لا يزال الكثير من العائلات في مجتمعنا من تعيش تحت رحمة التمييز بين ولادة الجنسين، و أزواج يفضلون إنجاب الأولاد على البنات، وإن كانت ظاهرة غير جلية للعيان، غير أن هناك الكثير من الحقائق من الواقع المعاش تحدث لكثير من النساء، جعلهن القدر و مشيئة الله أمهات لبنات دون الذكور، ويدفعن ضريبة غالية دون أن يكن سببا في حدوثها، للأسف حكايات وقصص عديدة لا تزال تحدث في مجتمعنا، نسجت وراء الخفاء لنساء عانوا الكثير جراء ولادتهن للبنات. تقبل زواجه من أخرى لتتخلص من عتابه و لومه لها حكاية بسمة، 43 سنة، أم لبنتين، كانت وحدها كفيلة لتبين ان مجتمعنا لا يزال يؤمن بهذه الخرافات و معتقدات أكل الظهر و شرب، حيث عمد زوجها تطليقها و دون اكتراث منه بعدما أنجبت البنت الثانية و قال لها بصريح العبارة:"لو أنك أنجبت ذكرا لما كنت سأتجرأ لتطليقك، لأنني أرفض أن يشب ابني بعيد عني" بعبارات حزينة سردت لنا بسمة قصتها المأساوية، أما جميلة، 45 سنة،أم لثلاث بنات، فقد استغرب من كان في قسم الولادة من أطباء وممرضات من حينما أخبرها الأطباء أنها أنجبت أنثى ليروا ردة فعلها فقامت عن السرير بالرغم من وضعها الصحي، وبطائها الهستيري و كأنها سمعت بفاجعة، فأسرع الأطباء وأبعدوا المولود عنها، وحينما سألوها عن السبب صرحت لهم أن زوجها كان يأمل بذكرو تعلم أنه لن يره الأمر و لن يفرح لميلادها، و حينها قررت جميلة من السماح لزوجها للزواج حتى يرزق بالذكر الذي تنتظره، والتخلص من هذا الجحيم والكابوس الذي تعيشه مع زوجها الذي يطالبها دوما بالذكر، طلبت منه الزواج لعله يرزق بمولود ذكر ويحقق أمنيته ومراده و تتخلص من نظرات اللوم و العتاب التي تعيشها يوميا معه، أما حكاية شفيعة، 43 سنة، أم لأربع بنات، وقد منعها الطبيب من الإنجاب مرة أخرى كون كل ولاداتها كانت عن طريق عملية قيصرية، تحملت وضحت من أجل الحفاظ على بناتها وزوجها، وكان لا يمر يوم دون أن تسمع معايرة أو شتيمة من طرف أهل زوجها الذين كانوا يتباهون أمامها بإنجابهن للذكور، وكانت تحاول قدر الإمكان التحمل والصبر و السكوت وعدم الرد حفاظا على أسرتها من الضياع، ولا يقتصر الأمر فقط على الشتائم وإنما تعدى ذلك بتحذيرها من قبل زوجها بالطلاق والزواج من أخرى حتى يتسنى له إنجاب الذكر ، أما شافية، 43 سنة، أم لثلاث بنات، فقد اعترفت أنها تدعو الله ليلا ونهارا أن يرزقها بولد حتى ترضي زوجها الذي ترى بعينيه نظرات الحسرة و الرجاء كلما رأى طفلا ذكرا أماه، و رغم أنه لم يصرح لها بذلك غير أنها تقرأ أفكاره و تشعر بألامه، وهذا ما يجعلها تشعر دوما بالحسرة و الألم، قالت وعلامات الحزن بادية على وجهها إن حياتها أصبحت تعيسة لأنها لم تتمكن من إسعاد زوجها و تقديم له ما يستحقه، لدرجة أن الكل يحملها مسؤولية ذلك على الرغم من محاولتها المتكررة إقناعهم أن هذا الأمر بيد الله تعالى وأن من يحدد طبيعة المولود ذكرا أم أنثى هو الزوج، ولكن لا حياة لمن تنادي بحكم أن أهل زوجها غير متعلمين، وتضيف أن ما كان يصبرها على هذا الوضع هو الأمل بالله أولا أن يرزقها بمولود ذكر، وتشرح معاناتها قائلة:"إن مجتمعنا ينظر لمن تنجب البنات أنها لا تتساوى مع أم الذكور خاصة بين الأقارب، و عدم التعامل معها بنفس الطريقة لو أنها أنجبت ذكرا" رجال لا يعترفون بالتقاليد و يعترفون بتفضيلهم للبنات و بالمقابل هناك من الرجال من اعترف بحبه الكبير لبناته و تفضيلهن على الذكور أحيانا أخرى، وهنا تسرد لنا نعيمة، وهي أم لخمس بنات، عن تجربتها الشخصية وحب زوجها لبناته وتوضح أنها لم تشعر ولو لثانية أن زوجها يحملها المسؤولية عن إنجاب البنات، بل يعاملها معاملة ممتازة ويشد على يدها ويطمئنها بأن هذا أمر الله سبحانه و تعالى، وتعتقد أن التعليم والثقافة والإيمان تلعب دورا رئيسيا في التخفيف من وجود هذه الظاهرة، وتضيف أنه من يتعامل مع زوجته التي تنجب البنات على هذا النحو هو شخص عديم المشاعر والأحاسيس، ويرى عبد المالك، 53 سنة، وهو أب لخمسة بنات، أن الأولاد نعمة من الله سبحانه و تعالى سواء كانوا ذكورا أو إناثا وأنهم زينة الحياة، وبسببهم تستقر البيوت، ويرى أن بعض أفكار الجاهلية ما زالت تعيش في مجتمعنا، قائلا:" هناك كثير من البنات من قدمت خدمات جليلة لأهلها ولوطنها، وأن كل شيء بيد الواحد القهار وليس الإنسان بقادر على أن يغير شيئا مما كتبه الله له، فمن العيب أن نفضل أحد الجنسين على الأخر" وهنا يوجه ندائه للرجل قائلا:"يا أب البنات لست من اختار مجيء البنات و الله سبحانه هو الذي أمر بتوجيه ذريتك سواء كان ذكرا أو أنثى، وليس قبله و لا بهده شيئ"و يتشاطر طاهر،65سنة، وهو أب لستة بنات الشعور نفسه ويقول: "لست أدري لماذا لا يحبون البنات و ينظرون إلي نظرة الشفقة كوني ليس لدي ابن، لا أفهم كيف يعترضون حكمة الله، أحب بناتي لدرجة لا أستبدهن بمائة رجل، وقد و أحببتهن من أول يوم رأيتهن فيه، أحسنت تربيتهن و أنا فخور بهن، فكل بنت لها شخصية مميزة واستطعن تحقيق الكثير في العلم والمعرفة والعمل " نفسيا: مجتمع لا يزال رهينة العادات والتقاليد أما الاختصاصي النفسي نور الدين أنوار فيؤكد أن المجتمع مازال أسير العادات القديمة، التي كانت ترفض المرأة كليا، و رغم أن الحياة العصرية تغيرت وتطورت، لكن ثمة جذور من الماضي مازالت ممتدة إلى واقعنا، والواقع التاريخي يحدثنا عن كثب عن كل هذه التفاصيل، وهي تعبر عن واقع المجتمع والمستوى الثقافي الذي ينبت في هذا الجو الخاطئ، وقال: هي حقيقة التخلف الذي يحاصر مجتمعنا حتى اليوم، و معاملة الزوج أو المجتمع للمرأة المنجبة للبنات حتما يؤثر فيها من الناحية النفسية، موضحا أنها ستشعر بعدم الثقة بالنفس والانطواء والانعزال والشعور أيضا بالوحدة والحزن والخوف من المستقبل، ويعتقد أن العلاج يكمن في التوعية والتثقيف والإيمان بالمقسوم والثقة بالنفس، والمخرج يكون بالتفاهم والوعي والاعتماد على الله سبحانه ،أما من الناحية الاجتماعية فتعدوا هذه الظاهرة إلى نسق قيمي معياري ينظر إلى أن الطفل الذكر هو الوريث المنتظر لثروة الأسرة والحامل لاسم العائلة ومصدر عزتها، وهو معين للأب في عمله وضمان للأبوين في حالة عجزهما عند الشيخوخة في حين ينظر لإنجاب الإناث كعبء اقتصادي ومصدر قلق للأسرة أحيانا.