" غربة العظيم في زمن البراغيث !" ''هل تنتمي الى عالمنا بعد ...؟!أبدا لن يهرب بعد الآن حلمنا بك ... أبداً لن تهرب الأمنيات و تظل تتهاوى و تغمض عينيها ناشدة الراحة لروحك و لشلالات العطاء التي نحتتْ في تاريخ الرواية اسمًا لكَ و وقعتَ لوجه المشرق حرفاً بكل فخرٍ ''كُتِبَ في سوريا '' ... من منا لا يعرف الكاتب السوري الكبير '' حنا مينة '' و من منا لم يتعلق بدفء كتاباته و كانه رجل يجلس طويلا حين يكتب في دخان قهوة كثيفة المذاق , من منا لا يحنّ لتلك الدراما السورية الدافئة التي جسدت جل أعمله قبل عشرات السنين و هو كلما استنطق الحروف أهداها الى البحر ... ترى ما سر هذا الامتداد الغريب للبحر في دواخله التي لم تشخ بعد و هو يجاوز التسعين عاما من الخبرة و الشقاء معا ... أقرأ هذه الأيام بدقة رهيبة '' وصية كاتب شبع من الحياة , ينتظر الموت في زاوية غرفة هادئة و منسية و يعيد تصفيف سنين عمره كخصلات صبرٍ طويل و يمشط حواف ذاكرته علّه يجد انتماءً لهذا الانسان الذي يعمّر الأرض محض صدفةٍ غير آبهة بالبقاء ... الوصية الشهيرة التي كتبها منذ عام 2008 و اعترف فيها بهزائمه و انقساماته و راجع بعض محطاته و قناعاته و فصامه و هروبه و لم يدافع فيها عن نفسه سوى بدمٍ بارد '' كثلجٍ يأتي من النافذة '' حين قتلته الاشاعات و تناقلتْ أخبار موته الصحائف و هو ما يزال على قيد الحياة , شعرتُ بأنامله المجعدة و ملمس لحيته المسّنة التي تفوح عطراً كحزمة أعياد و صلوات , يتمسكُ قلبه بزنار الايمان و مسابح المحبة و أنوار العراء النبيل و هو الكاتب الذي لم يتردد يوما في الإعلان عن شيوعيته قبل هذا ...! ، و أبهرني الحاحه الشديد أيضا على ألا تتناول خبر وفاته الحقيقية أية وسيلة اعلام لأنه رجل بسيط و نهاية عمره ملك له وحده ، لله ولأقربائه ... "حنا مينة "، و بعد كل هذه السنون ما زال يبحث عن عائلته الحقيقية التي يمثلها '' الانسان'' بكل أطيافه و اديانه و ألوانه و معتقداته , هو القلب الذي يشتهي الحياة و يواجه الشقاء في عمق الشقاء و يسعد كثيرا لأنه ينتمي الى الأشقياء و ان ريشته لم تكتب يوما غير عنهم و لهم ... وصية العم حنا لا يمكن لها أن تنم على شيء أكثر من عظمة هذا الرجل الكاره لزيف الشهرة منذ زمن بعيد ،جعلتني أقف متأملة أمامها كلوحة غابرة و كأنه البطل الحبري لروايته " نهاية رجل شجاع" و كأنه شعلة " مصابيح زرقٍ" تتحرك في سكون التيه و الوله و كأنه رصيف قديم مهجور في " المرفأ البعيد " و كأنه شراعٌ عتيق يتشبثُ بريعان الأمل الهادئ في عاصفة تأخذ ريحها جمال هذه الأرض و تشامس في شموخها الجَلَد َ... يبتسم في وجه هذه الحياة، و هو نصف مجنون حيناً بها و ثائرٌ في وجهها حينًا آخرًا ... يستشعر بحرارة الحنين حارته الدمشقية و تستهويه الدروب المظلمة و الأجراس و المآذن التي تشق رماد الحرب بثبات أبدي ّ في هذا الزمن الذي يصفه بأنه " غير مسطور في كتب التاريخ بعد ...!"