قدم كمال بوشامة الوزير الأسبق للشباب والرياضة، كتابه الجديد الموسوم "دزاير الروح الآسرة بتاريخها" في فضاء مكتبة "شايب دزاير" الأنيق والرحب، التابع للمؤسسة الوطنية للنشر والإشهار، وسط حضور متميز، وفي جو رائق واستقبال لطيف من مستخدمي المكتبة الجميلة. أرجع بوشامة أصل كلمة الجزائر إلى "دزاير" وهي كلمة بربرية من زيري التي تعزى إلى دولة الزيريين ومؤسسها المشهور بولوغين بن زيري بن مناد الصنهاجي أحد أكبر القبائل البربرية في الجزائر. ويعد الكتاب وهو من نوع "الكتاب الجميل" ويقع في 372 صفحة والصادر حديثا ضمن منشورات المؤسسسة الوطنية للنشر والإشهار، غاية في الأهمية، طالما يعزز رصيد المكتبة ويزين رفوفها، وهو يفسح المجال ويعطي الفرصة كاملة لزيارة الأماكن التاريخية والعتيقة لمدينة الجزائر، كتاب يجري فيه وصف ومسح لمدينة الجزائر. دزاير، المدينة التي لطالما أبهرت زوارها عبر التاريخ بجمالها وبزرقة بحرها وسمائها، وبفضل اللون الأبيض الغالب لمنازلها، حتى أصبحت تسمى الجزائر البيضاء. ينطلق الكتاب في الحديث عن الزمن القديم منذ عهد "أيكوزيم" والمرحلة الفينيقية لجزائر النوارس، مرورا ب"إيكوزيوم " زمن الرومان، إلى جزائر بني مزغنة، أول من استوطن العاصمة وبنى القصبة من الأمازيغ، وجاء التأسيس سنة 960 م على يد بولوغين الذي بنى حاضرتين أخريين هما المدية ومليانة، متطرقا إلى التسميات الأخرى للمدينة، المحروسة والأساطير التي تروى بشأن التسمية هذه، ومدينة سيدي عبد الرحمان. ويقول بوشامة أن الجزائر عاصمة لم تصبح بالمعنى الكامل إلا زمن الأتراك، وقد عرفت المدينة القديمة أو القصبة تطورا مع الحماديين، المرابطين الذين ابتنوا الجامع الكبير في الأول من رجب عام 490 للهجرة الموافق ل18 جوان سنة 1097، فالموحدين، الحفصيين وبني عبد الوادي، وقد عرفت توسعا لها بعد هجرة الأندلسيين. وقد تطرق بوشامة في كتابه إلى بعض الرحالة ومنهم ابن حوقل الذي وصف المدينة زمن مروره بها، مؤكدا أنها كانت تصدر منتوجاتها إلى غيرها من الحواضر كالقيروان، وهذا أبو عبيدة البكري في 1068 الذي يصفها بأنها عاصمة مملكة كبيرة، وهذا قبل مجيء الأتراك بقرون. كما ساق بوشامة في حديثه إدانة أحد النواب الفرنسيين والمدعو "ساد" أمام الجمعية الوطنية الفرنسية معاملات فرنسا الاستعمارية وتصرفات المعمريين الذين غيروا من ملامح المدينة التي كانت أهلة وحضرية. وفي الكتاب حديث عن الأحياء وتسمياتها القديم منها والحديث، وعن المعمار، المدرسة الثعالبية وطرازها العربي الحديث "نيو مراسك"، تماما كما البريد المركزي وقصر الشعب وفيلا سيزيني، ومتحف الفمون الجميلة وغيرها. عرج بعدها بو شامة إلى الجانب الروحي للمدينة، حيث تطرق إلى شخصية الثعالبي المعروف بسيدي عبد الرحمان للتعريف به أكثر للقراء وهو الذي عرف عنه غزارة إنتاجه العلمي وكتبه. كما أشار إلى الشيخ الكتاني، وهو أحد العلماء الكبار الذي أسس جامعة كانت تستقطب عددا كبيرا من الطلاب، وقد أطلق اسمه على حي من أحياء العاصمة المعروف بباب الواد "حي الكتاني". وفي كتاب الرجل حكايات كثيرة عن سيدي فرج، عن سيدي الروخو، عن سارفانتاس ومغارته الشهيرة وغيره من الشخصيات. سيدي بومدين بن شعيب الذي ذهب بجيش جزائري إلى بلاد الشام لمحاربة الصليبيين، وقطعت يده في معركة حطين ودفنت بالقدس الشريف بينما عاد هو إلى بجاية. ويذكر بو شامة أن شرشال كانت عاصمة منذ عهد الرومانيين، وكانت تضاهي روما في قيمتها وعدد سكانها المائة ألف نسمة. كما تناول ضيف مكتبة شايب دزاير، الكتابة التاريخية وكونها ليست حصرا على المؤرخين، بل هي تشمل كل محبي التاريخ ممن لهم القدرة على البحث والاستقصاء، وقد عاب على بعض المهتمين بالتاريخ ممن تعوزهم الوثائق فيقفون عند المحك حيارى لا يلوون على شيء ويتراجعون القهقرة ، بينما قد يغامر من يغامر وقد يصيب. ومن جهة أخرى تطرق بوشامة لكتابيه القادمين لالة زويخة والداي"، وهي كما وصفها إمرأة مجاهدة وأيقونة من أيقونات المقاومة والجهاد ضد الاستعمار قضت تحت التعذيب لعشرة أيام، تنحدر من منطقة شنوة، وهي التي أشارت وأمرت ابنها القادم لتوه من الحرب الصينية للتوجه إلى الجبل ورفاق الكفاح، طالما لديه الخبرة الكافية في الحرب، مؤكدا أن هناك مشروع فيلم عن "لالة زوليخة والداي" سيخرجه أحمد راشدي السيناريو ل أمازيت بوخالفة. أما الكتاب الثاني فهو في مجال الرياضة ويتعرض لفريق مولودية شرشال لكرة القدم، وكل عناصر الفريق استشهدوا في الجبل في معركة التحرير المباركة. وأعقب اللقاء نقاش حول الكتابة التاريخية ومن يكتب، وعن أهمية أن تقدم الرويات المختلفة لحادثة بعينها أو شخصية بذاتها، كما هو الشأن بسيدي فرج الذي اعتبره أندلسيا نازحا بينما تذكر رواية أخرى أنه من قلب الجزائر وبوابة صحرائها. جدير بالذكر أن الشيخ الثعالبي لم يعش زمن الأتراك، وهو الذي ولد في نهاية القرن الرابع عشر وتوفي في القرن الخامس عشر بينما قدم الإخوة عروج وخير الدين ومن ورائهم الأتراك في 1516. وقد تعرض بوشامة فيما سبق للنقد والتعنيف بسب كتابته عن بعض الشخصيات الوطنية مثل القايد أحمد "سي سليمان" الذي وصفه بالرجل العظيم ولو بقي على قيد الحياة لعمل الكثير من أجل البلاد، والشريف مساعدية الذي كان له مواقف رجولية وكان فاتحا أبوابه للصحفيين. للعلم فإن الكتاب متواجد بالمكتبة المذكورة ويسعر يتلاءم مع طبيعة الكتب الجميلة وصفحاته العديدة. كمال بوشامة كاتب مكثر في رصيده عديد الكتب التي أثرى بها المكتبة الوطنية وهي تتعلق بمجالات متعددة، سياسية تاريخية وثقافية، كرس جل وقته للكتابة، فكتب عن بعض الشخصيات التي عايشها مثل القايد أحمد، وشريف مساعدية وعبد القادر علال، وهو الذي درس بالمدرسة الفرنكو إسلامية "عمارة رشيد" كان وزيرا للشبابة والرياضة. للتذكير سيستضيف فضاء مكتبة شايب دزائر عشية اليوم السبت، رشيد رزاقي في لقاء حول الشعر والبيداغوجيا ينشطها إلى جانبه كل من جوهر أمحيز روائية وبيداغوجية، أحمد تسة بيداغوجي، الجامعي شريف غبالو ناقد أدبي، والدعوة موجهة للجميع.