للصيام فوائد عظيمة اكتشفها العلماء المسلمين منذ القديم ، وأكدها العلم الحديث، وقد خصص ابن القيم الجوزية فصلا للصيام في كتابه زاد المعاد بعنوان (( فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام )) نقتطف القسم الأول بتصرف تعميما للفائدة حيث يقول رحمه الله (لما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة، فيما يضرها في معاشها ومعادها، ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه ،وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين ، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال ،فإن الصائم لا يفعل شيئا وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده ، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارا لمحبة الله ومرضاته وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة ، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده ، فهو أمر لا يطلع عليه بشر وذلك حقيقة الصوم . وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحمايتها من المواد الفاسدة ، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها فهو أكبر عون على التقوى كما جاء في الآية 183 من سورة البقرة المختومة ب" لعلكم تتقون "، والصوم جنة ووقاية كما في الحديث النبوي الشريف، والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا إليهم وحماية لهم وجنة وكان هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فيه أكمل الهدي ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها تأخر فرضه إلى السنة الثانية للهجرة وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات فكان جبريل عليه السلام يدارسه القرءان في رمضان وكان أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرءان والصلاة والذكر والاعتكاف ) لقد جمع لنا ابن القيم الجوزية مجموعة كبيرة من الفوائد الصحية والنفسية والإيمانية التي يجنيها الصائم من شهر رمضان الذي يطهر النفس والجوارح من الشهوات والرغبات ويسمو بها فرمضان كله خير وبركات فهو شهر الصيام والقيام والتوبة والاستغفار وتلاوة القرءان والجود والكرم وكله فضل وإحسان فعلينا أن نستغله في أعمال البر والخير ابتغاء مرضاة الله تعالى وثوابه للفوز بالجنة في دار النعيم المقيم ونسعد في الدنيا والآخرة.