السلطة اشترت صمت الخارج بوقف تنفيذه منذ 21 سنة أكثر من 200 محكوم عليهم بالإعدام تحوّلت عقوبتهم إلى سجن مدى الحياة فضَلت السلطات الجزائرية مسك العصا من الوسط، في موضوع عقوبة الإعدام المثير للجدل. فلا هي ألغته من التشريع لتجسد انتماءها إلى البلدان التي تخلت عنه رسميا، ولا هي نفذته لتنسجم منظومتها القانونية مع أول مصدر للتشريع وهو الدين الإسلامي. بعبارة أوضح، سعت الجزائر إلى إرضاء الغرب ومنظماته المدافعة عن حقوق الإنسان، ولكن حرصت على عدم إثارة حساسية مجتمعها ذي التوجه المحافظ. وتفيد إحصائيات تتوفر عليها “الخبر”، بأن أكثر من 200 شخص يقبعون حاليا بالمؤسسات العقابية بالبلاد بناء على إدانة بحكم الإعدام، من بينهم حوالي 30 امرأة. وتتراوح طبيعة الأفعال المنسوبة إليهم، بين القتل العمد والتفجير في الأماكن العامة، ما أفضى إلى القتل. بعضهم متورط في جرائم تتعلق بالحق العام وآخرون ضالعون في جرائم الإرهاب. ومن أشهر وأقدم المدانين بالإرهاب، المدعو “الشقندي”، القيادي السابق بالجماعة الإسلامية المسلحة، الذي تعرض للاعتقال عام 1995. وهو موجود في زنزانة انفرادية مخصصة للمحكوم عليهم بالإعدام بسجن سركاجي منذ 19 عاما !. ورغم أن كل الذين صدر في حقهم حكم الإعدام يقضون هذه العقوبة رسميا، فهم عمليا يخضعون لحكم بالسجن مدى الحياة كعقوبة بديلة، مع أن القضاة لم ينطقوا به، وهذه واحدة من مفارقات القضاء الجزائري. وظل القضاة يصدرون أحكاما بالإعدام منذ التوقف عن تنفيذها في 1993، لكن السلطة السياسية تدخلت فأوقفت تنفيذ هذه الأحكام خضوعا لحملة دولية صنفت البلدان التي تطبق هذه العقوبة ضمن الفئة التي لا تحترم حقوق الإنسان. وفي تلك الفترة بالذات، عانت السلطة وقلبها النابض الجيش، من انتقادات شديدة من طرف بلدان معروفة بممارسة مقاييس مزدوجة في الدفاع عن حقوق الإنسان. ولتخفيف ضغط الجدل الذي أثير حول “من يقتل من؟”، والذي يعني إضفاء الغموض على الجهة التي ارتكبت المجازر الجماعية بين 1994 و1997، نزلت السلطة في الجزائر عند رغبة الجماعات الحقوقية المؤثرة في الحكومات الغربية، فأوقفت تطبيق الإعدام. وسئل عدة قضاة عن جدوى مواصلة النطق بحكم الإعدام، ما دامت لا تجد طريقها للتنفيذ ولا تصل إلى هدفها وهو الردع، فكان ردهم أنهم يتعاملون مع نص قانون العقوبات الذي يتضمن الإعدام. وفي الغالب، يتفادى وزراء العدل الذين سيروا المنظومة العقابية، في ال20 سنة الماضية، الخوض في هذا الموضوع الذي يشبه إلى حد ما وضع القنوات الجزائرية الخاصة. فهي تبث برامج جزائرية وتتفاعل مع قضايا وهموم المواطنين، ولكن يضبطها قانون أجنبي !. وحتى عندما حاول وزير العدل، الطيب لوح، المشاركة في النقاش حول القضية، لم يشرح رؤية السلطات بدقة حول كيفية التعامل معها. فقد ذكر، في 13 نوفمبر الماضي، ردا على سؤال لأحد البرلمانيين حول سبب التخلي عن تطبيق العقوبة، أن الأمر “يتطلب إطلاق نقاش واسع وموضوعي على مستوى مختلف فئات المجتمع، بعيدا عن التأثيرات الظرفية والقناعات المسبقة حول الموضوع”. وذكر أيضا أن “القضية ذات أبعاد قانونية وسياسية واجتماعية وأخلاقية، وموقف الحكومة الجزائرية في هذا الشأن يجب أن يكون منسجما مع خصوصيات المجتمع، التي صقلت على مر التاريخ بتجارب عديدة في هذا المجال”. ويعني كلام لوح الغامض، أن السلطات لن تطبق العقوبة ولن تلغيها من القانون !. رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان نور الدين بن يسعد ل “الخبر” “حكم الإعدام ملغى واقعيا منذ 1993 ولا علاقة لذلك بتزايد الجرائم” تستغرب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان موقف الأطراف الرافضة لإلغاء حكم الإعدام من قانون العقوبات، فيما أن الحكم صار لاغيا برسم الواقع منذ عام 1993، بعد توقيع الجزائر على لائحة الأممالمتحدة المتعلقة بتجميد تنفيذ أحكام الإعدام. قال نور الدين بن يسعد، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن إلغاء الحكم بالإعدام يعد مطلبا تاريخيا للرابطة منذ تأسيسها، وقال بن يسعد ل” الخبر”، إن الجزائر أوقفت منذ عام 1993 تنفيذ أحكام الإعدام، ولم يبق سوى ترسيم هذا الإلغاء في قانون العقوبات. ويرد بن يسعد على مزاعم التيار الذي يرفض إلغاء حكم الإعدام، بكون التوجه نحو إلغائه هو انخراط في عولمة القوانين أو التبعية للغرب، ويقول: “ليعلم الجميع أن القانون العرفي الأمازيغي كان السباق لإلغاء حكم الإعدام، في هذا القانون العرفي أكبر عقوبة يمكن تسليطها على المجرمين هو النفي من القرية، وليس الإعدام الذي لا يتضمنه”. وأوضح الناشط الحقوقي أن “أربع دول إسلامية أعلنت إلغاء عقوبة الإعدام وهي تركيا وألبانيا وجيبوتي والسينغال، ثم أن الارتباط بالتفسير الديني يغلق باب الاجتهاد بشأن عقوبة الإعدام، تماما كما يفترض أن نقبل بوجود ظاهرة العبيد، ما دام أن هناك 12 آية تبيح ذلك”، ويعتبر أنه “مثلما أن التطور الإنساني لم يعد يسمح لنا بوجود عبيد في المجتمعات الحديثة، فإن ذات التطور والاجتهاد الإنساني يوصلنا إلى إلغاء عقوبة الإعدام باعتباره حكما منافيا للحق في الحياة”. وبحسب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن مقارنة بسيطة بين إحصائيات الجرائم في الدول التي ألغت عقوبة الإعدام أو الدول التي أبقت على هذه العقوبة، تثبت أن الأمر لا علاقة له بحكم الإعدام إبقاء أو إلغاء. وقال: “الدول التي ألغت العقوبة لم يزد فيها منحى الجرائم، كما أن الدول التي أبقت على العقوبة لم ينخفض فيها مستوى الجرائم بالمقابل”. ويضيف بن يسعد إلى العوامل الدافعة إلى تبني فكرة إلغاء الإعدام، الجانب السياسي ومخاطر تسييس القضايا، وإصدار أحكام إعدام وفقا لسياقات سياسية. قضايا حكم فيها بالإعدام سنة 2013 - مارس 2013: محكمة الجنايات بمجلس قضاء الجلفة تقضي بإعدام قاتل زوجين وطفلتيهما سنة 2010. - في نفس الشهر، محكمة جنايات مجلس قضاء بشار تحكم بإعدام رئيس مصلحة الشرطة القضائية لأمن ولاية أدرار، المتهم بقتل زميلته الشرطية ‘'ح. ب. شريفة” في ولاية أدرار سنة 2010.' - ماي 2013: محكمة جنايات العاصمة تصدر حكما بإعدام المتهمين كوري الجيلالي وعنتر علي، المنتميين إلى “الجماعة الإسلامية المسلحة”، اتهما بارتكاب مجازر راح ضحيتها 500 شخص، وذبح واغتصاب 60 امرأة بمناطق متفرقة في الجزائر، بين سنتي 1996 و2014. - جويلية 2013: محكمة الجنايات بمجلس قضاء قسنطينة تقضي بإعدام المتهمين في قضية خطف وقتل واغتصاب الطفلين إبراهيم وهارون في قسنطينة، في شهر مارس من نفس السنة. وهي القضية التي أثارت حالة غضب كبيرة تبعها تشديد الدعوات بالعودة لتنفيذ الإعدام. - أكتوبر 2013: محكمة الجنايات بالبليدة تدين قاتلة الطفلة سندس بالدرارية في العاصمة، شهر ديسمبر 2012، بحكم الإعدام. - نوفمبر 2013: محكمة الجنايات لدى مجلس قضاء الشلف تسلط عقوبة الإعدام في حق متهم تورط في جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، راح ضحيتها جاره، سنة 2012. الرئيس الجديد للاتحاد الوطني لمنظمات المحامين أحمد ساعي ل”الخبر” “الإبقاء على الإعدام في قضايا القتل واغتصاب الأطفال والمتفجرات” “ربط إصلاح العدالة بالسرعة في تسليم شهادتي الجنسية والسوابق العدلية إهانة” رافع الرئيس الجديد للاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين، الأستاذ أحمد ساعي، في حوار مع “الخبر”، من أجل إبقاء عقوبة الإعدام في قضايا القتل واغتصاب الأطفال والمتفجرات، وتخفيفها في بقية القضايا الأخرى إلى المؤبد. وشدد المتحدث على أهمية مراجعة قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لأنه عقد باب التقاضي أمام المواطن. تجري حاليا بالجزائر ندوة وطنية حول عقوبة الإعدام بين إبقائها أو إلغائها، أي طرح يؤيد اتحاد المحامين؟ الموضوع يعرف تناقضا بين مؤيد ومعارض لإلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجزائري، وفي نظرنا كاتحاد وطني لمنظمات المحامين الجزائريين، نرى أن يبقى تطبيق العقوبة على قضايا القتل، اغتصاب الأطفال أو قتلهم والمتفجرات، وتخفيفها إلى عقوبة السجن المؤبد في بقية القضايا، وهذا تماشيا مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها الجزائر. ودعوتنا للتخفيف تستند إلى المدرسة القانونية التي تقول إن الدولة لا تنتقم من شعبها ولا تقتله. بعد انتخابكم نقيبا وطنيا للمحامين كيف تقيّمون واقع المحاماة اليوم ؟ قطاع المحاماة يعاني حاليا من مشاكل عديدة، منها على وجه الخصوص ارتفاع عدد المحامين بشكل تصاعدي. إذ خلال 10 سنوات قفز العدد من 12 ألف محام إلى حوالي 40 ألف محام، والسبب في ذلك يرجع إلى كون المتخرجين من معاهد الحقوق لا يجدون مناصب شغل، فاحتضنتهم نقابات المحامين لإنقاذهم من شبح البطالة، لكن هذا التزايد المذهل في عدد المحامين الشباب انجر عنه نقص في التكوين، ما أثر على قطاع العدالة بشكل عام، لأن أداء المحامي عندما يكون ضعيفا يؤثر سلبا على مرفق القضاء. ومع الإشارة إلى أن منظمات المحامين لم تتلق أية مساعدة من السلطات العمومية في تكوين وتأهيل هؤلاء المحامين الشباب. وفي هذا الصدد، فإن مجلس الاتحاد سوف يفتح حوارا جادا وصريحا مع وزارة العدل لإيجاد الحلول لانشغالات هيئة الدفاع. ما هي أولوياتكم على رأس اتحاد المحامين ؟ سيناقش مجلس الاتحاد ويضبط برنامج العمل في اجتماعه المقبل، ومن بين الأولويات إعداد النظام الداخلي للمهنة وإعادة هيكلة إدارة مجلس الاتحاد حتى تتكيف مع نصوص قانون المهنة الجديد، بالإضافة إلى المطالبة بالإسراع في تعديل قانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي أدى عمليا إلى غلق باب التقاضي في وجه المواطن بتكاليف باهظة وشكليات غير مبرّرة، زيادة على أن هذا القانون سلب حرية القاضي في إدارة الملف القضائي، مع العلم أنه سبق لوزارة العدل، بالتنسيق مع مجلس الاتحاد، أن شكّلت لجنة اقترحت تعديل 100 بند على وجه الاستعجال، لكن لحد الآن لا ندري ما مصير مشروع هذا التعديل. أي نوع من العراقيل والانشغالات التي تشتكي منها أسرة الدفاع ؟ أهم انشغال يواجهه المحامي اليوم أمام الجهات القضائية هو تقييد القاضي بعدد محدد من الجلسات في المادة المدنية أو الجزائية، وهذا الإجراء غير قانوني حوّل القاضي عمليا إلى السرعة في الفصل على حساب قواعد المحاكمة العادلة، لذا فإنّه من المنطقي إلغاء هذا الإجراء وترك الحرية الكاملة للقاضي للفصل في الملفات حسب طبيعة الخصومة المعروضة عليه، لا تقييده بعدد معين من الجلسات، لأنّه في نهاية المطاف لو تم تخيير المتقاضي بين السرعة في الفصل أو الفصل بتأن لضمان حقوقه لاختار الحل الثاني. برنامج إصلاح العدالة لم يتحقق منه إلا الجزء القليل في الميدان، ما رأيكم ؟ برنامج إصلاح العدالة كما جاء في توصيات لجنة الراحل الأستاذ محند يسعد هو برنامج جيّد كان يهدف إلى ربط الثقة بين المتقاضي وجهاز القضاء، لكن تنفيذ هذا البرنامج فشل في الكثير من المجالات باستثناء العصرنة ونظام إعادة تأهيل المحبوسين وإصلاح السجون. وسبب هذا الفشل يرجع إلى عدم إشراك المحامين والقضاة في الخطوات العملية لتنفيذ برنامج إصلاح العدالة. وربط نجاح إصلاح العدالة بالسرعة في تسليم شهادتي الجنسية والسوابق العدلية يعتبر إهانة لبرنامج الإصلاح. وفي اعتقادي، فإن برنامج إصلاح العدالة بحاجة إلى وقفة لإعادة تقييم تنفيذه بالرجوع إلى روح التوصيات الأصلية للجنة الراحل الأستاذ محند يسعد، وهذا خدمة لمرفق العدالة والمتقاضي. جدل كبير بين المطالبين بالإبقاء والداعين للإلغاء نحو إلغاء عقوبة الإعدام في الجزائر قسنطيني: سنرفع طلبا لرئيس الجمهورية من أجل توقيع الإلغاء رزاق بارة: العقوبة قد ألغيت عام 93 إلا أن الإلغاء لم يكن مكتوبا علي هارون: إن الله هو من وهب الحياة ولا يمكن للإنسان أن ينهيها ممثل وزير العدل: اتجاه ظهر بعد عام 93 يقضي بالإلغاء التدريجي للنصوص القانونية الخاصة بالإعدام تسير الجزائر بخطى متقدمة نحو إلغاء عقوبة الإعدام، بينما النقاش حول العقوبة الأكثر إثارة للجدل بالبلاد، منذ سنوات، لم يلتئم على “توافق” بين مؤيدي الإبقاء على العقوبة، والمدافعين عن إلغائها، وإنما بدا التيار الثاني هو المسيطر على رسم مصير هذه العقوبة، وهو تيار نال قبل أعوام تأييد موقف الرئيس بوتفليقة الذي يبحث عن الظروف الملائمة لتوقيع إلغاء العقوبة كليا. غلبت الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام، أمس، خلال الملتقى الجهوي للخبراء حول “استبعاد عقوبة الإعدام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، الجاري تنظيمه بالعاصمة. وبعيدا عن أعين رجال الدين، متصدري تيار ممانعة الإلغاء، وجد المدافعون عن إلغاء العقوبة ضالتهم، من خلال تقديمهم سياقات دولية، بدا وكأن الجزائر كدولة تبنتها حتى قبل أن ينتهي النقاش ويرسو التوافق بين التيارين. وقد عبرت عن ذلك تدخلات، جلها، سارت نحو الإلغاء، في غياب الرأي الآخر، حتى وإن قال فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، ل” الخبر”، لاحقا “لا أحد يفرض رأيه على الآخر والنقاش مفتوح، لكن فيما يخصنا سنرفع طلبا لرئيس الجمهورية من أجل توقيع الإلغاء”. قسنطيني، البادئ بالدفاع عن الإلغاء، وجد في تصريح الرئيس بوتفليقة، ببروكسل عام 2003، عمودا يتكئ عليه دفاعا عن رأي لجنته، وبوتفليقة قال أمام البرلمان الأوروبي، حينها، إنه “مع إلغاء الإعدام، ومجرد تعليق تنفيذ هذه العقوبة، بمثابة تقدم”. ويرى قسنطيني في هذا التصريح “أداة أزال بمقتضاها العقدة لدى القضاة الذين ينطقون بهذه العقوبة”، بيد أن رئيس نقابة القضاة، جمال عيدوني، لا يرى في اجتهادات الإلغاء حججا كافية، وهو الذي قال ل”الخبر”، أثناء ملتقى نظم بنفس المكان، قبل أسبوعين: “أنا مع إبقاء العقوبة ولا يمكنني أن أعترض على ما أنزله الشرع”، لكن ما أنزله الشرع فهمه عضو مجلس الدولة ووزير حقوق الإنسان، سابقا، علي هارون، بشكل مخالف، لما قال أمس: “إن الله هو من وهب الحياة ولا يمكن للإنسان أن ينهيها”، وكذلك هو موقف الحقوقيين في مواجهتهم حجج دعاة تطبيق الشريعة، التي تقر “القصاص”، بينما يعترف قسنطيني بجود اعتراض على إلغاء الإعدام بالارتكاز على الحجة الدينية التي “لا يمكن تجاهلها” كما قال “خاصة في جرائم اختطاف وقتل الأطفال التي ضاعفت الدعوة إلى تنفيذ العقوبة”، لكن رئيس اللجنة الحقوقية، عندما يرد على سؤال حول مطالب الشارع بتنفيذ الإعدام في حق قتلة الطفلة شيماء بالعاصمة والطفلين هارون وإبراهيم بقسنطينة، يقول إن “القضية بيد المشرع وليس بيد الشارع، والرئيس بوتفليقة، في النهاية، هو من يقرر بعد النقاش”. عقوبة الإعدام، أصلا لم تطبق منذ عام 1993، إذ يقول رزاق بارة، مستشار الرئيس لشؤون مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان على هامش الملتقى: “العقوبة قد ألغيت عام 93، فقط الإلغاء لم يكن مكتوبا”، واقترب مختار لخضاري، ممثل وزير العدل، من هذا الموقف حتى وإن تحاشى توريط الوزارة في شأن غير محسوم، فقال إن اتجاها ظهر بعد عام 93 يقضي بالإلغاء التدريجي للنصوص القانونية الخاصة بعقوبة الإعدام، وضمن هذا الاتجاه قرار وقف تنفيذ العقوبة على المريض والمرأة الحامل والقصر. بينما تساءل ماذا جنت الجزائر من إقرار العقوبة؟ وساير المتحدث في هذه النقطة، رأي حقوقيين يقولون إن العقوبة لم تغير شيئا في المجتمع، ونقيض ذلك، يقر لخضاري بتأثر الجزائر في إطار التعاون الدولي، ببقاء عقوبة الإعدام، ومن ذلك تسليم المطلوبين، من حيث أن دولا تطلب من الحكومة الجزائرية عدم التماس عقوبة الإعدام كشرط لتسليمها مطلوبين. وانتهجت الحكومة، في مسار التعديلات القانونية المتوالية، تقليص حالات النطق بالإعدام، إلى أن استقرت في 17 حالة، كما أن أغلب حالات النطق بالإعدام تتم في غياب حضور المتهم. وتوجد ثماني دول عربية من بين 160 دولة أوقفت تنفيذ عقوبة الإعدام أو ألغتها، إلى جانب تونس والمغرب وفلسطين ولبنان والأردن وموريتانيا، وكانت الجزائر من أهم الدول الراعية لقرار الأممالمتحدة الداعي لإلغاء العقوبة عام 2012، أو كما ذكرت منى الرمشاوي عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأممالمتحدة، وقدمت الجزائر دولة رائدة في هذا المجال، تماما مثلما قدمها رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان، محمد فايق، الذي دافع عن إلغاء العقوبة “خاصة في القضايا السياسية”، وبدا أن تصريح فايق استفز مكبوت علي هارون لما قال إن “العقوبة طبقت بخلفيتها السياسية عام 1964 بالجزائر”، وقصد بذلك إعدام العقيد شعباني من قبل نظام بن بلة. حسب رئيس جمعية العلماء المسلمين “الجزائر متخوفة من الضغوطات الدبلوماسية والاقتصادية” تدافع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن موقفها بعدم إلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجزائري، لكونه قصاصا في الإسلام، والقول بإلغاء الحكم مطلقا مخالف للعدل والقصاص ومخالف للحقوق الإنسانية. وقالت إن “الجزائر يمكنها الخضوع للضغوطات الدولية لإلغاء عقوبة الإعدام خوفا من الضغوطات الدبلوماسية والاقتصادية”. وأفاد رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عبد الرزاق ڤسّوم، أمس، في اتصال مع “الخبر”، بأن “حكم الإعدام هو قصاص في الإسلام ويبقى على كل حاكم إسلامي تنزيله على أرض الواقع ويتطلب تدقيقات وتطبيقات، بالإضافة إلى عدل ونزاهة القاضي، وهو ما تفتقر إليه الجزائر للأسف”. وعن الدواعي التي جعلت جمعية العلماء تتمسك بعدم إلغاء عقوبة الإعدام، قال ڤسّوم: “بحكم وجود فرق بين الحكم بالإعدام السياسي والحكم بالإعدام الجنائي، ونحن في جمعية العلماء المسلمين نتحفظ على الحكم الأول لأنّه لا يخلو من تصفية حسابات معيّنة، مثلما يجري في مصر التي تشهد مئات حالات الإعدام يوميا وهذا ليس عدلا ولا قصاصا”. وواصل المتحدث في عرض دواعي الرفض: “فيما الحكم بالإعدام الجنائي يلجأ إليه إذا ثبت تورط الشخص مثلا في قضايا لا مجال للنقاش فيها، كشخص يختطف طفلا ويعترف بفعلته، وهنا من غير المعقول التسامح معه، فالقول بإلغاء حكم الإعدام مطلقا مخالف للعدل وللقصاص وكذا للحقوق الإنسانية”. وذكر ڤسوم أن “الجزائر ينبغي لها أن تخضع لضغوطات السيادة الوطنية وليس لضغوطات الخارج، وإذا كان هنالك أي نوع من الضغوط، ما على الدولة سوى الاحتكام إلى علمائها ليتولوا حمايتها”. وسألت “الخبر” المتحدث عن سبب الضغوط الممارسة على الجزائر، فأجاب: “الجزائر تسمح بممارسة الضغوطات عليها في قضية الإعدام، خوفا من ضغوطات دبلوماسية أو اقتصادية، فهي تشتري السلم العالمي مثلما تشتري السلم الداخلي”. وأرجع رئيس جمعية العلماء المسلمين هذا الوضع إلى “غياب مفتي الجمهورية ومرجعية واضحة، مع أن الحل واضح ويكمن في تأسيس هيئة مستقلة تمثل الشعب الجزائري، والجمعية مؤهلة لذلك بمساعدة المجلس الإسلامي الأعلى ووزارة الشؤون الدينية وعدد من الزوايا، ليعطوا أحكامهم في مثل هذه القضايا”. وبخصوص احتمال استجابة الجزائر لضغوطات إلغاء حكم الإعدام، أشار ڤسوم إلى أن “الجزائر مطالبة بالاستجابة إلى واجبات الأمة، فالأطفال الذين اختطفوا وقتلوا من يحميهم، لذلك الضغط يجب أن يكون للوعي والضمير والسيادة لأنها أقوى الضغوط، لأن المأساة من القلوب لا تزول حتى إذا نفذ حكم الإعدام، فالعين بالعين والقاتل يقتل”. المكلف بالإعلام في تكتل الجزائر الخضراء ناصر حمدادوش ل “الخبر” “إلغاء الإعدام استرضاء للغرب وضد المطلب الشعبي” تتمسك حركة مجتمع السلم بمطلب الإبقاء على حكم الإعدام، وتعتبر أن توجه السلطة نحو إلغاء عقوبة الإعدام هو توجه لا يخرج عن السياق السياسي الهادف إلى الانخراط في عولمة القوانين. يؤكد عضو المكتب الوطني لحركة مجتمع السلم والمكلف بالإعلام في تكتل الجزائر الخضراء، ناصر حمدادوش، أن “ذهاب السلطة وأبواقها في هذا الاتجاه هو توجه غير وطني، يسترضي الخارج على حساب الإرادة الشعبية المنسجمة مع الخصوصية الدينية والثقافية لها”. ويرى حمدادوش، في تصريح ل” الخبر”، أن تعديل قانون العقوبات بهدف “التخلي عن عقوبة الإعدام سيكون قرارا صادما لما تطالب به أغلبية الشعب في القصاص والعقوبة الرّادعة الموضحة في النصوص القرآنية، ومصادرة أخرى لإرادة الشعب واعتداء على الدستور في حد ذاته الذي ينصّ أن دين الدولة هو الإسلام”، في إشارة إلى الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة وقسنطينة، للمطالبة بالتطبيق الفوري لعقوبة الإعدام على مختطفي الأطفال السنة الماضية. ويربط حمدادوش تزايد عدد الجرائم في الجزائر “بسياسة اللاعقاب التي تنتهجها السلطة بتعطيل تنفيذ الأحكام وتطبيق القانون وإصدارات العفو الكثيرة والمبالغ فيها، والتي تشجّع على الجريمة وتزيد في انتشارها وبشاعتها”، لافتا إلى أن هذا الموقف ليس موقفا سياسيا، لكنه يجد تفسيرا له في الواقع، “بحيث أن الإحصائيات أثبتت أن أغلب الجرائم هي ممن لهم سوابق عدلية، وهذا الذي يدفعنا إلى تشديد العقوبة وليس التخفيف منه.”. وتساءل المسؤول في حمس “كون أن عقوبة السجن المؤبد هي كذلك اعتداء على كرامة وحرية الإنسان، فما هو المعيار الذي يعتبر عقوبة الإعدام غير إنسانية وعقوبة السجن المؤبد إنسانية ومقبولة”. ويدرج ناصر حمدادوش عقد السلطة لسلسلة مؤتمرات محلية ودولية تناقش مسألة حكم الإعدام، بأنه تمهيد سياسي لإقرار إلغاء الإعدام من قانون العقوبات، في إطار ما يعتبرها “عولمة قانونية تريد أن تتجاوز الخصوصيات الدينية والثقافية للشعوب، وفرض الرؤية التشريعية الغربية، تحت غطاء حقوق الإنسان”.