عدالة: افتتاح السنة القضائية الجديدة 2025/2024 بمجلس قضاء الجزائر    اختتام الحملة الوطنية للتوعية والتحسيس حول سرطان البروستات    منظمة التحرير الفلسطينية تدعو الأمم المتحدة إلى إلزام الكيان الصهيوني بإنهاء وجوده غير القانوني على أرض دولة فلسطين    العدوان الصهيوني: 2500 طفل في غزة بحاجة إلى إجلاء طبي    الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائر تتوج بثلاث ذهبيات جديدة في الجيدو وأخرى في الكرة الطائرة    بورصة الجزائر: شركة توسيالي الجزائر تحصل على التأشيرة لإصدار قرض سندي    مولوجي تستقبل رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني    لبنان: إصابتان في قصف للكيان الصهيوني جنوب البلاد في ثاني أيام الهدنة    تدشين "دار الصنعة" بالجزائر العاصمة, فضاء ثقافي جديد مخصص للفنون والصناعات التقليدية    أوبك+: تأجيل الاجتماع الوزاري القادم إلى 5 ديسمبر المقبل    الحسني: فلسطين قضيتنا الأولى    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    البرتغال تستضيف الندوة ال48 ل أوكوكو    عطّاف يدعو إلى مبادرات فعلية وجريئة    سوناطراك تشارك في صالون كوت ديفوار    ركاش يروّج لوجهة الجزائر    شركات مصرية ترغب في المشاركة    الحكومة تدرس آليات تنفيذ توجيهات الرئيس    معسكر تحيي ذكرى مبايعة الأمير عبد القادر    رئيس الجمهورية يجدد دعم الجزائر الثابت لفلسطين    التكفل بانشغالات المواطنين وإعداد برامج عمل قطاعية    كأس افريقيا 2024 سيدات/ تحضيرات : فوز الجزائر على اوغندا وديا (2-1)    منتدى دولي للفن التشكيلي المعاصر: فنانون جزائريون مقيمون بالخارج يبرزون ارتباطهم بتقاليد الممارسة الفنية الوطنية    "الذكرى ال 192 لمبايعة الأمير عبد القادر" محور ندوة تاريخية    إمضاء اتفاقية شراكة وتعاون بين جامعة صالح بوبنيدر ومؤسسة خاصة مختصة في الصناعة الصيدلانية    ميناءا عنابة وجيجل بمواصفات عالمية قريبا    مرافقة الدولة مكّنت المؤسسات المصغّرة من إثبات جدارتها    الجزائر تؤكد على حماية العاملين في المجال الإنساني    الارتقاء بالتعاون العسكري بما يتوافق والتقارب السياسي المتميّز    أوامر لإعادة الاعتبار لميناء الجزائر    تنصيب الأمين العام ورئيس الديوان بوزارة الصناعة    198 مترشح في مسابقة أداء صلاة التراويح بالمهجر    حرفية تلج عالم الإبداع عن طريق ابنتها المعاقة    إرث متوغِّل في عمق الصحراء    انتقادات قوية لمدرب الترجي بسبب إصابة بلايلي    عطال يتعرض لإصابة جديدة ويرهن مستقبله مع "الخضر"    انطلاق تظاهرة التعليم التفاعلي "خطوتك"    مدرب فينورد ونجوم هولندا ينبهرون بحاج موسى    8 عروض وندوتان و3 ورشات في الدورة 13    بللو يدعو المبدعين لتحقيق نهضة ثقافية    "فوبيا" دعوة للتشبث برحيق الحياة وشمس الأمل    فحص انتقائي ل60900 تلميذ    قسنطينة.. أزيد من 120 عملية لإعادة تهيئة وتغيير شبكات توزيع الغاز    جانت.. أكثر من 1900 مشارك في التصفيات المؤهلة للبطولة الولائية للرياضات الجماعية    المسؤولية..تكليف أم تشريف ؟!    نال جائزة أفضل لاعب في المباراة..أنيس حاج موسى يثير إعجاب الجزائريين ويصدم غوارديولا    كأس إفريقيا 2024: المنتخب الوطني النسوي يواصل تحضيراته بحضور كل اللاعبات    مستغانم : قوافل الذاكرة في مستغانم تتواصل    ترقب تساقط بعض الأمطار وعودة الاستقرار يوم الجمعة    خنشلة : أمن دائرة بابار توقيف 3 أشخاص وحجز 4100 كبسولة مهلوسات    أيام توعوية حول مضادات الميكروبات    الفترة المكية.. دروس وعبر    معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة بوهران: استقطاب أكثر من 15 ألف زائر    وزير الصحة يشرف على اختتام أشغال الملتقى الدولي الثامن للجمعية الجزائرية للصيدلة الاستشفائية وصيدلة الأورام    تسيير الأرشيف في قطاع الصحة محور ملتقى    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر        هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليقين في حياة المسلم

تمرّ بالمؤمن وبالأمّة فترات من التحديات البالغة والصعاب الجمّة لا يمكن مواجهتها ولا تجاوزها إلا برصيد وافر من الصبر العملي واليقين المبدئي، وهذا الرصيد يرشّح أهله لنيل درجة الأستاذية الاجتماعية ، وهو ما تؤكدّه السنة الربانية التي رسمتها الآية الكريمة : وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)(السجدة)، فصاغ العلماء هذه السنة صياغة جميلة بقولهم "بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين"، وكيف ترنو أبصار المؤمنين إلى قيادة ركب البشرية بشرع الله وتهفو أفئدتهم إلى ذلك إذا لم يُثبتوا في واقعهم الدعوي والشخصي والاجتماعي جدارتهم لذلك عبر الصمود الواعي والثقة الكاملة في صحّة المرجعية والمنهج وحتميّة المآل ؟ ومواجهة الباطل المنتفخ في ساحة التحدّي والظلم شيء آخر غير التناول النظري في قاعات الدرس وحلقات المساجد.
ولم يستحقّ الأنبياء الكرام وبعدهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة القيادة الروحية والاجتماعية للبشرية إلاّ بعد أن جسّدوا القيم التي يبشّرون بها في حركة التدافع الاجتماعي وما تستصحبه من ألوان العنت والتضييق ، فما خرّت عزائمهم ولا تسلّل الوهن إلى دعوتهم ورؤيتهم ، فلمّا صدقوا الله صدقهم ، وأجرى سنّة النصر والتمكين بعد الابتلاء والتمحيص.
*عُدّة الصبر:
إن الصبر الذي يبدئ فيه القرآن ويُعيد يشتمل على معاني امتلاك اللبّ والعقل ورباطة الجأش في ساعات المحن الشديدة والتحدّي البالغ ، فهو ضدّ الطيش والخور سواء ، ويشير إلى تحمّل المؤمنين للعنت النفسي والمادي ، بصوره الإيجابية منها والسلبية ، كالثبات في ساحة المواجهة العسكرية والفكرية والسياسية والحضارية ، وتحمّل مرارة حملات التشويه والانتقاص ، والاستمرار في النهج السلمي رغم إغراءات السلاح والتصعيد العنيف أثناء النزاعات الداخلية التي تُلمّ بالمجتمع ، وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في كلّ هذه المجالات في مكّة والمدينة ، ولولا صبره الكبير الطويل ما استطاع امتلاك قلوب القرشيّين في نهاية المطاف رغم ما أصابه منهم من أشكال الأذى التي كانت لتستدرجه لحمل السلاح في وجه قومه لولا توفيق الله تعالى الذي أفرغ عليه صبرًا وحبّب إليه الخيارات السلمية الأكثر جدوى ، وذلك ما يظهر في عرض ملك الجبال عليه أن يطبق الأخشبين على مناوئيه فأعرض عن الثأر والانتقام ومال إلى الطريق الطويل المضمون العواقب وقال " أرجو أن يخرج اللله عزّ وجلّ من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئا " – رواه البخاري ومسلم
أمّا في المدينة المنوّرة فكان عليه – صلى الله عليه وسلم – أن يواجه المشركين المتربّصين بالإسلام وأهله من القبائل العربية والدولة الرومانية ويتيقّظ في ذات الوقت للمنافقين المتواجدين داخل الصفّ الاسلامي ، المتظاهرين بالانتماء العقيدي إليه بينما هم يجوسون خلاله بأنواع المكر والكيد ، ومع ان النبي صلى الله عليه وسلم يعرفهم إلا أنهم لبث إلى حين وفاته يصبر عليهم ، وكان يمكنه ان يقضي عليهم لكنه خشي قول الناس إن محمدا يقتل أصحابه ، وإنه لأمر جلل ان يتحمّل الصحابة مثل هذا الواقع ، لكن هذا ما أًمروا به فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ... (35)(الأحقاف).
وكان القرآن الكريم يذكّرهم برصيد التجربة عند من خاضوا بتوفيق وسداد تجربة حمل الرسالة : وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)(آل عمران).
تحمّل ورثة الأنبياء من حملة الرسالة بصبر جميل كلّ ما أصابهم في سبيل الله ، فحفظهم الله من كلّ أنواع الهزّات النفسية المهلكة كالوهن والضعف والاستكانة ، أي من الاستسلام للواقع المرير ومن الهزيمة النفسية التي تفضي إلى الانسحاب من ميدان المواجهة والدعوة والتدافع ، ومن الملفت أنهم لم يُلقوا باللائمة على العدوّ الخارجي بل اشتغلوا بالإقبال على الله وتزكية النفوس بالتوبة ليستحقّوا تنزّل النصر من عند الله.
ولهذا كان شعار العصبة المؤمنة دائما أمام أقوامهم المخالفين لهم وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)(ابراهيم).
يؤثرون تحمّل الأذى على الفتنة الداخلية التي لا تفيد الأمة والدعوة في شيء ، بهذا انتصروا..وباليقين كلّلوا نصرهم.
*ذخيرة اليقين:
إذا كان الصبر يشير إلى الناحية العملية السلوكية عند الفرد والأمة فإن اليقين هو معيار القلوب و العقول ، يتناول الجانب الفكري المبدئي ، وهو الثقة الكاملة في أحقية الرسالة وسلامة المنهج وحتمية النصر والتمكين ، فالصفّ الاسلامي لا يساوره ريب في أنه على الحق طالما أنه مستمسك بوحي السماء وأن الله ناصره لا محالة ، لا يبرح مربّع اليقين مهما انتفخ الباطل وانتفش ، ومهما بدت علامات الضعف على الجماعة المؤمنة في حالات الضراء ، لأنّ الحق حقٌ دائما ، ولو اغترّ المغترّون في وقت من الأوقات بهذا الباطل وقوّته وسطوته وتبرّجه ، وإنما يحزّ في نفوس المؤمنين ما يكون عليه بعضهم من التباس بين حق أبلج وبين الباطل وهو سافر ، عندما تعمل الشائعات والتلاعب النفسي والمصالح القريبة فعلها فتصيب بعض الرموز فيكونون فتنة لبعض المخلصين وأصحاب التديّن العاطفي ، يظهر يقين المؤمنين عند غلبة الشبهات أحيانا وغلبة الشهوات أحيانا أخرى ، أما المتسلحون باليقين فلا يزيدهم التحدي الكبير إلا عزيمة وإصرارا وثباتا : الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)(آل عمران).
ليس هذا كلامًا ماضويًا بل هو معالم إيمانية تهدي السالكين لطريق نصرة الدين وخدمة الأمة في كلّ زمان ، يبقى غضّا طريّا مهما تباعدت الأحقاب واختلفت الأمصار ، أكّدت الأحداث جدواه مرّة بعد مرّة كلّما واجه المسلمون حالات العدوان والتحدّي ، وجرّبه الدعاة والمصلحون والدعاة وقادة الفكر والرأي واستيقنوه ، فكم ذلّل اليقين من صعاب وكم مكّن الصبر المؤمنين من تحقيق النصر والفوز في ظروف اليأس والقنوط .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.