- عدد الكتب المترجمة إلى اللغة العربية من العهد العباسي إلى اليوم قرابة 10000 فقط ! انطلقت أمس بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران، فعاليات الندوة الدولية حول "الترجمة وممارساتها بين التكوين والتحيين". هذا النشاط الأكاديمي الهام، الذي نظمته وحدة البحث حول الترجمة والمصطلحية، كان فرصة لاستعراض آخر المقاربات والنظريات حول واقع الترجمة، والمشاكل التي تواجه المترجمين، آفاقها والرهانات المستقبلية التي تواجهها، وغيرها من الإشكاليات المرتبطة بهذا الموضوع، وأكد بالمناسبة الدكتور والكاتب السعيد بوطاجين في مداخلته، بعنوان "الترجمة في الجزائر الواقع والآفاق"، أن الترجمة في بلادنا تعد صورة مصغرة عن الحالة المتردية في العالم العربي برمته، مع تفاوت ضئيل بين البلدان المختلفة، مضيفا أن العرب في القرن التاسع الميلادي قدموا، ما لم تقدمه العصور اللاحقة، لاسيما في عهد الخليفة المأمون، الذي يمثل العصر الذهبي الذي أنشأ بيت الحكمة، مشيرا إلى أن حركة الترجمة تدهورت مع سقوط بغداد عام 1252 م ولم تنتعش، إلا مع حملة نابليون، ثم مع الاستعمار الأوروبي للبلدان العربية، حيث برزت ترجمات لهالات مكرسة عالميا، على غرار أعمال : "لافونتين، كورناي، راسين، هوغو، بودلير...إلخ، لتنشط الترجمة بعد الحرب العالمية الثانية... إسبانيا وهنغاريا نموذجان للاحتذاء وبلغة الأرقام كشف الأستاذ السعيد بوطاجين، أن اليونيسكو وفي دراسة أكدت أن عدد الكتب المترجمة إلى اللغة العربية، من العهد العباسي إلى اليوم قرابة 10000 كتاب، وهو العدد الذي تترجمه دولة إسبانيا سنويا، ما يعني أنها تترجم سنويا ما ترجمه العرب مجتمعين في مدة تقارب 1300 سنة، مبرزا أن ما نقل إلى العربية من قبل دور النشر ومراكز الترجمة ومختلف الهيئات لم يبلغ 3000 عنوان ما بين 2000 و2009، في الوقت الذي كان علينا ترجمة قرابة 1980000 عنوان، مشيرا إلى أن بلدا صغيرا بحجم هنغاريا الذي يبلغ عدد سكانه قراب العشر ملايين نسمة، ترجم في عشر سنين 5190 كتابا لكل مليون مواطن، أي قرابة 51900 كتاب في المدة نفسها، في حين يترجم الوطن العربي كله، وبعدد السكان الذي يقارب ال400 مليون نسمة، 44 كتابا للعدد نفسه وفي الفترة الزمنية نفسها، مششدا على أن الجزائر سوى نموذج مصغر من هذه البنية الكبرى، وأنه لا يوجد للأسف قانون خاص بالمترجم، وأن ثمة بلدان عربية تقدم للمترجمين أضعاف ما تقدمه المؤسسات الجزائرية ودور النشر العمومية والخاصة، حيث تقدم دور النشر الخاصة ما يعادل 3 أورو مقابل 200 كلمة، أو 320 علامة، في حين تقدم دور النشر الغربية والعربية ما قيمته 30 أورو، أي عشر مرات ما يتقاضاه المترجم في بلادنا، فضلا عن مشكلة تسويق الكتاب، حيث أن الكثير من الأعمال لا تصل إلى الكثير من المدن الجزائرية، ما يطرح مجددا مسألة التوزيع التي تعاني من مشاكل جمة، ليعرج بعدها إلى غياب مؤسسة جامعة ذات قوانين سيادية تجعل الترجمة مهنة كبقية المهن، ومن ثمة ضمان حقوق المترجمين التي تضيع في دور النشر، أو على مستوى وزارة الثقافة نفسها، دون أن ننسى عدم تخصيص دعم خاص بالترجمة من وزارة التعليم العالي، وزارة الثقافة، المجلس الأعلى للغة العربية، المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار...إلخ، مقدما بعض الأمثلة عن أهمية الدعم في تنشيط وتفعيل الترجمة في بلادنا. 1 بالمائة نسبة القراءة في بلادنا كما أبرز السعيد بوطاجين، في محاضرته أن أحد المطربين تقاضى في حفل واحد ما يكفي لترجمة 560 كتابا، وأن عشرة لاعبين تحصلوا على مكافآت سنوية كافية لترجمة 40000 كتاب. زيادة على مشكل المقروئية، حيث أن معدل القراءة في الجزائر لا يتجاوز 1 بالمائة، وهو ما دفع بعض الناشرين إلى ترجمة الكلاسيكيات الأوروبية التي تجاوزت ال50 سنة. موضحا أن الجزائر تترجم سنويا ما بين 20 إلى 30 كتابا أي بمعدل كتابين في الشهر، بخلاف إسبانيا التي تترجم 83333 كتاب شهريا أي بمعدل 27.39 كتابا يوميا. وفي سياق متصل نشط الأستاذ بوجمعة عزيري من المحافظة السامية للأمازيغية، محاضرة باللغة الأمازيغية بعنوان "المكافئ في الترجمة الأدبية : تصرف أم أمانة"، متناولا مفهوم التكافؤ الذي وضعه "الجانسينيون" عام 1347 للتوفيق بين الحرية المفرطة التي بلغت اوجها بالفرنسية في نصوص "الحسناوات الخائنات" والحرفية الممنهجة في الترجمة الدينية، مستعرضا انواع التكافؤ وإجراءاته على على كل مستويات العملية الترجمية. ليليه لعدها الدكتور فرانك مارميي من المركز الوطني للبحوث الاجتماعية من فرنسا، حيث قدم محاضرة حول تجربة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى العربية، مشيرا إلى أن ما يترجم اليوم هو التراث الشعبي معترفا بوجود نقص في ترجمة العلوم الاجتماعية. في حين تحدث الأستاذ بسباسي زكرياء، الباحث الدائم في وحدة الترجمة والمصطلحية من الجزائر، عن دور المدقق اللغوي في عملية الترجمة، فضلا عن محاضرة للأستاذة فايزة بوخلف من جامعة الشلف، حيث قدمت محاضرة حول تطور مفهوم الأمانة في نظرية الترجمة. الأمازيغية في افتتاح الملتقى من جهتها أكدت الأستاذة أقيس كلثومة مديرة وحدة البحث حول الترجمة والمصطلحية، التابع لكراسك وهران، في تصريح ل«الجمهورية" على هامش الندوة الدولية التي تختتم اليوم، أن النشاط العلمي الذي شارك فيه العديد من المختصين والأكاديميين، كان فرصة للاستفادة من خبرات الأساتذة المحاضرين، والبحث في أغوار الترجمة ونظرياتها وتحديد أطرها وتسليط الضوء على رهاناتها، مؤكدة أنه ولأول مرة تم إدراج الأمازيغية كلغة عمل في الندوة، وهذا لإبراز البعد الوطني والرسمي لهذه اللغة، من خلال نافذة البحث العلمي والأكاديمي وهو ما يتوافق مع التعديلات الأخيرة للدستور.