التفرقة بين الأبناء من جانب الأم أو الأب أو هما معا ظاهرة تسود العديد من البيوت، ومن مظاهرها ان تميل كفة التفضيل نحو أحد الأولاد أو أن تقوم أساليب المعاملة الوالدية على التمييز بين الجنسين· والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: لمَ هذه التفرقة بين أفراد أنجبهم رحم واحد؟ وهل لذلك تأثير على نفسية الإخوة؟ يتشاءم العديد من الأشخاص من إنجاب الإناث بل ويصل الأمر في بعض الأحيان الى حد الطلاق، الذي تراجع بفضل ارتفاع المستوى التعليمي وحدوث ثورة طبية أنصفت المرأة التي ظلت مظلومة على مدى عقود طويلة على أساس أنها المسؤولة عن جنس المولود· ورغم أن التطور العلمي حمل الرجل هذه المسؤولية، إلا أن التشاؤم من إنجاب الإناث يظل كظاهرة ملحوظة في العديد من المجتمعات العربية تكرسه بعض العادات والتقاليد، ففي المغرب -على سبيل المثال لا الحصر- تطلق ثلاث زغاريد على المولود الذكر، في حين تطلق زغرودة واحدة فقط على البنت، وفي بعض المناطق في الجزائر تحرص العائلات على ذبح الخرفان عند ازدياد الذكر في حين يمر مولود الانثى أشبه باللاحدث، ليس هذا فحسب بل تفوز الفتاة أيضا بلقب بومبة حيث أنها قنبلة موقوتة في نظر العديد من العائلات· وبعيدا عن المجتمعات العربية يتم تفضيل الذكور على الإناث، ففي الصين مثلا يعد ارتفاع نسبة اجهاض الأجنّة الإناث أهم عنوان لذلك· وتسود ظاهرة التفرقة بين الأبناء عموما في عدة بلدان كما أنها لا تقتصر على التمييز بين الجنسين فقط، ففي بعض البيوت يفوز أكبر الأبناء أو أصغرهم بالقسط الأكبر من محبة ورضا الوالدين، وربما أن نتيجة ذلك هي شعور الأبناء - ذكورا أو إناثا- بحماية أو جفاء أحد الوالدين· وفي إطار هذا الموضوع، أكد العديد من المستجوبين ان هذه الظاهرة التي ترتبط في أحيان كثيرة بالمستوى التعليمي للوالدين تؤثر كثيرا على الحالة النفسية للأبناء· وفي نفس الوقت، يمكن ان تسفر عن نتائج خطيرة· وترى (ليندة/ف) شابة مثقفة أن التفرقة بين الأبناء ظاهرة مازالت تنخر العديد من الأسر، حيث لا ينتبه بعض الأولياء الى النتائج الوخيمة التي تترتب عنها، وأنا شخصيا وقفت على افرازات هذه الظاهرة في أسرة تربطني بها صلة قرابة، حيث كانت معاملة الوالدين تقوم على أساس تفضيل الذكور على الإناث، ما اثر كثيرا على نفسية قريباتي· والملفت في المسألة أن الذكور الذين تم تفضيلهم وتدليلهم اكتسبوا عقدة التفوق التي أعطتهم حق اصدار الأوامر والنواهي في البيت· وليت الأمور توقفت عند هذا الحد، بل وصلت بهم الى ضرب الوالدين! وتؤكد السيدة (نورة/م) أنها لطالما عانت من تفضيل والدتها لشقيقتها وهو التفضيل الذي لم تجد له تفسيرا فظل يؤثر على نفسيتها· وتعترف محدثتنا بصراحة أنها ذرفت دموع الغيرة يوم زفاف شقيقتها بدل دموع الفرحة لأنها لم تحظ يوم زفافها بنفس الاهتمام من طرف الوالدة· أما الآنسة (ن/خ) أستاذة جامعية فتقول إن الأنثى في مجتمعنا تثير خوف الأولياء من الفضائح التي قد تمس شرف العائلة في حالة انحرافها وهذا الخوف يضاعف مسؤولية الآباء تجاهها، حيث تتطلب تربيتها حراسة مشددة على عكس الذكر الذي لا يخضع لنفس الدرجة من الرقابة، ما يكسبه حرية اكثر تخوّل له ارتكاب عدة اخطاء دون ان يحاسب، وتفسر هذه المعطيات سبب تفضيل بعض الاولياء للذكور· أما بخصوص تأثير هذه الظاهرة، فقد أثبتت التجارب الواقعية وكذا بعض الدراسات أن التمييز بين الذكور والاناث او بين الابناء عموما يولد الحقد على الآباء والغيرة بين الاشقاء، كما تبيّن ايضا أن الانحراف يشيع في وسط الابناء الصغار الذين تم تدليلهم بصفة مبالغ فيها·
رأي علم النفس انكسار الشخصية
تشرح الأستاذة الجامعية منيرة زلوف، المتخصصة في علم النفس، أن التمييز بين الذكر والأنثى او بين الأبناء الكبار والصغار أمر قد تكون له عدة مدلولات· فعندما تفضل الأم الإبن الأكبر، فإنها تترجم بذلك معاناتها من مشكل نفسي ويتعلق الامر هنا بالأرامل او المطلقات او الزوجات اللواتي لديهن مشاكل مع الازواج، فهن باختلاف حالاتهن يبحثن عن حماية الرجل، أما الأب الذي يدلل الذكر فهو شخص يبحث عن سند في الحياة، خاصة إذا كان لا يملك أشقاء· وتعبّر الأم التي تدلل الانثى عن قهر يدفعها للبحث عن أنيسة تساعدها وتملأ فراغها العاطفي، لأن البنت الكبرى تعوض النقص الذي لم تجده الزوجة عند الزوج· وبالنسبة للأب الذي يدلل الانثى، فيعبّر ايضا عن مشكل عاطفي سببه الزوجة، حيث يبحث عن الحنان المفتقد عند البنت الكبرى أو الأخت· ومن ناحية أخرى، يشير تمييز احد الابناء عن باقي الاخوة الى وجود مشكل نفسي محض يعكس درجة التوافق النفسي بين الأم والإبن او الأم والبنت المدللة، وكذلك الأمر بالنسبة للأب، حيث ان الامر يعبّر عن تكيف وجداني وتوافق نفسي مع مجمل المفاهيم المشتركة بين الاثنين· وعلى صعيد آخر، تضيف الأستاذة، أن السبب الرئيسي الذي يقف وراء التمييز بين الذكر والانثى من حيث المعاملة هو من طبيعة اجتماعية· فالمرأة التي تعتبر ضعيفة في نظر المجتمع تعتبر الذكر مصدر قوة وحماية، ولأنها تخاف غالبا أن تفقد تلك القوة تجدها تتسامح معه في كل ما يفعله، أما البنت فتعد مصدر خوف بالنسبة للأم التي تخشى انحرافها، في حين ينظر الأب الى الذكر على اساس انه سند مادي ومعنوي، أما البنت فلا تعتبر سندا باعتبار أنها ستتزوج لاحقا وترحل· وعن تأثيرات التفرقة بين الأبناء تقول المتخصصة النفسانية إنها تسبب جرحا نرجسيا الى جانب الاحساس بالدونية، الفراغ الوجداني والشعور بالتذمر من النفس واحتقار الذات، وهذه الاعراض باجتماعها تعني أن للظاهرة خطورة بالغة على نفسية الطفل سواء على المدى القريب أو البعيد، ذلك لأنها تشكل انكسارا في شخصية الطفل، بحيث كلما زادت درجة الانكسار في الشخصية كلما أصبحت هشة وجد حساسة. *