استمتع أو أمس جمهور المسرح الوطني محي الدين بشطارزي بالعاصمة بمسرحية "انتحار الرفيقة الميتة" لمسرح العلمة، وهو عرض بسيكودرامي من إخراج فوزي بن ابراهيم بني على مساءلة الحياة والموت والانتحار انطلاقا من الجنون ووصولا إليه. ووفقت المسرحية في خيارات الحكاية التي اقتبسها محمد عدلان بخوش عن رواية "فيرونيكا تقرر أن لا تموت" للكاتب البرازيلي باولو كويلو، بالاستناد على خصوصيات ونماذج جزائرية، حيث تحكي عن حالة جنون جماعي،و تدور أحداثها في مصحة عقلية، هي في الحقيقة مخزن بضائع تم تحويله من قبل الجيش إلى مصحة استجابة لحكم قضائي من أجل رعاية عسكري سابق. وأسقط المخرج الجنون الموجود في النص على الحالات الجزائرية، حيث قدم شخصية المحامية المجنونة التي هي إحدى نزيلات المصحة المخزن و السبب في صدور حكم إنشاء المكان، فبعد أن جن رفيقها العسكري وتخلى عنه الجيش اضطرت لمقاضاتهم، ثم النزول معه، ليصبح الجنون خيارا وليس إجبارا بالنسبة لها. إلى جانب شخصية رفيقة عمود العرض و التي نجحت في تقمص دور فتاة تقبل على الانتحار، ثم فشلت في الخروج منه ما جعلها تعيش في المصحة، أين تجد عزاءها في " بودا " الصامت الذي سينطق في النهاية بسببها. يضع العرض جمهوره أمام أسئلة الجنون والموت والحياة، ويقدم مفارقاته بالاستعانة بمستويات عدة من الخطاب، فالممثلون يتحدثون لغة الجسد والإيحاء، والفصحى والعامية، بالموازاة مع خطاب موسيقي مرافق، وقد قدم الموسيقي عبد القادر صوفي مزيجا محليا أصيلا من المواويل الشاوية التي رافقت الموسيقى والتي انسجمت مع الأداء والتوجه،ووفق السينوغراف حمزة جاب الله في اختيار الديكور الذي بنى على بقايا المستودعات من صناديق وحاملات خشبية تم تكييفها لتصير أثاث المصحة، واستطاعت الإضاءة أن تجاري العرض وتحولاته من خلال التوزيع والتوجيه الجيد، كما اختيرت الألبسة البسيطة والمعبرة عن كلّ شخصية.