يلجأ الوالدان سواء قصدا أو بدون قصد إلى التمييز بين أبنائهم وعدم العدالة فيما بينهم، سواء كان التمييز ماديا أو معنويا، مما يكون بداية لإشعال نار الفتنة بين الأبناء، وسببا لتشتت شملهم وزرع الحقد والكراهية بين فيهم قد تمتد لعداوة وقطيعة أبدية، أو طريقا للأجرام في حالات أخرى. هي أخطاء هي أخطاء يرتكبها الوالدين ويحصد أشواكها الأبناء، تورث فيهم الحقد والكراهية والعداوة بسبب تمييزها لطفل و تفضيله عن اخوته، سواء لامتلاكه صفة ما أو لصغر سنه، أو لحاجته للعناية بصورة أكبر، أوحتى نوع جنسه أو أي سبب آخر، وهم لا يعلمون أن بصرفهم هذا يزرعون بذور الحقد والكراهية في الأسرة، إذا لم تكن تؤدي إلى النزاع والاصطدام والشجار أو القطيعة في حالات كثيرة. تولد الحقد والغيرة والعدوانية بين الاخوة وهناك من لا يكترث لخطورة المشكلة و يعتبرها أمرا عارضا من القدم و لا ضرر منها بحكم التجربة، إذ يحق للصغير أن يحضى بمعاملة تختلف عن الآخرين و المريض عن المعافى و المجتهد عن الكسول و المطيع عن العاق، و تختلف التفرقة التي تظهر بأشكال مادية أو المعنوية مثل تلبية رغباته أو حتى الاختلاف في الاهتمام، أو في المداعبة، أو العطف والحنان، أو حتى في تقبيلهم، أو في التأديب، عن هذا الموضع صرحت لنا أمينة، 34 سنة، أم لثلاث أولاد قائلة:" دائمة الشجارمع زوجي الذي يميل لتفضيل ابني الاصغر عن الأكبر و يدعي ان ذلك عن غير قصد، وقد لا حظت بوادر غيرة الاكبر من أخيه و عدوانيته اتجاهه من خلال تصرفاته و معاملته له، و قد أصبح هذا الأمريخيفني حقا و اخشى من عواقبه مستقبلا"، من جهة أخرى و من الناحية النفسية فان شعور الطفل بعدم الأمان بين والديه يؤدي إلى إحساسه المستمر بالقلق والرغبة في حماية نفسه من التمييز، بل ويحاول ترجمة الكبت النفسي والشعور بفقدان الاطمئنان إلى سلوك يراوح بين الانطوائية والعزلة أو التمرد والانطلاق والبحث عن مجتمعات أخرى يجد فيها حريته وشعوره بالاطمئنان، وهنا يكون مجتمع أصدقاء السوء الذين يأخذون به إلى الانحراف بمختلف أشكاله، وتأصيل عادات مذمومة كالكذب والعقوق والاحتيال ويرتبط هذا بمشاعر عدائية ضد الوالدين بالأخص كونهما سبب المشكلة. أولياء يجدون ذريعة لتبرئة تمييزهم بين أبنائهم يتفاوت الأبناء في كل أسرة في مستوياتهم سواء في الشكل أوالطباع، وكذلك المستوى الدراسي، وقد يكون هذا التفاوت سببا رئيسا لتغير تعامل الوالدين من ابن إلى آخر أو بنت إلى أخرى، وأحيانا يكون هذا الاختلاف في التعامل لا يكون، فكل والدين لهما نظرة مختلفة عن غيرهما تتحكم في هذا التمييز الذي غالبا ما تكون عواقبه وخيمة على الأولاد سواء على المدى القريب أو البعيد، بشيرة، 54 سنة، و هي أم لحمسة أبناء، حيث ذكرت أن لها ابن وسط مطيع لها و يعاملها بكل لطف و حنان لدرجة أنه لم يرفع صوته أمامها منذ صغره، و هذا ما جعلها لا تشعر غلا بميلها نحوه و معاملته معاملة خاصة دون اخوته ، كما أنها لا تجد أي حرج في اقتصاره بهذه المعاملة التي يستحقها في نظرها، قائلة:"لا يعقل أن تتساوى معاملتي للابن العاق و المطيع و الحنون عن الحاقد و هذا حتى يكون درسا لبقية ابنائي"، و في عائلات أخرى يكون مرض أحد أبنائها أو نحافته أو كونه الذكر الأكبر سببا لتمييزه عن الآخرين دون قصد و هم لا يدركون أن هذا لا يخول لهم التفرقة بين الأبناء حيث يمكن أن يخلف عواقب وخيمة، أمثال سفيان،36 سنة، الذي أنجب أول مولود ذكر و قد أقام له عقيقة كبيرة و بقي يعامله بخصوصية تختلف عن معاملته لابنته الكبرى التي لم يفكر أبدا في اقامة لها عقيقة رغم أن ديننا شرع أيضا عقيقة للبنت، و لم يكتفي بهذا بل بقي يعامل ابنه معاملة خاصة هذا حسب ما صرحت لنا به زوجة سفيان التي عبرت لنا عن حسرتها لما تعانيه ابنتها الكبرى من تفريق و تهميش من طرف والدها. الابن المفضل هو المتضرر الأول وظاهرة التفريق بين الأولاد تتعدى أيضا إلى الابن المفضل من الناحية النفسية حيث تؤدي إلى تعقيده الولد وانطوائه، وكذا نظرة إخوانه العدائية ضده بسبب الكره الممارس من طرف اخوانه له، إذ يميل الآخرون إلى كرهه وغيرتهم منه كونه مقربا من والديه، وحسده على الحنان والرعاية التي يحظى بها والتي جاءت على حسابه، إن لم تتطور إلى مستوى إلحاق الضرر بالهجر والضرب في في مرحلة الطفولة، فتصل بذلك الأسرة إلى حالة لا تحسد عليها، ليكون الولد المفضل والمفضل عليه والوالدين أيضا في صراع دائم يتعكر معه صفو الحياة وسبب لكراهية بعضهم لبعض ودافع للعداوة بين الأخوة، في هذا الصدد تقول إلهام،27 سنة:"عانيت كثيرا في طفولتي و حتى في مرحلة مراهقتي من تفضيل أمي لأختي الصغرى دون سبب وجيه لذلك و قد أثر هذا الامر على حياتي و كاد أن يحطمني بسبب تراجعي في دراستي إلى انني فكرت في الهروب من البيت مرة لولا ستر الله سبحانه و تعالى و تراجعي في آخر مرحلة"، و قد أثبت الأبحاث أن تأثير تفضيل الأم لأحد أطفالها في مرحلة الطفولة يستمر لاحقاً، حيث سيشكو أولادها جميعا ومن بينهم المفضل من عوارض، حتى وإن مضت سنوات على إقامتهم خارج منزل العائلة، بل وحتى تأسيسهم أسرا جديدة. نفسيا: التفرقة بين الأبناء ناتجة لوجود قواسم مشتركة وحذر أخصائيون في التربية من التمييز بين الأبناء أو بين الإخوة ، معتبرين ذلك بمثابة النار المتقدة تحت الرماد، حيث أن الآباء يقعون بذلك الخطأ الفادح من دون قصد، حيث يراعون ويفضلون أحد الأبناء عن الآخر لأسباب عديدة، منها صغر السن وحاجة الابن للرعاية بصورة أكبر ونوع الجنس، علما أن التفرقة تظهر بأشكال مختلفة منها المادية، أو المعنوية مثل تلبية رغباته، الاختلاف في الاهتمام، أو في المداعبة، أو العطف والحنان، أو حتى في تقبيلهم، أو في التأديب، ما يعرض أحد الأبناء للعقاب البدني جراء خطأ بسيط ارتكبه، بينما يتم التسامح مع الآخر، و أكدت دراسات علم النفس أن التفرقة بين الأبناء تعود إلى المستوى الفكري لدى الآباء، وكذلك لوجود قواسم مشتركة بين أحد الأبناء مع أحد الوالدين أو كليهما، ما يحدث نوعاً من الانسجام والتآلف، أي أن المفرق بين أبنائه يدرك بأنه يرتكب خطأ، إلا أنه لا يعي مصدر السلوك الذي هو عبارة عن إستراتيجية تركيب دماغي لصورة وهيئة الابن المقرب وأخرى للابن غير المقرب، فقد يحب أحد الوالدين الطفل الذي يشبهه في صفاته الشكلية أو الحركية، في حين سيشعر بنفور من الطفل الذي يشبه قريبه الذي لا تربطه به علاقة طيبة، فيوقع العذاب النفسي والجسدي على طفله، مبينا أن هناك تأثير آخر للبرامج العقلية العليا التي تعتمد على طبيعة الأداء في الشخص وتحدد نمطه السلوكي. وقد نهى ديننا عن التفرقة بين الأبناء حتى في لقول رسولنا الله صلى الله عليه وسلم: "اعدلوا بين أولادكم في النحل، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف".