، أما البعض فقد وجد لسلعته بعض محلات المواد الغذائية لعرضها، كما هو الحال بالنسبة لبعض النساء الذين لا معيل لهم، فوجدوا من حرفة بيع المطلوع مكسبا لهم ، حيث يقمن بالاتفاق مع بعض المحلات، لتزويدها بالمطلوع وبيعه ، مقابل اقتسام الثمن أو تحديد نسبة معينة من الربح . الخبز المحضر فوق الحطب .. أكثر الأنواع طلبا ما لفت انتباهنا خلال الجولة الاستطلاعية التي قامت بها الجزائر الجديدة لبعض الأماكن التي يكثر فيها عرض المطلوع، هو تهافت معظم الأسر وحتى الرجال منهم على اقتناءه، و بكمّيات كبيرة تفوق طاقة استهلاكها ، و في فترات متقدمة من النهار مخافة أن ينفذ على حد تعبير البعض ، والملفت للانتباه أيضا هو أن بائعيه ينتمون لمختلف الفئات العمرية ، بحيث لم يعد الأمر يقتصر على الأطفال فحسب ، الذين يستغلون العطلة لكسب مصروف الجيب كما يسموه ، من أجل إعانة أسرهم ، ومساعدتهم في تكاليف شهر رمضان ، بل أصبح مهنة منظمة يمتهنه الصغار والكبار وحتى الفتيات ، الكل تختلف دوافعه ، والنتيجة إرضاء المشتري قصد حفظه زبون دائم ، حتى صار بعضهم معروفا لدى الزبائن بحكم تعودهم على اقتناء خبزه، بالنظر لجودته وطريقة إعداده، حيث يقول بعض بائعي "المطلوع" أن العديد من الزبائن يفضلون الخبز المحضر على نار الحطب ، لمذاقه المميز ، وخاصة الرائحة التي تنبعث منه ، و هي أكثر ما يجلب المشترين يقول البائع . السعر يختلف حسب المادة المحضر منها وبخصوص الأسعار وجدنا أن السعر يختلف بحسب المادة المصنوع منها ، سواء فرينة أو دقيق ، إذ أن هذا النوع الأخير يصل ثمنه أحيانا إلى 35 دينار ،بينما المصنوع من مادة الفرينة يقدر ب 25 دينارا، أما خبز ''المورق'' ، فإن سعره هو الآخر يتجاوز 40 دينارا، حسب حجم الخبزة، فإذا كانت من الحجم الكبير فإن سعرها يكون أكثر من ذلك. ورغم إجماع العديد من الزبائن الذين التقيناهم على ارتفاع أسعار ''خبز الدار'' الذي أرجعه الباعة إلى ارتفاع سعر المواد الأولية المحضر منها كالدقيق و الفرينة، و لصعوبة تحضيره كونه يستغرق وقت طويل ،و مجهود كبير أيضا ، وبالرغم من ذلك الإقبال ، يبقى واسعا عليه من طرف المواطنين الذين يؤكدون أنه لا يمكنهم الاستغناء عنه في شهر رمضان، خاصة كبار السن منهم ، الذين لا يتصورون مائدة رمضان دون تربع المطلوع في وسطها ، وحتى النساء العاملات الذين أبدوا سعادتهم في شراء خبز "المطلوع" كونه حسب شهادتهن ساهم في توفير الراحة لهن ، فبدل من التعب في ساعات العمل ، والتعب في تحضيره ، أصبحن يفضلن اقتناءه من بعض الباعة ، أو من بعض الأسر التي اعتدن على تحضيره بطريقة جيدة ، فيما يبقى لبعض النساء رأي آخر، كما هو الحال بالنسبة لخالتي فاطمة التي تحب أن تحضر خبز المطلوع بمفردها بالرغم من كبر سنها، تقول أنها لا تستيطع أكله إن لم تشرف بنفسها على طهوه . "المطلوع" ينافس أجود أنواع الخبز و يفتح شهية المستهلك إلى جانب رواج تجارة "المطلوع" ببومراداس ، فإن الأمر لا يختلف عنه بالعاصمة ، و خلال جولتنا الاستطلاعية التي قادتنا إلى أسواق عدّة ، لاحظنا ازدياد الطلب على هذا النوع من الخبز لدى أصحاب محلات المواد الغذائية وكذا في الأسواق. هذا النشاط أصبح له مختصوه من تحضير وإعداد وطهي المطلوع إلى بيعه، وجميعهم يخرج بقسط وفير من المال بعد أن يصل هذا المنتوج إلى الصائم ، أثناء تواجدنا بسوق ساحة الشهداء شدّ انتباهنا عدد كبير من الأطفال يبيعون خبز المطلوع ، والذي أصبح جد مطلوب من طرف المواطنين خاصة في هذا الشهر الكريم ، حيث لا يمكن لبعض الصائمين أن يفطروا بدون وجود خبز المطلوع، الذي أصبح جد أساسي على طاولة الفطور في شهر رمضان ، إذ أصبح المطلوع ينافس أجود أنواع الخبز، لأنه يفتح شهية المستهلك عند الإفطار، ولأن إنتاج أنواع المطلوع يزيد في رمضان، أكد لنا بعض الباعة أن بعض المواطنين يشتكون من زوجاتهم اللواتي لا يعرفن كيفية إعداد المطلوع ، أما آخرين يفسرون شرائهم للمطلوع بسبب عدم استطاعة زوجاتهم تحضيره كونهن عاملات ووقتهن ضيق ، في حين يلجأ البعض الآخر إلى إجبار زوجاتهم على تعلم العجن من أجل تأمين المطلوع في رمضان، لأنهم يحبون استهلاكه ساخنا مع الشربة، كما أن كمية المطلوع تنفذ بسرعة لدى الباعة . ويبقى للمطلوع مكانة هامة لدى أغلب العائلات البومرداسية و كذا العاصمية ، و لا يستطيع أن ينافسه الخبز المحضر في المخابز ، حتى وإن طهي بطرق ونكهات مختلفة ، كونه جزء من الموروث الجزائري الأصيل ،ولم يعد يقتصر تحضيره على إشباع حاجات العائلة ، وإنما تعداه إلى اعتباره مصدر رزق لكثير من النسوة .