يعكف الفنان التشكيلي شريف دربال على وضع اللمسات الأخيرة لجدارية نحاسية بطول 80 مترا قام بتحضيرها تخليدا لثورة 1 نوفمبر المجيدة وإحتفاء ببطولات شهدائنا الأبرار الذين ضحوا بحياتهم لأجل الإستقلال حيث أدرج هذا الأخير في جداريته مجموعة من اللوحات الفنية الراقية التي تؤرخ ل 7 آلاف شهيد جزائري مستعرضا بذلك مراحل تاريخ عدة مدن جزائرية في مقدمتها مدينة »ميلة« العريقة بدءا من مرحلة ما قبل التاريخ إلى غاية ثورة التحرير ومعركة البناء والتشييد التي تعرفها الولاية في إطار المخططات التي ترصدها الدولة الجزائرية لها. ولأن الجدارية صارت من أهم الإبداعات الفنية التشكيلية خلال السنوات الأخيرة فقد قرر شريف دربال أن يخوض هذه التجربة إعتمادا على حسه الفني المتميز وموهبته في إستعمال الريشة والألوان تاركا العنان لمخيلته الواسعة وإتقانه لأسس الفن التشكلي الصحيح والأهم من ذلك هنا الفنان إختار أن يهدي الجزائر هذه الجدارية التي أسماها فردوس الشهداء تخليدا لروحهم وترحما على أراوحهم الطاهرة لتكون المفاجأة يوم تقديم هذا العمل الفني أمام الملأ الذي سيعرض ضمن مركب حضاري تاريخي يجري تجسيده حاليا بمنطقة »عين الصياح« بأعالي مدينة »ميلة« حتى يكون من أهم الشواهد الفنية والمعمارية المجسدة بهذه المنطقة التي شهدت العديد من المعارك الضاربة مع جيش الإحتلال الفرنسي ومن المنتظر أن يتم عرض هذه الجدارية مع بداية الشهر المقبل أي يوم 1 نوفمبر الذي يحتفل فيه الجزائريون بعيد ثورة التحرير وإنطلاق أول رصاصة تعلن عن بداية المقاومة المسحلة لينضم شريف دربال لقائمة التشكيليين الجزائريين الذين ولجوا فن الجداريات وتألقوا فيه بإحترافية تامة تنم عن إلمامهم بهذا النوع من الفنون التشكيلية ومعرفتهم التامة بالمقاييس الصحيحة الواجب إتباعها عند كل مرحلة من مراحل إنجاز جدارية معينة. وعليه فإن شريف دربال ليس التشكيلي الجزائري الوحيد الذي خاض هذه التجربة فقد سبقه عدد معين من الفنانين الذين برعوا في تنميق الجداريات بألوانهم وأفكارهم وكذا حسهم الفني الذي كان عاملا أساسيا في نجاحهم وإشتهار أعمالهم على غرار الفنان التشكيلي المعروف »الطاهر ومان« الذي أنجز مجموعة من الجداريات بمدخل جامعة الجزائر عام 1977 وأخرى ببعض القرى الفلاحية عبر الوطن كما رسم أيضا جدارية بسكرة عام 1980 وأخرى بالقليعة عام 1981 وغيرها من الجداريات الجميلة التي لا زالت شاهدة على إبداع هذا الفنان وتبقى القائمة طوييلة فيما يخص فناني الجزائري الذين أبدعوا في تصميم الجداريات التي تناولا فيها العديد من المواضيع والقضايا التاريخية والإجتماعية بطريقة فنية جميلة ومعتبرة في نفس الوقت. وما لا يمكن إنكاره هو أن فن الجداريات يعتبر من أصعب الفنون التشكيلية على الإطلاق كونه يحتاج إلى فنان محترف ومبدع بمعنى الكلمة قادر على إحتواء جميع أدوات الرسم بكل مقاييسه وألوانه حتى يمضي ببراعة عبر التاريخ والأدب ويلج عوالم الموسيقى والتراث بعد أن يستخدم إحساسه الفني الخاص الذي من شأنه أن يقوده نحو الإحترافية ويساهم بشكل أكبر في تحقيق النجاح المرتقب وليس هذا فحسب بل غالبا ما تحمل الجداريات العديد من الإيحاءات والإيماءات المتكررة للدلالة عن فكرة معينة أو مرحلة تاريخية محددة ليتكفل بعدها الفنان التشكيلي بتجديد طريقة التعبير عنها والكيفية الصحيحة لترجتمها وعرضها أمام المتأمل دون إدخاله في متاهات لا نهاية لها. وغالبا ما تكون الجدارية مرتبطة بالحضارة التاريخية لبلد ما مما يجعلها عملا توثيقيا يسترجع من خلاله الفنان أحداث الماضي والحاضر وتكهنات المستقبل طارحا بذلك تراث شعبه وتاريخه وموجها رسالة ثقافية وأخرى جمالية فلا يتوانى هذا الأخير عن الإستعمال المفرط للألوان بهدف التنميق والتجميل والإبداع في التراكيب والخامات التي تضفي المزيد من الجمال على الشوارع والأحياء وهو ما يجعل الجدارية من أهم الفنون المحببة لدى الكثير من التشكيليين العالميين الذين توجهوا نحوها بكثرة في الفترة الأخيرة بعد أن استغلوا مساحتها الواسعة وإرتفاعها الطويل لترجمة أفكارهم ومشاعرهم الفنية مع توظيف الكثير من الألوان والإيحاءات الموضوعية.