الثابت لدى الأحزاب السياسية في الجزائر, أنها لا تستفيد من تجاربها السابقة في الاستحقاقات الانتخابية سواء كانت مشاركة فيها أو مقاطعة لها, ولذا تعود في كل موعد انتخابي بنفس الخطاب شكلا ومضمونا , شكلا لأنه يردد نفس العناوين بعدة لغات ولهجات للتقليل من مصداقية الانتخابات واتخاذ المترشحين لها هزؤا , حتى أصبح المواطن الكفؤ المنضبط , يفضل النأي بنفسه عن الترشح للانتخابات عامة و المحلية منها على الخصوص , إذ ما من مواطن يعلن عن رغبته في الترشح لعضوية مجلس منتخب ,حتى يصبح محل شبهة , لأن الترشح أصبح مرادفا " للشكارة" و لشبهة الفساد و الجري وراء الإثراء السريع على حساب الصالح العام و مختلف التهم الجاهزة التي توجه للمترشحين , ليس من طرف جهة قضائية مخولة لهذه المهمة , و إنما من كل شخص متحزب أو غير متحزب , اتخذ من انتقاد المنتخبين عادة و ربما وسيلة للتميز أيضا . المشكلة , أن هذا التوجه الذي تتحمل الأحزاب مسؤوليته و تبعاته في نفس الوقت , هو نتاج عجز التشكيلات الحزبية عن استقطاب العدد الكافي من المناضلين الأكفاء و الأوفياء ليس فقط لضمان التنافس على كافة المقاعد الانتخابية في أي استحقاق , و إنما أيضا لتأمين مراقبة كل مراحل العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها, علما أن عملية المراقبة يمكن أن تضمنها الأحزاب بالتضامن فيما بينها عند الاقتضاء , و هو ما يتيحه عدد الأحزاب المعتمدة الذي يسمح بتوزعها عبر الوطن بمعدل حزبين لكل ولاية , في انتظار اقتناع زعمائها أن التحالفات الظرفية من أجل الترشح في هذا الاستحقاق أو ذاك , لن يجعل من أحزابهم , أحزابا كبرى إلا في حالة توسعت هذه التحالفات أكثر و أصبحت تكتلات و اقطابا دائمة للتيارات السياسية المعروفة في البلاد . لقد كشفت بيانات وزارة الداخلية بخصوص الترشيحات لمحليات 23 نوفمبر , أن عدد المتنافسين على مقاعد المجالس البلدية بلغ 165 ألف مترشح موزعين على 9562 قائمة , بينما كان خلال الاستحقاق السابق 185 ألف موزعين على 8580 قائمة , و التباين في عدد القوائم يكشف ميل الأحزاب و المستقلين إلى اختيار البلديات ذات المقاعد المحدودة نسبيا من باب الحصول على المقاعد من أيسر السبل التي لا تكلف عناء جمع عدد كبير من التوقيعات. غير أن عزوف المواطنين عن الترشح للانتخابات البلدية , لم يعد في حاجة إلى دليل, ما دامت جل الأحزاب تشكو من عجزها في استكمال قوائمها بمترشحين ومترشحات تتوفر فيهم الشروط القانونية بغض النظر عن المواصفات الحزبية. وفي ظل هذا العجز المزمن في ضمان العدد الكافي من المترشحين و من المترشحات على وجه الخصوص , تصبح التحالفات مطية بعض الأحزاب لتوسيع مجال تواجدها الجغرافي, ووسيلة لأحزاب أخرى لتوفير فرصة الترشح للفائض من الراغبين في الترشح من مناضليها (عندما كان ذلك متاحا قبل تعديل قانون الانتخابات في 2016) . تحالفات تفككها النتائج غير أن هذه التحالفات الاضطرارية و الظرفية وحتى الانتهازية بشكل مفضوح , غالبا ما تبقى بدون تأثير كبير لا على نتائج الانتخابات و لا على نسبة المشاركة , بل الراجح أنها تؤثر سلبا على مصداقية العملية الانتخابية برمتها جراء ما تفرزه المنازعات و الخلافات بين المترشحين الفائزين جراء تغير التحالفات أو قيام تحالفات مضادة على ضوء النتائج بحثا عن التموقع الجيد الذي يتيح الفوز بمنصب ضمن الهيئات التنفيذية للمجالس المنتخبة , وما ينجر عن ذلك من انسدادات تعطل سير المجالس ومن خلالها المصالح المباشرة للمواطنين . تاريخيا دخلت التحالفات ولو بشكل محتشم في الاستحقاقات المحلية منذ ثاني موعد انتخابي تعددي في الجزئر الذي جرى في أكتوبر 1997 وحصل خلاله الأرندي على أغلبية المقاعد المتنافس عليها المقدرة ب 13123 مقعدا بلديا و 1880 مقعدا ولائيا . وسمح تنافس 37 حزبا و3 تحالفات و428 قائمة للمستقلين على مستوى البلديات و12 حزبا و3 قوائم للمستقلين بالنسبة للمجالس الولائية , بتسجيل نسبة مشاركة تجاوزت 62 % دون أن يظهر أثر للتحالفات الثلاثة على جدول النتائج . و في الاستحقاق المحلي الموالي الذي تم في 10 أكتوبر 2002 , تدحرجت نسبة المشاركة إلى مستوى 50% بسبب أحداث منطقة القبائل على وجه الخصوص , و ليس بسبب تراجع عدد الأحزاب المشاركة و التحالفات و المستقلين , حيث ضمن 14 حزبا من بين 25 , مقاعد في المجالس الولائية , كما حصل تحالفان على 7مقاعد لكل منهما , بينما حازت القوائم الحرة على حوالي 7%من مقاعد المجالس البلدية . و في محليات 2007 استمر الهبوط في مؤشر المشاركة الذي تراوح بين 43 و 44 % (ولائي و بلدي) , وخاض معتركها 23 حزبا إلى جانب الأحرار والتحالفات , هذه الأخيرة التي لم تنل سوى 27 مقعدا بلديا و4 مقاعد ولائية. أما الأستحقاق المحلي الأخير الذي جرى يوم 29 نوفمبر 2012 فقد ظلت نسبة المشاركة في مستواها بين 43 و 44 % رغم تنافس 52 حزبا و 179 قائمة حرة و تحالف واحد و4 تكتلات في هذه الانتخابات التي كان نصيب التحالف فيها 552 مقعدا مكنته من الإشراف على 5 بلديات , بينما لم تحز التكتلات الأربعة مجتمعة سوى على 46 مقعدا دون الحصول على الأغلبية في أي بلدية. أحزاب في حالة إفلاس سياسي و إذا أضفنا إلى التحالفات الظرفية , ظاهرة التجوال بين الأحزاب بحثا عن فرص الترشح , أمكننا قبول ما جاء على لسان أحد المتجولين في الجغرافيا الحزبية ضمن دراسة أجراها مركز "الكراسك" بوهران حول نتائج الانتخابات المحلية , عندما أكد للباحث بأن :«الأحزاب السياسية الحاملة لمشاريع مجتمع توجد في حالة إفلاس واضح، فلا المشروع الإسلامي، ولا المشروع الوطني، و لا المشروع الديمقراطي استطاع أن يقنع الناخبين، و هذا ما يجعلنا ننظر للانتخاب كإجراء تقني للتداول على السلطة محليا، في حين أن الانتخاب النضالي لم يعد موجودا حاليا"... ولا شك أن الأحزاب مدركة بأن ليس بالسبات و التمني تتخلص من حالة الإفلاس هذه, وإنما باستمالة العدد الكافي من المناضلين الذين يمكنهم تحقيق الفوز في أي منافسة انتخابية. إذ لا وجود لأي حزب يمكنه الوصول إلى مبتغاه إذا لم يتغلغل في الأوساط الشعبية ليس بالخطابات الحزبية و الوعود البراقة فقط وإنما بالعمل الجواري المثمر الذي يرفع الغبن عن هذا و يواسي ذاك و يساعد في كل مشروع يخدم الصالح العام و في نفس الوقت مصلحة الحزب , فالطريق إلى السلطة يحتاج إلى كثير من النضال وأنهار من العرق لتعبيده وجعله سالكا للطامحين فعلا في حكم البلديات و الولايات ومن خلالها الجزائر. فإن وصفة الانتصار في أي انتخاب تبقى هي نفسها " الاعتماد على شعبية قوية لدى جمهور الناخبين " وعندما تلتزم أحزابنا بهذه الوصفة وتجسدها على أرض الواقع , عندئذ قد نعذر السلطة إن هي أوجست خيفة من هذه الأحزاب. فالأحزاب التي تنتج العزوف متعدد الأشكال, لا تخيف وإنما تنفر من كل ما له صلة بالسياسة .