احتضنت مكتبة شايب دزاير بالعاصمة، أول أمس الخميس، بيعا بالإهداء لآخر إصدارات كمال بوشامة، تحت عنوان “دزاير، روح أسيرة لتاريخها”، الصادر عن الوكالة الوطنية للنشر والتوزيع والإشهار. وخلال هذا اللقاء، تطرّق بوشامة إلى مضمون الكتاب، الذي حاول فيه أن يقدم لمحة عن تاريخ الجزائر العاصمة عبر العصور المختلفة، بطريقة سهلة جذابة ومع التركيز على الصور، التي تُظهر أغلب المعالم التي تزخر بها المحروسة، مع تقديم شروح لأصل مختلف التسميات والأماكن. حضر اللقاء، الذي أداره سيد علي صخري، جمع غفير من عشاق الكتاب والتاريخ، حيث استمع الحضور إلى تقديم بوشامة الذي لم يقتصر على متن الكتاب، وإنما على شهاداته وتجاربه الخاصة مع عدد من الشخصيات الوطنية والأجنبية. «هذا الكتاب فسيفساء تاريخ.. وإضافتي هي تقديم تاريخ مبسط في متناول الجميع مع معلومات كثيرة”، يقول كمال بوشامة في شرحه لجزء من مضمون كتابه الفخم، الموسوم عنوان “Dzayer, âme captive de son histoire”. واستشهد بما جاء على لسان نائب “ساد” الفرنسية الذي أدان ما قام به المحتل الفرنسي من طمس للمعالم وإتلاف لها. كما حاول تقديم بعض الشروح المتعلقة بعدد من الأسماء والأوصاف المتداولة، على غرار صفة “المحروسة” التي تطلق على مدينة الجزائر، ويعود ذلك حسبه إلى محاولة شارلكان العدوان على المدينة سنة 1541 “ولكنه وجد جيوشنا بالمرصاد وكانت هزيمته نكراء.. وحول هذا الأمر هنالك أساطير كثيرة تروى.. ومن هنا جاءت تسمية الجزائر المحروسة” يقول بوشامة. ويتطرّق الكتاب إلى تاريخ المدينة من عصر الفينيقيين إلى استرجاع السيادة الوطنية، “ركزت على ما كانت الجزائر عبر التاريخ ولم أنس الأحداث التي وقعت بعد دخول المستعمر، وإذا كان هنالك أحداث تمس الوطن ككل على غرار إضراب الطلبة أو اتحاد العمال الجزائريين، فإن هنالك أحداثا تختص بها العاصمة، مثل مظاهرات 11 ديسمبر، اجتماع مجموعة ال22 بالمدنية، وغيرها”. كما تطرّق بوشامة في كتابه إلى الجانب الروحي للعاصمة، مثل سيدي عبد الرحمن الثعالبي، “هذا الرجل العظيم الذي يجهله الكثير من الناس ويربطونه فقط بإشعال الشموع والتبرك بمقامه”، يقول بوشامة مضيفا: “سيدي عبد الرحمن هنا منذ القرن 15.. ومن الأحداث التي تروى عنه أن شيخا جاء يشكو القحط ويطلب منه الدعاء لنزول الغيث، فأجابه سيدي عبد الرحمن الثعالبي: يطوف السحاب ببلدتنا طواف الحجيج ببيت الحرمْ. يريد النزول ولم يستطع لظلم الولاة وهتك الحُرمْ”.. ويضيف بوشامة بأن عبد الرحمن الثعالبي أّف آلاف الصفحات في تفسير القرآن شرحا عميقا، وكان نبلاء العثمانيين يدرسون على يديه. كما تطرّق بوشامة إلى الجامع الكبير الذي بناه يوسف بن تاشفين سنة 1094، وجامع كاتشاوة (هضبة الماعز)، وسيدي امحمد بوقبرين (وما يروى له من كرامات ومدفون هنا في الجزائر وفي آيت سماعيل)، واعتبر بوشامة بأن وجود قبرين لشخص واحد أمر غير ممكن، لذا فسيدي امحمد مدفون في آيت سماعين بمنطقة القبائل، وأطلق الأتراك هذه الأسطورة لأنهم لم يريدوا أن تنافس منطقة القبائل سلطتهم. ومن المعالم نجد أيضا “السيدة الأفريقية”، و«المدرسة الثعالبية”، ذات الطراز العربي الأصيل، ونجد نفس عمرانها في البريد المركزي وقصر الشعب وغرفة التجارة ومتحف الفنون الجميلة، وهو عمران فريد، يقول المؤلف. ودعا بوشامة إلى الافتخار بتاريخ الجزائر، فعلى سبيل الثال نجد أول جامعة في العالم حسب المؤرخين بنيت في شرشال 25 سنة قبل المسيح على يد يوبا الثاني، “لا يجوز أن نترك مكانا نعرف تسميته ولكن لا نعرف قصته ودلالته”، يقول بوشامة معتبرا أن “هناك من المؤرخين من إذا كان الموضوع شائكا لا يكتب عنه ويتفاداه”. من جهته قال مدير اللقاء سيد علي صخري إن “كتابة التاريخ من طرف المؤرخين الأكاديميين، ومن طرف محبي التاريخ، يجب أن يتعايشا، لأن الكتابة الأكاديمية لا يمكن أن ننقص من قيمتها ولكنها لا تجذب القراء ولا تمتع.. هذا الكتاب يعلمنا الكثير عن الحكايا والأساطير، هو كتاب ممتع للقراءة”. وأضاف صخري بأن النشاط الذي احتضنته مكتبة شايب دزاير، بتقديم كتاب عبد الكريم تازاروت عن الراحل الهاشمي قروابي، قد أثمر بإطلاق اسم القروابي على أحد شوارع سيدي امحمد عن قريب. أما كتاب كمال بوشامة المقبل، والذي يتطرّق إلى إحدى شهيدات الثورة الجزائرية، فسيتمّ تحويله إلى فيلم سينمائي بعد أن تمّ الاتفاق مع المخرج أحمد راشدي.