أكد مصطفى شريف المفكر والمختص في حوار الحضارات، عن فخره واعتزازه بالتحدث عن الإسلام وتقديم وجهه الحقيقي، للبابا فرنسيس وبينيدكتوس ال16. وأضاف الدكتور مصطفى شريف، الذي يعمل على تقريب وجهات النظر بين الإسلام والمسيحية، أمس ل*الجمهورية*، أنه حاول خلال اللقاءين اللذان جمعهما بأكبر رؤساء الكنيسة الكاثوليكية، إبراز أهمية الصداقة والعيش المشترك الذي يربط المسلمين بالمسيحيين، بالرغم من الاختلافات الموجودة بينهما، مشيرا إلى أنه من الجانب الثقافي والروحي، فإن الجميع ينسى مسلمين وغير مسلمين، أن النص التأسيسي للقرآن هو كتاب يتوجه إلى البشرية جمعاء، ويعترف بجميع الكتب المقدسة الأخرى، بل أنه يكمل ولا يلغي المراحل الأخرى لتاريخ الخلاص، وأنه تذكير وتلخيص لوحي سابق من أجل تعلم ما بات يعرف اليوم ب*العيش معا في سلام* مصداقا لقوله تعالى، *وكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (سورة هود الآية 120). القرآن يطلق التحديات واستغل الوزير الأسبق هذه اللقاء الذي تم في الفاتيكان، ليوضح لهؤلاء الباباوات، أن القرآن لا يقبل التعددية والنقاش فقط، بل يتدخل في الخلافات من خلال إطلاق التحديات، ويفتح آفاقا ويطرح بصفة طبيعية وإيجابية الوحدة والتنوع الإنساني، حيث يقول الله عزّ وجل * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ* (سورة الحجرات الآية 13)، بهذا المعنى يضيف محدثنا أنه يتحتم علينا التحاور واحترام الآخرين بالرغم من الاختلافات، من منطلق هذا الآية الكريمة * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ (..) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا .. * (سورة الحجرات الآيتين 11 و12).. مشيرا إلى أن ديننا الحنيف، يأمرنا باحترام حق الاختلاف وأن نكون مقسطين *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * (سورة المائدة الآية 8)، موضحا أن آيات القرآن متفتحة حيث يقول الرحمن *فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّر لسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ* (سورة الغاشية الآيتين 21 و22). وفي سياق متصل أكد محدثنا، الذي تسلم جائزة دوتشي من أجل ثقافة السلم في 2013، أن البابا فرنسيس، أعرب له عن تقديره لكون أن الإسلام يدعو لاحترام الوحدة والتنوع الإنساني، ويحث على محبة جميع الأنبياء دون التفريق فيما بينهم، وأن القرآن المنزل على نبي الإسلام نابع من كتاب سماوي خالد. مشددا على أن الإنسانية واحدة بالرغم من كل الاختلافات. وأبرز محدثنا أن *العيش معا في سلام* مفهوم إسلامي قديم يعود تاريخه إلى 15 قرنا، ودخل منذ زمن بعيد ضمن اهتماماته الفكرية، مشيرا إلى أن الإسلام لم يوح على الرسول صلى الله عليه وسلم، كعقيدة جديدة منقطعة عن التاريخ، ولكن كتذكير نهائي لديانة التوحيد التي جاء بها إبراهيم، مؤكدا أن ديننا يعترف بوحدة الجنس البشري، ويحترم تعددية المسارات والثقافات والأديان، حيث يقول عزّ من قائل *وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً* (سورة المائدة الآية 125). مسلطا الضوء على التقارب الموجود بين الثقافات الإسلامية والأوروبية، والتشابك الكبير في القيم المشتركة لكلتا الديانتين، ما يشكل دافعا مهما للتحاور فيما بينهما في عالم يمتاز بالتوتر والصراعات والعنف. وفي نفس المضمار أكد مصطفى شريف الذي التقى كذلك في السابق البابا يوحنا بولس الثاني، أن العيش معا في سلام، هو ترجمة لمرجعيتنا الوطنية ودليل على تشبثنا بالروابط الإنسانية والاجتماعية، مشددا على أن الجزائر أضحت اليوم ملتقى للحضارات، وأنها ما زالت وفية لجذورها الأصيلة، مبدية رغبتها في العيش المشترك، وضرورة تعزيز ثقافة السلم لفائدة الإنسانية والأجيال القادمة، واصفا المبادرة التي صادقت عليها جميع الدول في الأممالمتحدة، بأنها فعل نادر وعلامة على مصداقية بلادنا العالية، خصوصا وأنها جاءت لتلبّي الاحتياجات الملحة للإنسانية، التواقة إلى تحقيق التقارب بين الشعوب في إطار الأخوة والاحترام المتبادل، مشيرا إلى أن الجزائر ومنذ فجر التاريخ إلى ملحمة الأمير عبد القادر ورسالة نوفمبر، والوئام المدني فالمصالحة الوطنية، تريد أن تكون أرضا للعيش المشترك، ومتفردة بتنوعها الثقافي، خصوصا بين الأمازيغية والإسلام والعروبة، بل وحتى متفتحة على العالم، بالرغم من التوترات والشكوك التي تمتاز بها العلاقات الدولية اليوم، وأنه يجب التوجه نحو الحوار والمعرفة المتبادلة وسيادة القانون، لبناء عالم أقل عنفا. قلق من الهجمات على المسلمين ولم يخف محدثنا قلقه من الهجمات والأفكار المتطرفة والضارة التي تواجهها المجتمعات الإسلامية في الآونة الأخيرة، بعضها تحت ستار الدين والبعض الآخر تحت غطاء العولمة، مذكرا بجهود رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في الأممالمتحدة و*اليونيسكو* وجامعة *السربون* الفرنسية، من خلال إبرازه أهمية حوار الثقافات والأديان والحضارات، لتعزيز العيش المشترك إن على الصعيد الدولي أو حتى الجهوي. وذهب الأستاذ والباحث في جامعة الجزائر، أبعد من ذلك عندما شدد على أن المواجهة اليوم ليست مع الغرب، الذي تربطنا به روابط وثيقة، ولدينا معه عدة أصدقاء، وإنما مع الانحرافات المتمثلة في النموذج المادي المتضارب، الذي يتصرف أحيانا ضمن منطق ما يعرف بسياسة الكيل بمكيالين، داعيا للعودة إلى القانون والأخلاقيات والتنمية الداخلية وتعزيز الحوار واقتصاد المعرفة والأنسنة، للتغلب على العنصرية والتطرف، مبرزا في نفس المنحى أن أوروبا تواجه اليوم امتحانا فيما يتعلق بالتعددية الجديدة، حيث لا يوجد حوار مثمر بدون معرفة متبادلة، ولا سلام بدون عدالة، مشددا على أن حوار الثقافات والأديان الذي تدعو إليه الجزائر، هو فعل حضاري، خصوصا وأن هذا التعايش بين الثقافات كان ممكنا في الماضي بفضل المسلمين، وأحسن مثال على ذلك ما كان قائما في الأندلس. وعاد محدثنا ليؤكد أنه وبالرغم من تداول الكثير من رجال الدين ووسائل الإعلام في العالم ل *حوار الثقافات والأديان والحضارات* إلا أن الأمر يحتاج إلى الكثير من الشجاعة والمصداقية، لاسيما وأن هذه المصطلحات باتت مفتاحا لتبرير الهيمنة على الشعوب، للوصول إلى التركيز المتصاعد للثروة وأدوات صنع القرار. وبالتالي فإن غرس المزيد من قيم الأخوة وتكوين مواطنين متفتحين ومسؤولين، هو السبيل الوحيد للرد على أولئك الذين يقللون من أهمية وجدوى الحوار مع الأديان والحضارات. داعيا في الأخير إلى تثمين البرامج التربوية في المدرسة وتفعيل الاستخدام الجيد للأنترنت، للوصول إلى تحقيق تواصل الثقافي، يوقظ ويؤنسن ويحمل المسؤوليات، خصوصا وأن تكنولوجيات الإعلام والاتصال، الاتصالات السلكية واللاسلكية، الخدمات الهاتفية والوسائط الإعلامية المتعددة، هي أدوات حديثة تسمح بنقل المعطيات وقيم والأفكار. وبالتالي بات من الضروري تربية الأجيال على الاستعمال السليم لهذه الأدوات، لتلقينهم أبجديات التصالح، واحترام الآخر والمحافظة على الذاكرة الوطنية الحية. لاسيما وأن التواصل الثقافي هو فعل يسمح بتقوية العيش المشترك، ويجعله متاحا ومفهوما لدى أكبر عدد ممكن من الناشطين في مختلف المجالات الثقافية والوطنية والإنسانية.