مساؤك ألم… تلك الرواية الاستفهامية ، العتيقة ، المقاومة، النازفة، الباكية ، الصامتة في ضجيج حرفها… تناولت فيها شاعرة الأرجوان ، اللبنانية «نسرين ياسين بلوط» موضوعا سبق و إن تمّ تجسيده وتصويره في شتى أغراض الأدب الحديث ، لكنه على طريقتها جاء متفردا ، كهبّة وجع في صوت الفرح ، و كأنها الأنثى التي تقاتلت حولها سراديب الماضي و وحشة الليل لفجر بعيد … حين نادت البطلة « سارة بدر» أنشودة الغد الجميل من عمق مساءات الألم ونجحت في القفز على عوائق الذكورة والرجعية والخطيئة والحلم وساوت بينه و بين « الحياة كلها»… هي الرواية المحدثة التي تناولت أدوات التواصل التكنولوجية في قالب سردي وصفي إيحائي جميل ، في بيئة تراوحت بين القاهرة و بيروت وسلطت الأضواء على حياة تطال أعباؤها الكثير من المشاهير في شخصية البطل المحوري « عز الدين الإدريسي» ، رغم أموالهم وأضوائهم و بسماتهم المصطنعة إلا أنهم في حقيقة الأمر لا يعودون إلى غرفتهم الليلية سوى على درب من دروب الجحيم و العذاب والصراع بين الذات و الضمير و الذكرى . هذا و أخرجت الرواية إلى النور عن دار «سما» للنشر و التوزيع بالقاهرة في صورة أنيقة زيّنتها أنامل الفنان التشكيلي الكبير « برنار رونو» في لوحة إبداعية راقية تحمل مزيجا من الأسرار و كأنه غبار وجوه قديمة تترنح بين فلذات الروح بأصوات خافتة ، تعزف على أوتار الأنين بصمت فائق … دخولا إلى صفحة الإهداء التي تجمع كثيرا بين عاطفة « الأم « التي أهدت لها الروائية عملها و بين والدة البطلة التي تغلب دورًا ريادياً في إعادة الأمل إلى ثنايا البيت الصغير ، هنالك في كل صباح حيث يزدهر الحلم و تتوج البطلة في صباح الرواية الأخير بحبّ يستحقها و عائلة تواصل معها سبيل الحياة الطويلة بحلوها ومرّها . إنّ ما يميز أسلوب الروائية هو أنه بسيط حد الشفافية ، عميق حد الغموض ، جامع بين النثر و الشاعرية ، بين النجوم و الخيبة و هو عمل متفرّد تراءى لها في وضح الليل كالحلم ، تكلمّ بلسان « نبيّة العاشقات « التي سلّمتْ نفسها في غفوة الهوى حتى تؤكل و يرديها الحب في قاع السموم بلا هويةّ و كأنها الذات التي يسيرون على جسدها من مكان إلى مكان و يعبرون في أحشائها أطياف الزمن ثم ينكرون كم كانت بهيّة الضفائر !! ، و لا يبقى منها سوى محض ذكرى بلا رفات ، تحزم أمتعتها كلما هاجمها الألم بمخالبه الظلامية وقتلتها أصوات من حولها» … للغد ابتسامته و للكرامة بروجها وللصمت وجعه … وداعا … فليصبح المساء مساء الحب و اللهفة …«