.. اسمي شهرزاد ... هكذا عرفت بنفسها, بعد صمت سبق الإجابة عن سؤال متداول و معروفة نتائجه مسبقا ً في جامعة تتحرك فيها الأنوثة و الذكورة لتلتقيا عند مرافئ اللذات غير المشروعة في الغالب، غير مكترثة لصرخات طهر المكان وقدسيته، و ثقة عائلات وضعتها في المرسلين هنا، ليعودوا إليها محملين دون علمها بأوزار فتنة اجتماعية جنسية ما روعيت فيها الوصايا و لا التحذيرات. صمتها كان ينيب عنها في الإجابة دائما ً، مكتفية في الغالب بإبداء ابتسامة ٍ كإعلان للموافقة أو حيرة ٍ في تينك العينين الخضراوين كإبلاغ بالرفض لموقف ٍ بعينه، الصمت حماية لها عندما تضطرب المواقف و يتحرك طلبة الجامعة لرفض عام غير مبرر ٍ و لا مقبول منتهين إلى الإضراب ، معتبرين أن تلك بداية الحرية و نهايتها..عندها تقف مشاهدة لما يحدث و شاهدة عليه ، مسندة ً ظهرها إلى جدار المدخل الجامعي، أو إلى المدفأة في الداخل حين يحل الشتاء . كانت في حاجة ٍ لدفء القرابة الدموية، مع أنها لم تحرم منها، و كان مثلها في حاجة ٍ إليها، وهو أيضا ً لم يحرم منها، و التقيا عند ربوة تلك القرابة ، الحاضرة الغائبة ذات الأفق البعيد، حيث غدا اللقاء مبررا ً في نظر الآخرين ، فنسبت إليه و نسب إليها ، و كذلك اعتقدا, وصدق الوعد بينهما إلى حين ٍ من الوقت، و تحول ذلك التهجين أو الاستنساخ إلى حقيقة ، وطرحت الأسئلة تلو الأخرى من الطلبة، ثم عادوا بعدها محملين بهموم أكبر، فالشبه يقول أنها ليست أخته، لكن شرعية العلاقة ووضوحها تؤكدان ذلك، و انتهت معظم الآراء إلى اعتبارها أخت غير شقيقة, و لم يكن العربي و لا شهرزاد بعيدين عن تلك الآراء التي تحولت إلى حقائق يومية تجلد بأسواط الرفض، أولئك المقتربين منها ، وما أكثرهم ! لم يلجا في طغيانهما يعمهان في تلك العلاقة الواضحة و إنما وظفاها إلى حيث الخير, و إذ كل منهما يحس بالمسؤولية تجاه الخير، إن غاب عنها أو غابت عنه أحسا باهتزاز الأرض مع ثباتها و غيم السماء مع صحوها ، و تغير لمن حولهم مع أنهم ثابتون في الحركة ، و ما كانت تنطق عن هوى حين تراجعها أسئلة العربي أو حين يفرض عليها الآخرون الحديث. منذ الوهلة الأولى وعند ولادة الذات إجابة لسؤال الآخر و اكتشاف المعرفة ، بدت العلاقة بينهما ذاهبة إلى حيث لا يعلمان ، فقد كانت أكبر منهما ، و قد ظلت هي في صمتها و هو في نطقه ، يسبحان في أمواج الجامعة المتلاطمة باحثين عن مرفأ أمان ، ليكونان عند المنتهى موقف احتجاج عن وضع وطني أو قومي. عين العربي.. ودفء حياته علاقة راسخة لكنها متناقضة لجهة التعبير عنها ، فصمتها يفرحه لأن يعبر عن امرأة ناضجة في نظره ، و صخبه يفرحها لأنه يعبر عن مكونات ذاتها ، فالتحدي من سماتها ، لكنها لا تعلن عنه لأنها ترى الوقت غير مناسب و تلك طبيعتها منذ الصغر ، دقيقة في اجتياز الأزمنة واختيارها، و معها تخرج ما في الصدر حين تأتي الفرصة ، لكنها ليست سباقة لذلك ، لأن الآخر سيصل و إن طال الوقت إلى ما تودّه فلماذا البوح أو إتاحة فرصة ٍ لتغيير الاتجاه؟! في الأيام الأولى تعذر على العربي معرفة اتجاه الريح عندها ، و مع الأيام أدرك رهافة حسها و عشقها للجمال حسب مواصفاتها الخاصة ، و تعودت هي على غضبه السريع ، وأفكاره الجريئة و ازداد تعلقا ً بها حين ميزها في علاقة مقارنة ببنات الجامعة عبر مجال طهر و نقاء و قدسية ، و غيرها مشاع و سقط متاع ,إن تمكن منهن ما ترك فرصة للأيام الخوالي في تلك الحضارة الراقية و الزاهية لعلاقة الأمراء بالجواري في الدولة العباسية . كانت طالبات الجامعة قد أعدت لها من مكرهن أسئلة تلو الأخرى لمعرفة علاقة ٍ بدت مشبوهة ً لهن ، و كانت تأتي بالإجابة لكل واحدة ً منهن حسب وضعها الطبقي و الثقافي والجامعي ، و تستدعيه بين الحين و الآخر ليخرج عليهن ، فما إن يرينه حتى يكتشفن بعد طول جهد ٍ واهتما م أنها أخته حقا ً . و بالمقابل كان العربي يسأل في اليوم عشرات المرات و يرد غاضبا ً و بحزم ٍ عن أسئلة ٍ لا يراها بريئة ، و يدعو من استطاع أو كان جاء لخطبتها منه ، محذرا ً في نفس الوقت من الاقتراب منها لأي سبب ، و كان خوف الآخرين منه ، ليس لقوته و إنما لأفكاره يحول دون إعادة الكرة ، و انتهت الأمور بعد سنة من الأخذ و الرد إلى تثبيت وضع ٍ بعينه . شهرزاد ، عين العربي التي يرى بها ما يدور في مدرجات كلية الحقوق من طرف الدكتور زهير "العراقي "، و يسري " المصري " و عن طريق صديقاتها يعرف نشاط الدكتور حسن ، و هو في ذلك صاحب هدف ٍ نبيل ، فعروبته الطاغية و الغارقة في التحذير الأول من بده عيشوش جعلته يتقصى أخبار كل الأساتذة الشرقيين ، و لاعتقاده الراسخ بحقه في البحث ، كان يستبيح كل كليات الجامعة بحثا ً عن مواقف الأساتذة جزائريينً كانوا أم عربا ً ؟ و لطالما سألته شهرزاد : من يراك و أنت تتبع أخبار أساتذة الجامعة يعتقد أنك رجل أمن ، و بما أنني أعرف كرهك لرجاله و العاملين في مجاله ، فهل لي أن أعرف الهدف ؟ يضحك من سؤالها غير البريء ، ثم يعلق قائلا ً : إنني مؤرق بعروبتي ، لذلك أبحث عن الأجدى و الأولى اتباعا ً . لكن ليس لدرجة الهوس و التغيب عن المحاضرات . الدنيا يا عزيزتي في كل أمورها تأخذ غلابا ً ، و ليس اختيار العروبة -و أنا أتحدث عنها ليس انتسابا ً عرقيا ً و إنما ثقافة ً و فكرا- ً بالأمر السهل . تستمع شهرزاد لحديثه العذب ، و يسعد هو كثيرا ً من أسئلتها الملتهبة شوقا ً لمعرفة المزيد ، و حين يفترقان في المساء كل إلى حيه الجامعي ، و إلى غايته من الدنيا ، يظل الآخر حاضرا ً في فكره و تصرفاته على أمل اللقاء في اليوم التالي .. و حين يحل الصباح ، يفتح العربي عينيه على صورتها وعلى صوتها و على بسمتها ، فتبدو له الحياة مشرقة ، زاهية ، و ما كان يعرف عنها شيئا ً عندما يحل الظلام أو عندما يشرق يوم جديد .. و إن كان يراها عند بزوغ الشمس في تلك الربوة العالية حيث تقيم جامعة قسنطينة في امتدادها ، تتراءى للناظر من بعيد ، علامة مميزة لمدينة العلم و العلماء ، شمس أخرى ، دافئة حنونة ، تنافس في زرع الدفء , الدفء ذاته ، فيذهب برد الشتاء دون رجعة و يزول صقيع النفس ، و تذوب ثلوج قسنطينة ، التي تتساقط وتتراكم لأيام ، أحيانا ً تطول ، و تغطيها فتبد و بيضاء من غير سوء لا ينقصها سوى الإسكيمو و سكان القطب الشمالي . لقيط فلسطيني ..أم لقيط زنجي؟ لا ينازعه في أمرها منازع ، و لو فعل لعاد خاسئا ً مدحورا ً ، و عند النقاش ينتهي كمن على رأسه الطير ، تلك حال دائمة في علاقة مستقرة لا تكشف عما وراءها لهما أو للمتربصين بهما، أمثال سعيد الفلسطيني،الذي أزعج شهرزاد عدة مرات . " سعيد " طالب ً فلسطيني ً ينتمي إلى الجبهة الشعبية، يعتقد أن الحرية في جامعة قسنطينة لا حدود لها، الأصل فيها الإباحة ، و أصبح ذلك شعورا ًعاما ً بين الطلبة الأجانب و ليس الفلسطينيين فقط, تحول مع الأيام إلى مقولة " هذه البلاد نساؤها لعب " ، مع أنها لم تكن مع من غلب ، و لا يجمع أهلها الطرب ، غير أن رد مذموما ً مدحورا ً حين أبلغت شهرزاد أخاها " العربي " بتربصه بها عند المجيء إلى الجامعة أو العودة منها . لقد قبلت أخطاء و زلات و فساد الطلبة الفلسطينيين في جامعة قسنطينة لنبل القضية ولجاذبية تميزوا بها ، و لجمال بعضهم الأخاذ ، حتى ذلك التصادم بين طلبة الجبهتين الشعبية و الديموقراطية والذي ينتهي أحيانا ً إلى الضرب بالسكاكين كان ينتهي بعد تدخل جزائري إلى اعتباره فوران جماعات ثورية أرقتها الغربة و أبعدتها قرارات العرب عن موقع العمليات . المال زينة الحياة الدنيا ، و تلك الأموال التي يحصل عليها الطلبة الفلسطينيون من منظمة التحرير الفلسطينية ، و من وزارة التعليم العالي الجزائري كانت زينة ً أيضا ً و تفاخر بالمعاصي ، حتى اعتبرهم البعض يهودا ً أو عملاء لإسرائيل ، و نسجت حولهم أساطير القرون الأولى ، تجاوزت في وصف أفعالهم تلك الليالي الحمراء في كل كازينوهات العالم . قلة منهم فقط تميزت بنقاء الثورات و صفاء القضية أعطت وجها ً مشتركا ً لقضية عادلة , اختصرت في الطالب " عطا " القادم من غزة ذو الميول الإسلامية ، و الذي من أن يراه المرء حتى يتخيل وجه "أمين الحسيني" مناديا ً للعرب أن دعمونا بالسلاح فقط دون الرجال .. و اتركونا نطبق مقولة "طارق بن زياد" البحر من ورائنا و العدو أمامنا . " عطا " عطية الله في الكون ، لقد ألهمه تقوى النفس ، فترك للطلبة الفلسطينيين الآخرين فجور الأنفس و تطاحن الأفكار و صنم التنظيمات . اختلط العربي بالطلبة الفلسطينيين ، حتى أنه تولى الدفاع عنهم حين رجموا بالغيب ، ثم توجوا ذلك بأفعالهم الدنيئة ، فما أنكروها، قائلا ً: إذا كان قرارنا هو مواجهة الفساد الأخلاقي فليشمل الجميع بما في ذلك الطلبة الأفارقة . و يأتي الرد سريعا من طالب ٍ داعية ٍ : لكن الطلبة الأفارقة لم يعلنوا فسادهم . و يسخر العربي من هذا القول : أن الاختيار بين لقيط ذو ملامح فلسطينية وبين لقيط زنجي ، سيكون للأول بلا ريب . ينزعج الطلبة الإسلاميون ، و يسحبون داعيتهم المفوه ، و الأحاديث تجول بينهم : دعك منه .. إنه زنديق مثلهم مع أنه يصلي معنا ، و يختلفون إن كان يعول عليه خيرا ً لصلاته ، أو يخاف من شره لنفاقه ، و لعلاقته المزعومة بأجهزة الأمن ، التي يروها هم دون غيرهم . ما كان النقد اليومي ، المتميز بالقصف قولا ً من الطلبة الجزائريين الإسلاميين، و بالفعل من الطلبة الفلسطينيين ، جد أذانا ًَ صاغية عند الطلبة أو الأساتذة الشيوعيين، لأن العلاقات القائمة بين إناث الجزائر و ذكور فلسطين ، تكتسي طابعا ً خاصا ً .. إنها حريات شخصية تلزم صاحبتها فقط ، غير أنه مع الأيام تحركت فيهم رغبة الانتقام من ذلك الرفض الفلسطيني لاقتراب الجزائريين أو إقامة علاقة مع الطالبات الفلسطينيات، و لذلك تحولت العلاقة المتميزة بين جماعات فلسطينية و جزائرية تنتمي لتيار واحد إلى بأس شديد ، انتهى إلى الضرب المتبادل ، تدخلت فيه الإدارة أو الأجهزة الأمنية ، و بذلك انتهى عهد الفساد الفلسطيني . أبصرت شهرزاد رفقة " العربي " عن كثب, ذلك الاختصار اللامنطقي لزمن العلم في جامعة أنشئت من أجل تنوير العقول و تهذيب الأنفس، و سمعت منه بأساطير الفلسطينيين و قصصهم و مغامراتهم و غزواتهم بعيدا ً عن فلسطين ، و كانت تقف ضده في مواقفه ، و تلتقي مع الطلبة الإسلاميين - الذين كانوا يكرهوننا بسبب علاقتها بالعربي،- في رفض الفساد , و حين يبرر لها أن القضية الفلسطينية أكبر من أن تنسب لهؤلاء، ترد : أبناء الثورات يجب أن يكونوا أقرب إلى الملائكة و يرد مبررا ً أفعالهم ، التي يرفضها داخل نفسه: هم بشر ، تؤثر فيهم الغربة والسن والاختلاط و الحرية . كل تلك الأسباب لا تبرر ما يقومون به ، كيف تعذرهم و كثيرين ناصروهم ثم تخلوا عنهم وبعضهم رسب لسنوات بسبب مطاردة البنات ؟! . لا يأخذ النقاش حول أفعال الطلبة الفلسطينيين وقتا ً طويلا ً بينهما ، لأن شهرزاد تسعى لمعرفة مختلف التيارات دون أن تقترب منها، أما العربي ، فقد كان يكف عن الحديث لما يملكه من معطيات تخص مواقف الطلبة الفلسطينيين، و التي يعلنها بعضهم صراحة ً مختصرة في قول مروان : لا ندري لماذا ينتقدنا الطلبة و الأساتذة الجزائريين مع أن جامعة قسنطينة " تكفينا و تكفيكم " ؟! ماذا تعني يا مروان ؟ أقصد أن جامعة قسنطينة ، فيها من الطالبات ما يكفي الجميع و يفيض ، و لذلك لا داعي لمنعنا مما نقوم به . يرى العربي أن لا جدوى من هذا النقاش ، لكنه حين يبتعد من مروان الذي يناديه فلا يرد ، يعيد عبارته " تكفينا و تكفيكم " هاهي تعود إلى نشأتها الأولى ، منذ عشر سنوات ، حين كانت بداية التحذير من المصريين ، من قائلها " بده عيشوش " و يتساءل العربي : - أيكون الفلسطينيون على علاقة ببده عيشوش أم هو منظرهم أم هم أمثال المصريين ؟ ويواصل البحث عن الإجابة في عهد ٍ يعبر سريعا ً فيه من الأحداث الكبرى ما يجعل القضايا الصغرى مسائل ثانوية . عبد الناصر.. قاتل ، مهزوم ، خائن الحضور الفلسطيني بالمئات في جامعة قسنطينة ، لا ينفي الوجود العربي و إن كان على درجة قليلة ، فهناك طلبة عراقيين لا يتجاوز عددهم العشرة ، و مصريين أبناء الأساتذة العاملين في الجزائر في حدود الثلاثين طالبا ً ، و سوريين لا يفوق عددهم العشرين ، و يمنيين و توانسة ، و قوميات أخرى كثيرة غير عربية . و مثل كل الجامعات الجزائرية احتوت جامعة قسنطينة التي تجاوز عدد الطلبة فيها في ذلك الوقت الخمسين ألف طالب على أفكار و آراء ، جاءت صرخات ٍ للمظلومين ، أو دفاعا ً عن أنظمة حكم بعينها و أيديولوجيات كبرى ، لكن هذا لم يحل دون التزام البعض الصمت خوفا ً من عيون الحكومات التي تترقب حركة الطلبة . و لم يجد الأساتذة المشارقة الفرصة أمامهم لزرع أفكارهم ، فمنه من زادته إيمانا ً باختياره الأيديولوجي ، و منهم من ضل السبيل حين اكتشف أجواء حرية مختلفة عما كانوا فيه ، غير أن أغلبهم تفادى إعلان مواقفه السياسية ، حتى المغضوب عليهم أو المطاردين التزموا الصمت أو تأييد أنظمة ساءتهم سوء العذاب ، و طاردتهم داخل بلادهم ، و مع أن الأساتذة المصريين لم يكونوا معارضين في الغالب مع أنهم يحملون رؤى لا تتطابق مع توجهات الحكم في تلك المرحلة ، إلا أنهم ساهموا بشكل ٍ مباشر في توجيه كثير ٍ من الطلبة . فالدكتور " عسكر " أستاذ الرياضيات ، كان يوزع عن الطلبة كتبا ً حول الاستراتيجية العسكرية لحرب الاستنزاف ، و منهم " العربي " الذي أدرك محاولات أستاذه الجادة للتأثير فيه للاندفاع باتجاه الناصرية ، و مع أن العربي كان يحب " عبد الناصر " ، إلا أنه كان غير مؤمن باختصار القومية العربية في شخص , حتى لو كان قائدا أو زعيما ، و مع هذا كان يصغي إليه حين يجلسان معا ً أو عندما تحضر شهرزاد . ما كان الدكتور " عسكر " على علم بأخوة العربي لشهرزاد ، لذلك كان يوصيها بقوله : - عليك أن تحافظي عنه فهو خبر معين على الطريق تبتسم شهرزاد فتزيد المكان جمالا ً أو تزيل عنه القبح إذا كان بعض من حولهم قد ملأوا المكان ، أو توسعه إذا كان ضيقا ، و لا تقلق لما يقوله الدكتور " عسكر " ، و تواصل استماعها لتاريخ حرب الاستنزاف المجيدة . لكنها بالنسبة للقاءات العربي بالدكتور محمد أستاذ الجيولوجيا فقد عرفتها من نقل العربي لتلتك الأحاديث القومية ، مكتفية ، راضية ً بما يعود به ، مقتنعة ً بأنه أكثر بلاغة ًفي اللغة ، بعيدا ً عن لحن القول ، و أصدق في النقل , وأقدر على التأثير . تلك التوجهات الناصرية ذات المناهج المختلفة ، كانت تقابل برفض من معظم الطلبة الجزائريين إلا أولئك القادمين من الجنوب الجزائري لانتمائهم العربي المعلن ، فالشيوعيون ضدها لأنها تحول دون الفكر الأممي، و الإسلاميون يرون فيها عصبية و دعوة للجاهلية الأولى ، و الوطنيون يرون فيها تجاوزاً لمكانة الجزائر و دورها ، أما البربر ، فهي بالنسبة لهم استعمار عربي ، و يرى فيها الفرنكفويون استعمار من المتخلفين , حتى أنهم يقولون : - بدل الذهاب إلى رمال الصحراء و الغرق فيها ، لما لا نقطع البحر الأبيض المتوسط لنصل في زمن ٍ وجيز إلى أوروبا؟!. قلة من الطلبة و الأساتذة الجزائريين مستعدة لسماع أطروحات و آراء الأساتذة المصريين ، أما الغالبية فهي ضد القبول بتلك الآراء من ناحية التطبيق ، لكنها على استعداد أن تتجاوز ، و تفند و تقبل ، باستثناء الطلبة الإسلاميين ، و أغلبهم بوعي أو بدونه ينتمون إلى الإخوان المسلمين ، يرفضون النقاش أو حتى ذكر القومية في شقها الناصري . ما كان العربي يسلم برفض الإسلاميين المطلق ، و كانوا يردون عنه بعنف : أن عبد الناصر الذي تتحدث عنه مجرم ، قاتل ، مهزوم ، خائن ! و يرد بغضب : هذا حكم مطلق و غير مبرر فينبري حسين للإجابة : عبد الناصر أعدم سيد قطب ، فهو قاتل ، و هزم في حرب 1967 و جر الأمة معه إلى العار ، و خائن لأنه كان صديق الاتحاد السوفيتي .. الدولة الشيوعية الملحدة . أنتم تتحدثون عن أمور نجهلها ، نقلت إليكم و لسنا طرفا ً فيها لا نحن طرف فيها ، و اقرأ ما كتبه الباحثون عن سيد قطب لتعرف الحقيقة سيد قطب.. والعفيف الأخضر لأول مرة يسمع العربي باسم " سيد قطب "، و يعكف على قراءة كتبه ، بعد أن كان يطالع كتاب العفيف الأخضر ، و النزعات المادية للفلسفة العربية الإسلامية ل"حسين مروة" ، وتحليل الذات العربية لعلي زيعور، و بجانب هذا روايات كوليت الخوري وغادة السمان و عبدالحميد بن هدوقة و الطاهر وطار . قراءة العربي لم يكن هدفها المعرفة، إنما لرد على الإسلاميين، و لمعرفة الثغرات في فكرهم، و أصبح حجة في حديث الثلاثاء للإمام حسن البنا و معالم في الطريق لسيد قطب ، وكذلك شهرزاد لما كان ينقل إليها من مطالعاته المتواصلة بالليل و النهار ، و كثيرا ً ما كان النقاش ينتهي لصالحه على مستوى شرح ما جاء في تلك الكتب ، لكن بالنسبة للعمل يكون في الغالب لصالح الطلبة الإسلاميين ، فهم متلزمون بالعبادة و منضمين لجماعة منظمة ، لها أهدافها و مواقفها من كل ما يحدث في الجامعة . يقترب العربي منهم عبادة يحكم انتمائه المبكر للمسجد و حفظه لبعض سور القرآن العظيم، فيحسبونه واحد منهم ، و يدعونه إلى التحاق بركبهم و يبتعد عنهم موقفا ً حين يناصر الشيوعيين، و يشارك معهم في تلك الزيارات المدنية للأرياف و القوى، من أجل التفاعل ميدانيا مع الفلاحين فيما عرف في ذلك الوقت بالتطوع، أو حين يلعنون إضرابهم من أجل تحسين الأكل في المطاعم الجامعية ، أما شهرزاد فما كانت تقترب من هؤلاء و هؤلاء .. حذرة ً دائما ً ، غير مستعجلة في إصدار حكم أو المشاركة في تجمع ، بعيدة عن حماس اللحظات المؤثرة تاركة ً أمرها للعقل وحده ، و لهذا ظلت بالنسبة لهم لغزا ً محيرا ً . كيف للطلبة الإخوانجية – الإخوان المسلمين - أو للباكس الشيوعيين- أن يتعاونوا مع العربي ؟ و لماذا لا يثقون فيه ؟ و بعضهم يقول : أنهم يخافونه ؟ هذه الأسئلة تردد كل يوم ٍ في الجامعة ، و تأتي الإجابة مختصرة في القول المريح و الجاهز كل حين لدى كثيرين : إنه يشتغل في الأمن ! التحدي الذي ميز العربي في مواقفه المتباينة كان ملفتا ً للنظر ، فتارة هو إسلامي حتى النخاع ، و تارة أخرى هو شيوعي ، و مرة ثالثة هو رافض للجميع ، ورابعة مكونا ً لجماعة توزع المنشورات في الجامعة ليلا ً ، لتختفي نهارا ً ، تعتمد عناصرها عن القوة و الرّدع ، لا يعرف بعضهم بعضا ً، و لا يعرف العربي, مؤسس الجماعة, العناصر التي تنضم إليها كل يوم و تتولى الدفاع عنها و تسمي نفسها " الطلبة الوطنيون " . التحدي .. تلك الصفة التي توهت الطلبة و الأساتذة ، وأرعبتهم أحيانا ً ، تواصلت حتى بعد أن جاء الباطل و زيف الحياة في ذلك اليوم الموعود ، حين كانت الفرحة تعم الجزائريين بفوز فريقهم الوطني على ألمانيا في كأس العالم ، في الوقت الذي اجتاحت إسرائيل لبنان .. آنذاك اعتقد الجزائريون أنهم أحسنوا صنعا، و أظهرت لهم الأرض زخرفها و زينت الحياة في أعينهم ما عادا العربي ، الذي انفعل مع الجو العام في اليوم الأول ، لكن من إن حل اليوم الموالي ، حتى دخل الجامعة محركا ً الطلبة في تجمع عام ، و هنا بهت الذين ظنّوه أمنا ً، فوجدوه من الرعية التي استباح عرضها في لبنان ، فذرفت الدموع في قسنطينة ، و بدت الحقيقة أكبر من أن تصدق . نشوى اليوم السابق لم تعمر طويلا ً بالنسبة لثلة ٍ من الطلبة فقد أظهرت الحزن من اجتياح لبنان ، في حين انشغل الباقون و ما أكثرهم بحياتهم الدراسية ، مرددين بافتخار ما حدث بالأمس في مدريد ، حيث أعيدت قرطبة و غر ناطة ، و ربط انتصار الفريق الجزائري و مدربه على ألمانيا في كرة القدم بذكريات الفتح الأولى بقيادة طارق بن زياد . النصر عزة و فخر و نفس سابحة في أفق الآمال ، تواقة إلى غد ٍ أكثر إشراقا ً ، و النصر تثبيت للنفس أيضا ً.. هكذا قال مسعود ، الذي يعشق كرة القدم و لا يعشق النساء، غير أن النصر على الجهة الأخرى زيف إذا تعلق بالمكتسبات البسيطة ، أو شغل الشعوب عن قضاياها الكبرى، و تلك هي نظرة العربي الذي بدا في ذلك اليوم غاضبا ً، حزينا ً ، متألما ً . حاولت شهرزاد ثنيه عما هو مقدم عليه، و لكنه أصر إصرارا ً ، و حين أدركت أن لا جدوى من تراجعه ركبت معه موج الرفض دون أن يفكرا في السبيل الميسر للوصول إلى بر الأمان ، و تلك كانت المرة الأولى التي تساهم فيها بشكل ٍ مباشر في تجمع ٍ كبير ينتقد أصحابه النظام الحاكم بشكل ٍ علني. دموع هيفاء اللبنانية نادى العربي ,من قريب ٍ و من بعيد , على الطلبة ، فأحاطوا به من كل جانب إلى أن أصبح وسطهم يقف على برميل ٍ أفرغ من زيته ، و أصبح ذاك البرميل بعدها علامة ً مميزة ً للإعلان عن حدث ٍ هام أو التبليغ عن قرار ٍ معين أو الدعوة للإضراب. لم تكن استجابة الطلبة الفورية و حتى الأساتذة الذين حضروا و لم يشاركوا في التجمع عفوية ً ، ذلك لأن التجارب السابقة أثبتت أنه كلما وقف العربي خطيبا ً إلا و حلت المصائب في نظر أجهزة الأمن ، فتندس عناصرها وسط مجموع الطلبة ، ثم تقدم تقاريرها للجهات المسؤولة بعد ذلك ، كان آخرها عندما زار الوزير الجامعة ، و قوبل بالدلاء الفارغة كتعبير ٍ عن انعدام الماء ، مما أفشل زيارته و غير وجهته نحو كليات ٍ أخرى بعيدة ٍ عن الجامعات المركزية . حين تحلّق الطلبة حول العربي كانت شهرزاد تقف مع صديقتها اللبنانية " هيفاء " تواسيها عما حدث في لبنان ، غير سائلة ًعن رد الفعل المنتظر للتنظيم الذي تنتمي إليه . هيفاء فتاة في العشرين من عمرها تنتمي إلى حزب أمل الشيعي جاءت للدراسة على حساب الدولة الجزائرية ، حين كانت العلاقة بين الجزائر و بعض أحزاب لبنان ، متجاوزة ً الجغرافيا إلى الهوية ، و دون وعي ٍ كانت تعيد تاريخ الفينيقيين في رحلتهم من صيدا إلى الشرق الجزائري ، مركزين أصول الحضارة و دعائمها . لم تكن هيفاء الطالبة اللبنانية الوحيدة فهناك غيرها ، لكن عددهم قليل إذ لم يتجاوزوا العشرة ، لذلك لم يظهروا على واجهة الأحداث إلا قليلا ً، غير أنها حين ظهرت رفقة شهرزاد في ذلك الصباح السابق عن التجمع ، زادت دموعها العربي تأثرا ًبغزو العدو الإسرائيلي للبنان ، فليس سماع الأخبار أو حتى مشاهدة الصور ، كالالتقاء بأهل المحنة . وقف العربي خطيبا ً في تجمع ٍ بلغ العشرات ثم زاد عدد أفراده ليصبح مئات ، و بدا ل"شهرزاد" , وهي ترقبه و تراقب ردود أفعال غيره, خطيبا ً مصقعا ً .. رأته في حلم الواقع قائدا ً ، زعيما ً ، و كثرت صور الغيب لديها ، غير أنها حين عادت للواقع دون حلم ٍ ، سمعت أحد عناصر الإخوان المسلمين يقول: ما هذه الفوضى التي يحلها العربي كل يوم؟ رد عليه زميله قائلا ً : - دعنا نرى ما سيقول اقتربت شهرزاد من الاثنين دون أن يشعرا، و ظلت عيناها معلقتين بالعربي، و أذنيها تسترقان السمع لحديث الإخوان تارة ً و تتلذذان بكلمات العربي التي جاءت على النحو التالي : لقد عرفتم ما حصل في لبنان ، و لا داعي لعبارات الإدانة أو الشجب، و ليس أمام الحزب الحاكم و الحكومة إلا خيارين ، إما فتح باب التطوع أو إرسال جيش ٍ و .. قاطعه " حسن التبسي " ، و كان نبراسا ً للإخوان في مواقفهم, قائلا ً: التطوع يكون للجهاد ، و ما يحدث في لبنان ليس حربا ً من أجل الإسلام ما دامت القوى السياسية التي تحارب هناك علمانية. كبر المستمعون إليه ، و كانوا أكثرية الحاضرين ، و تداخلت مع التكبير أصوات أخرى رافضة ً لكلام حسن ، و كانت لتيارات أخرى أكثرها من الوطنيين ، بالإضافة إلى الشيوعيين ، الذين أيدوا العربي ليس حبا ً في لبنان ، و إنما معارضة ً للسلطة و معاداة للتيار الإسلامي . واصل العربي حديثه غير مبال ٍ بتحذيرات الإسلاميين الداعية إلى الكف عن الفوضى و الدعوة إلى إضراب ٍ مفتوح ، على اعتبار أن أمر الحرب و السلم يخص السلطات ، و لا دخل لطلبة الجامعة فيه . شد من عزمه خروج شهرزاد عن صمتها ، حين قالت , وهي تقتر ب من التجمع ،و تخرج من حدود منطقتها الخاصة ممسكة بيد هيفاء : الجامعات دائما ً تمثل رد فعل للمواقف السياسية, كما أنها تؤثر في عملية صنع القرار ، ولهذا علينا أن نرفض الخذلان و الانهزامية ، ثم نحن لسنا بديلا عن نظام الحكم، و لكننا جزء من الشعب الذي لا يقبل باجتياح لبنان . لم يكن صوتها عورة في نظر الطلبة المتجمعين ، و نسي الإسلاميون قول ذلك، فقد انشغلوا بهذا الصوت الجديد ، الذي لم يعهدوه و إن كانوا على معرفة سابقة بصاحبته، التي رأوها مرات عديدة رفقة العربي . فضل بعضهم عدم الرد عليها حتى لا يتسع مجال النقاش ، في حين قال أحدهم و هو مصطفى ، و كان متشددا ً ، و رافضا ً لأي دور للطالبات في الجامعة : يجب إيقافها هذه الطالبة عند حدها ثم تراجع عن موقفه حين أبلغه أحدهم برد فعل العربي الذي لا يمكن أن يلتزم فيه حدود آداب الحوار . لقد تمنى الطلبة الإسلاميون أن ينفض هذا التجمع ، الذي رأوا أنه يحمل بصمات شيوعية رغم قناعتهم ببعد " العربي " عن هذا التيار, لكن هاهي ساحة الجامعة قد اكتظت بمزيد من الطلبة ، طالب أغلبيتهم بإضراب مفتوح ، و وراء هذه الدعوة رغبات و نزوات و حسابات سياسية ، و حاجات إنسانية و أسفار و علامة حب و عشق تحتاج الوقت للتنفيس عنها . علت الوجوه نحو " العربي " و اشرأبت الأعناق , و زادت الأصوات الداعية للإضراب ما لم تستجب السلطات بإرسال جيش إلى لبنان ، و تابع الأساتذة عن بعد ممنين الأنفس بإجازة طويلة الأمد ، فهي لن تقل عن شهر.. كانت تلك رغبة الأساتذة العرب, و رغبة بعض الأساتذة الجزائريين أيضا من اجل الاهتمام بعملياتهم التجارية أو تسيير مؤسساتهم و مكاتبهم الخاصة . لم تتحقق الرغبات المستترة , ولا تلك الأماني الخاصة بالمشاركة النابعة من طهر الشباب و صدق النوايا ، و لم يواصل العربي خطبته ، و أنفض التجمع بتدخل رجال كانوا إلى وقت قريب جزءا من أهل الجامعة ، فظهروا اليوم على حقيقتهم ..إنهم رجال أمن ، تدخلوا لوقف التجمع داخل الحرم الجامعي ، و بدا العربي من عالم يختلف عن عالمهم , و بهت الذين ظنوا بالأمس القريب إنه منهم ,و تمنوا قبلها أن يؤتوا مثلما أوتى العربي من قول حق يستند إلى شرعية الأمن و حمايته . نصائح ثلاث.. جزائرية وعراقية ومصرية لقد كشف اجتياح لبنان حقيقة العرب ووزنهم الدولي , هنا في أقصى المغرب حيث دول الأطراف ، وهناك في أقصى المشرق حيث دول المركز , و أما داخل جامعة قسنطينة فقد كشف الاجتياح عن حقيقة"العربي" لزملائه , حيث كان لثلاث سنوات سابقة محل استفهامات كبرى، أما هو فلم تبق له إلا سنة واحدة لإنهاء دراسته الجامعية ، لذلك انشغل فيها بالسعي للحصول على منحة دراسية لاستكمال دراسته العليا في الخارج. مرت السنة الدراسية محملة بالمتاعب و الأزمات مثل حال العرب , و لم تكن وصية " بده عيشوش " تفارقه ، خصوصا ً بعد أن علم أن الحصول على منحة لا يخضع للشروط الموضوعية فحسب وإنما يتجاوزها إلى العلاقات , و بدا أن هناك استيلاء على إيرادات النفط من لجان شكلت على المستوى الوطني لدراسة ملفات الطلبة المتقدمين ، و بقدر ما كانت الأسعار ترتفع و عائدات النفط تزيد ,كانت أفواه جديدة من المواطنين، و أخرى قادمة من وراء البحر تبتلع خيرات البلاد. وجد العربي أن وصية " بده عيشوش " تخرج من التنظير إلى الممارسة عند أستاذه " أحمد " ، الذي كان يقول منبها ً و ناصحا ً : خيرات الجزائر تكفي الجميع ، و " القافز "- الشاطر- هو الذي يطير فيها بورس( يحصل على منحة) و يرد العربي معلقا ً و سائلا ً في الوقت ذاته: الحصول على المنحة يحتاج فقط إلى شروط وضعتها الوزارة مثل السن و المعدل العالي لأربع سنوات ، فما الحاجة إلى العلاقات ؟ العلاقات هي الأساس ، و للحصول على منحة عليك أن توظف جميع الوسائل المتاحة . في كل أحاديثه كان الأستاذ " أحمد " يزرع في تلميذه " العربي " فكرة واحدة هي " اقتناص الفرص " ، كان يقول له ضاحكا: من الجامعة عليك الحصول على وظيفة أو منحة ، و أن تختار إحدى الجامعيات للزواج ..الشهادة وحدها لا تكفي . نصيحة الأستاذ " أحمد " لم تكن تلقى قبولا ً مثل نصيحة" بده عيشوش " مع أنها أرقى منها ، لأن العمر اختلف و عقل العربي تفتح على أستاذة آخرين و ثقافات أخرى ، لهذا كان يعرضها على الأساتذة المصريين ، الذين كانوا يقولون له كل على حدة : آخر أمر يجب أن تفكر فيه هو الزواج .. إنه نهاية المطاف و ليس بدايته ، و أن مواصلة الدراسة أهم بكثير . ذلك الحكم على حياة العربي مستقبلا ًعند طلب النصيحة بالسؤال من طرف الدكاترة المصريين , كان في نظر أستاذه الدكتور " حمدان العراقي " تمصيرا لحياة الجزائريين ، يأتي ظاهرا ً في قوله : لا تطلب النصيحة من أحد ، فلكل إنسان تجربته الخاصة ، المهم تحديد أهدافك ! لكن عليك الآن مواصلة الدراسة . لاحظ " العربي " أن رأي الدكتور " حمدان " يحمل نوعا ً من التناقض لأن الحديث معه انتهى إلى التأكيد على مواصلة الدراسة ، و الذي أدهشه أكثر هو ذلك الإجماع على أن الجزائر تكفي الجميع وعليه أن يأخذ نصيبه منها . واصل " العربي " مساعيه الحثيثة ، و ما كادت السنة الدراسية توشك على نهايتها حتى حصل على منحة دراسية إلى مصر ، الدولة التي حذره منها بده عيشوش, لأن أهلها يؤكدون عن كفاية ما في يد الآخرين لهم, و لكنهم لا يقدمون شيئا ًللآخرين و لا يقاسمونهم مما أوتوا, و يؤثرون أنفسهم ولو كان بهم عنى, ولا يوقون شح أنفسهم .. ترى هل تصدق نظرية بده عيشوش ؟! الحلقة المقبلة جامعة القاهرة.. فكر و رحلة عمر وآهات حب