انتشرت الحركات والأحزاب الإسلاموية في الخارطة السياسية العربية، فنجدها وصلت إلى دوائر القرار في بعض الأحيان وحملت السلاح في دول ودخلت في صراع مع الحكومات في دول أخرى وألهبت الشارع ... فنجدها كثيرا ما حادت عن برامجها فأخفقت في الدعوة وفي الدولة. ويرى الكثير من المتتبعين لتاريخ الحركة الاسلاموية في الوطن العربي أن هذه الأخيرة مرّت بعديد المراحل بداية بمرحلة الدعوة والبناء ومرحلة النضال والمشاركة السياسية والمرحلة الأخيرة وهي مرحلة استلام مقاليد الأمور وإدارة الدولة التي اقتصرت فيها بعض الأحزاب في دول دون الأخرى، خاصة تلك التي عرفت ما يسمى ب "الربيع العربي". ويقول الباحث غراهام فولر في كتابه "مستقبل الإسلام السياسي"، أنّ التجارب الإسلامية في العصر الحديث والتي وصل فيها الإسلاميون إلى سُدّة الحكم في بعض الدول لم تتّخذ الإسلام الصحيح مرجعية حقيقية، بل جاءت هذه الحكومات كردّ فعل على الماضي السلطوي لتلك البلدان، وقد وضع المخاض العربي الراهن الحركات الإسلاموية أمام اختبارٍ حقيقي أمام الجماهير لأول مرّةٍ، وقد تغيّرت الصورة الذهنية للمجتمع المصريّ على سبيل المثال بالسلب عن جماعات الإسلام السياسي، وفي مقدّمتها جماعة الإخوان المسلمين عقب ثورة 25 جانفي 2011، وكذلك الأمر في الجزائر عقب سنوات الجحيم التي عاشها الجزائريون وفي تونس وليبيا ومعظم الدول العربية. في حين يرى كثيرون أن الحركات الإسلامية جاءت في مطلع القرن العشرين لتؤدّي واجباً غاب عن الساحة وأول هذه الساحات كان في تركيا أين بدأت الساحة تشهد سطوع حركات إسلاموية أخذت أسماءً مختلفة، وفي مصر برزت جماعة الإخوان المسلمين في سنة 1928، وامتدّت على الساحة المصرية ثمّ انتقلت إلى الساحات العربية والإسلامية، لتنتقل جماعة الإخوان المسلمين إلى سورية في الأربعينات وإلى فلسطين في الثلاثينات واستطاعت الحركة الإسلامية أن تشكّل حاضناً للوعي الإسلامي الفكري والسياسي في عدد كبير من أقطار العالم العربي والإسلامي. ورغم أن تأثير الحركات الإسلاموية في المجتمع العربي يبدو على الأمد البعيد محدوداً تبعاً للعديد من العوامل اختصرها المختصون في أهمية فصل الدين عن الدولة في عصر يصعب فيه ظهور دولة (دينية) مدعومة اجتماعياً تمارس السياسة داخلياً وخارجياً، تبعية الحركات الإسلاموية السياسية لمشاريع استعمارية، ما تزال مجتمعاتنا العربية والإسلامية تعاني من بطشها واستنزافها، على الرغم من ظهور الاستعمار الجديد تحت شعارات (الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية المواطنين والأقليات.. إلخ)، بالإضافة إلى الصعوبة بمكان على الحركات الإسلاموية - السياسية أن تُكَوِنْ تنظيمات سياسية مدنية تخدم قواعد العمل السياسي المعروفة في إطار الديمقراطية الحقيقية. وما يمكن استخلاصه هو أن المنطقة العربية عرفت في السنوات الأخيرة، أطروحات فكرية وسياسية حادة ومكثفة تناولت علاقة الدين بالسياسة.. هنالك اتجاه يرى إمكانية الدمج بينهما، واتجاه آخر يرفض هذه المزاوجة.. فيما باتت دساتير عربية تحذر من تأسيس أحزاب على أسس دينية.. واتجاه آخر يرفض الربط بين الدين والسياسة لضرورات وأحكام تتعلق بتعارض منهج الفقه السياسي من جهة، ومنهج الفقه الديني ونصوصه المقدسة من جهة أخرى.. بعض الدول العربية اختارت التعايش السلمي مع الحركات الإسلامية، والبعض الآخر فضل منطق الإقصاء والتهميش والمواجهة.