إن المتتبع للشأن العام في الجزائر يقول الدكتور عبد الرؤوف مشري الباحث ب * كراسك* وهران أن المنظومة الإصلاحية العقابية قطعت أشواطا كبيرة نحو حماية و ترقية حقوق الانسان وتحديدا مع بداية سنة 2004، وذلك حسب ما تشير إليه تقارير المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي (PRI) ؛والتي تعنى بإصلاح قطاع العدالة في عديد دول العالم، فمحاولة تقييم المنظومة العقابية الجزائرية يحيلنا إلى البحث في ما تصدره هذه المنظمة من تقارير سواء سلبية كانت أم إيجابية وفق معايير علمية موضوعية يستند إليها الباحث في تقييمه. أما فيما يتعلق بالحكم بنجاح أو فشل المنظومة العقابية و نجاعة قوانينها فإنه لا يمكن الجزم بذلك على المدى القصير خاصة و أن الجزائر تعيش مرحلة إصلاحية تستدعي التريث في الحكم بالنجاح أو الفشل، فإصدار أي حكم يدفعنا كباحثين في علم الاجتماع إلى دراسة ما بعد المرحلة العقابية، أي تتبع حياة المجرم خارج أسوار المؤسسة العقابية وتقييم العملية الاصلاحية من خلال مقارنة سلوكيات المجرم الممارسة اليوم مع سابقاتها، وكذا محاولة رصد عملية اندماج المسجون في المجتمع بعد انتهاء المدة العقابية وتقييم ما يقدمه للمجتمع. و عن سؤالنا عن كيف يمكن للمشرع الجنائي أن يستفيد من الباحث الاجتماعي لفعالية عقابية و إصلاحية أكبر أجابنا الأستاذ عبد الرؤوف مشري أن ظاهرة الجريمة قديمة قدم الانسان على وجه المعمورة ودراستها كانت نقطة التقاء أكثر من تخصص: القانون، علم النفس، علم الاجتماع فكل متخصص يحاول أن يفهم الظاهرة و مسبباتها انطلاقا من مجال تخصصه ، فرجل القانون يعرفها بأنها: *كل فعل او امتناع عن فعل يعاقب عليه القانون* والمختص في علم النفس يعرفها بأنها: *سلوك ينتهك القواعد الأخلاقية التي تحكم الجماعة* و عالم الاجتماع يعتبرها:* عدوان شخص أو أكثر ضد آخر في عرضه أو ماله أو متاعه وهي ظاهرة اجتماعية لا يخلو منها أي مجتمع* فلكل مرجعيته. وكما أشرت سابقا فإن الهدف من التشريع و تطبيق أحكام القوانين هو إصلاح المحكوم عليهم لكن كيف يحكم المشرع بأنه أصلح المحكوم عليه، وبأن قوانينه ناجعة دون وجود دراسات اجتماعية تصف وتحلل حياة المحكوم عليه الذي قضى فترته العقابية؟ وهل أسهم هذا العقاب في اصلاحه وكبح روح الاجرام فيه؟أم أنه عاد لفعله بل طغى وتجبر وصار أكثر جرما؟ ، و جل دول العالم اليوم تأخذ بفحوى نتائج تلك الدراسات الاجتماعية لظاهرة الجريمة فهي وحدها التي تسلط الضوء على تلك الخصائص الاجتماعية للمجرم ودوافع إقدامه على الفعل من خلال محاولة ربط مختلف المتغيرات داخل المجال من أجل إيجاد تفسير للفعل وليس تبريره. و عن مناداة شرائح كبيرة من المجتمع بتطبيق أشد العقوبات على جرائم قتل الأطفال واغتصابهم ، يرى المختص في علم الاجتماع أنه حقيقة جرائم قتل الأطفال واغتصابهم أفعال مشينة تتعارض مع كل ما يمت للإنسانية بصلة، والمتتبع للظاهرة يلاحظ انها انتشرت وراجت في الفترة الاخيرة؛مما دفع بفئة كبيرة من المجتمع إلى المطالبة بتطبيق حكم الاعدام على الجناة بصفته أقصى حكم يمكن تطبيقه لكن الحكومة اليوم جمدت العمل بهذا الحكم لأنها هي الأخرى تخضع لضغوطات منظمات حقوق الانسان التي تعمل على إدانة تطبيق هذا الحكم أما عن فعالية دور المؤسسة العقابية في ردع الجاني فأكد لنا محدثنا بأن الغرض الأساسي من إنشاء المنظومة العقابية هو الاصلاح؛ ولا فائدة ترجى من سن ترسانة من القوانين الردعية دون أن يكون هنالك إصلاح ومنفعة بيّنة على أرض الواقع وكما أشرت سابقا فإن المجتمع هو مرآة هذه المنفعة وتتبعنا للظاهرة ومختلف الفاعلين فيها هو ما يؤهلنا لإصدار أحكام بفشلها أو نجاحها، وإذا ما حاولنا تقييم دور المؤسسات العقابية يجب أن نبتعد عن المنظور الشعبوي العام الذي يحكم ودون أدنى شك بفشلها؛ لأنه يرى بأن السجون صارت مؤسسات للتكوين والاحتراف في الجرم و ليس للعقاب و الإصلاح، فالكثير من المجرمين يعودون لأفعالهم المشينة مباشرة بعد انقضاء أحكامهم بل وقد ينظمون لجماعات أكثر تنظيما واحترافية فينتقلون بذلك من الجرم البسيط إلى المنظم، لكن على عالم الاجتماع ان يبحث في الأسباب المؤدية إلى ظاهرة العود إلى الجريمة، هل هي متعلقة بطبيعة العملية الاصلاحية وبرنامجها؟ أم أنها تتجاوز ذلك إلى كل ما يعترض طريق المجرم -خارج أسوار المؤسسة-. و بخصوص السوار الإلكتروني فقال أنه قد بدأ التفكير في العمل بتقنيته نهاية العام المنصرم والذي جاء كتصديق لنية تعديل قانون الإجراءات الجزائية في إطار إصلاح المنظومة العقابية بالجزائر، ويمكن أن نعتبر الاجراء نوع من الرقابة عن بعد للمتهمين غير المحكوم عليهم أو أولئك الذين حكم عليهم ب 3 سنوات. وما يمكن أن نقدمه كباحثين في علم الاجتماع حول هذا الموضوع لا يتجاوز محاولة تحليل تجارب الدول السبّاقة في هذا الاجراء كفرنسا مثلا وتقييمها، فإصدار أي حكم تجاه اجراء لم يطبق، يبقى مجرد تخمينات وتحليل سطحي لا يرقى لأن يؤخذ عليه ما لم تتوفر لدينا معطيات ميدانية وشواهد حيةتؤخذ كعينة دراسة.