لا يمكن فهم الطقوس الاحتفالية للجماعة التواتية، بمعزل عن السياق التاريخي، الذي نشأت فيه، وكذا الظروف المصاحبة للتشكيل، فقد فرض منطق العزلة، والأقلية، وكذا مكوّن التركيبة الاثنية والقَبَلية، لهذه الجماعة التواتية، أن تجد أطرا، تتوافق مع كينونتها ووجودها، فصاغت لأيام محنها، كغزو الجراد، والغارات، والأوبئة، طقوسيات تضميدية، كما ابتدعت لأيام فرجتها وبهجتها، احتفاليات؛ منها احتفالية المولد النبوي الشريف وأسبوعه، بعرش أولاد السي حمو بلحاج نواحي توات الوسطى. لقد ظلت القصور التواتية مدة طويلة بعد عمارتها وتأسيسها، يسودها عدم التنظيم، الأمر الذي أوجد حاجة ماسة لضبط هذا التيه، الذي فرضته طبيعة جغرافيا الهامش، والتركة الثقيلة، المتوارثة عن المراحل المتعاقبة، الخاصة بانكسارات الضعف، وخيبات النهب المكرّس عليها، من لدن بعض القبائل المفترسة، لغللها وثمرات واحاتها الموسمية، مما أوجد حميمية، لولاء الشرفاء بهده الناحية، فكان لأولاد السي حمو بلحاج، خصائص الكاريزما القيادية، لتأسيس العرش، أو ما يعرف محليا بمصطلح (الضيفة)، فتشكّل العرش على مسار خط الجريد بتوات الوسطى، ابتداء من قصر مكيد شمالا، حتى قصر أظوى جنوبا. من منظور الإطار الجغرافي والمكاني لهذه الاحتفالات، نخلص إلى نتيجة مبدئية، مفادها أن القصور الثلاثة، المشكّلة لتمظهرات هذه الاحتفاليات، وهي قصور بوعلي، وأغرماملال، وزاوية كنتة؛ تمثل مراتع وتمركز شرفاء أولاد السي حمو بلحاج بالجهة المعنية، وفي ضوء القراءة المنطقية لسيرورة الحدث الزماني، نستشف أن الاحتفال بدأ أولا بقصر بوعلي، بحكم وجود شرفاء أولاد مولاي الشريف، وتلاه اليوم الثاني بقصر أغرماملال، حيث يوجد أبناء عمومتهم أولاد مولاي أحمد وصنوه مولاي المامون، لتأتي التراتبية الزمنية، لاحتفالية أسبوع المولد النبوي، بزاوية كنتة، عند بني عمومتهم أولاد مولاي علي بلحاج؛ غير أن سلطة المركز لدى أولاد مولاي علي بلحاج بزاوية كنتة، جعلت الاحتفالية عندهم، أوسع نطاقا من قصري بوعلي وأغرماملال، بحكم عدد حلق البارود، فبقصري بوعلي وأغرماملال، نجد أن حلق البارود تتقلّص، لتشمل من قصر أظوى حتى زاوية كنتة فقط، بينما احتفالية الأسبوع النبوي بقصر زاوية كنتة، تتسع وتمتد لتشمل كل قصور العرش، من مكيد حتى أظوى. بيد أن الروايات الشفوية، المحفوظة بالذاكرة الشعبية للمنطقة التواتية، تفيد أن والد مولاي الشريف البوعلاوي الباحموحاجي، كان رجلا زاهدا، مداوما على حضور ختمة البخاري، بمجلس الشيخ الزجلاوي (قصر زاجلو)، وقد رأى هذا الأخير، رؤية خلال هذه الزيارة، تأسست على أثرها، احتفالية المولد النبوي الشريف بقصر بوعلي، مما يعني أن الاحتفال بالمولد النبوي، بدأ بعرش أولاد السي حمو بلحاج، خلال القرن الثاني عشر الهجري. تبدأ طقوس الاحتفال بقصر بوعلي صبيحة المولد النبوي، حيث يصعد زمّار بوعلي لضريح الشيخ المغيلي، بغرض جلب راية المغيلي، ومنها يعود لبوعلي ثانية، حيث يقوم هناك بطقوس إخراج الرايات الثلاث من دار أولاد مولاي الشريف، لتقوم حلقة بارود بوعلي وزاوية كنتة، بحلقة السكّاتي، ومنها تخرج الأعلام وسط أهازيج الزمّار لمنطقة تسمى (السوق)، فتأتي أعلام ورايات أبناء عمومتهم، شرفاء قصر أغرماملال، ليتحد الجمع في الصعود شرقا لأعلى قصر بوعلي، فتقام هناك طقوس (الصّف)، حيث يصطف الراقصون باتجاه الجنوب، في وضعية إشهار أسلحتهم، ليقوموا بإطلاق البارود، ومنه يتوغلون في الصعود، للساحة الكبرى، فوق قصر البرامكة، عندها تجرى طقوس (برزانة)، فيعشّق فيها المعشّق الحامل للراية، بقوله (العاشقين في النبي، زيدوا بالصلاة عليه)، ليرد عليه الراقصون (أو الصلاة والسلام عليك يا رسول الله)، بعدها يبدأ الزمار في أهازيجه الخاصة ببرزانة، فتتحلّق حلق البارود لكل قصر. أما بالنسبة لاحتفالية الأسبوع النبوي بزاوية كنتة، فيشير الباحث الأكاديمي مولاي عبدالله سماعيلي، في إحدى محاضراته، أنه لما تولى مولاي السي محمد المهدي، قيادة عرش أولاد السي حمو بلحاج، وتسلّم راية الطرّادة من قبيلة كنتة الرقاقدة، وهذه الراية تعتبر دعما لوجيستيكيا، بحكم ما كان لهذه الراية من رمزبات إصلاحية، في فض النزاعات السابقة بين قبائل المنطقة، وبتسلمه لهذا الرمز، بدأت احتفالية أسبوع المولد النبوي الشريف بقصر زاوية كنتة، كما أن هذه الاحتفالية، شهدت تنظيما وتوسعا، في عهد حفيده مولاي إسماعيل، وذلك بإرسال الرسائل الرسمية من كبير الشرفاء، لجماعة قصور العرش، حسب نفس المصدر المذكور. وإن كانت جل الطقوس الاحتفالية بزاوية كنتة، تتشابه في الاستعراض مع قصري بوعلي وأغرماملال؛ كبرزانة، وما يصحبها من تحليق للفرق؛ غير أن هناك خصوصية معتبرة لكل ناحية، ويتجلى ذلك في الرايات ورمزيات أصحابها، وكذا خصوصية راية الطرّادة المذكورة آنفا، فضلا عن الأمكنة الخاصة بكل قصر، جدير بالذكر، أن مدينتي تيميمون وبني عباس، تشهد هي الأخرى، احتفاليات للمولد النبوي الشريف وأسبوعه.