هل ستكون فرنسا على موعد جديد مع التاريخ عن طريق أصحاب السترات الصفراء المنتمين الى الطبقة الوسطى والفقيرة من العمال والفلاحين بالارياف والمدن الصغيرة الذين كسروا جدار الصمت فخرجوا الى الشارع للاحتجاج على أوضاعهم السيئة منذ 17نوفمبر الماضي وقابلتهم حكومة الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون با لاستخفاف مما زاد في غضبهم الذي تحول الى عنف شديد وتخريب للممتلكات العمومية والخاصة مخلفا خسائر مادية هامة بالاضافة الى الخسائر البشرية المتمثلة أربعة قتلى و1043جريحا فيهم 222 من قوات الامن وتوقيف اكثر من 450 شخصا والارقام مرشحة للارتفاع في نهاية الاسبوع نظرا لتوسيع الحركة الاحتجاجية الى الطلبة وسائقي الشاحنات و التأييد الكبير الذي تحظى به لدى الرأي العام الفرنسي وكذلك الرأي العام العالمي المتعاطف معها بسبب مطالبها الاجتماعية العادلة المتمثل في ضعف القدرة الشرائية والضرائب الثقيلة ومنها تلك الضرائب الجديدة التي كانت حكومة ماكرون تريد تطبيقها على البنزين والكهرباء والغاز مقابل اعفاء الاغنياء من ضريبة الثروة التي كانت تدرعلى خزينة الدولة 5 مليار دولار والاكتفاء بضريبة رمزية على العقارات بمبلغ 1.2مليار دولار في السنة مما يعتبر اجحافا كبيرا في الطبقة الكادحة من الفقراء و العمال التي هبت تدافع عن حقوقها المهضومة معبرة عن رفضها لسياسة الرئيس ماكرون التي تخدم الاغنياء الذي كان الناخبون يعولون عليه لاحداث نقلة في الطبقة السياسية الفرنسية بعد أن بشر بخطاباته خلال حملته الانتخابية أنه يريد تجاوز الاحزاب السياسية في اليمين واليسار خاصة بعد فضائح نيكولا ساركوزي وفشل الاشتراكي فرانسوا هولاند الرئيسين السابقين. لكن الرئيس الجديد الآتي من خارج الطبقة السياسية لم يتخلص من تأثير أرباب المال وهو القادم من بنك روتشيلد فانحاز إلى الأغنياء متنكرا للمواطنين البسطاءالذين ساهموا في إيصاله الى كرسي الرئاسة فكانت الصدمة قوية حركت من كان ساكنا وانطقت من كان صامتا وبدأت السترات الصفراء تغزو الشوارع ومواقع التواصل الاجتماعي محدثة حركة قوية هزت فرنسا وأيقظتها من سباتها وتعالت الحرائق في شارع الشانزيليزي وسقط القتلى والجرحى وأصيبت الطبقة السياسية بالذهول ولم تتمكن من توجيه الاحداث أو التحكم واستغلالها ولم تعثر الحكومة على محاور يمثل المحتجين واضطرت عن فرض تلك الضرائب المشؤومة فأعلنت عن تجميدها لمدة ستة أشهر قبل أن تتخلى عنها مرغمة خشية أن تتحول تلك الاحتجاجات العنيفة الى ثورة عارمة لا تبقي ولاتذر فمازالت ثورة الطلبة في مايو 1968عالقة في الاذهان التي قامت ضد الاستبداد وتغول رأس المال والجمود السياسي فكانت حركة اجتماعية ثقافية سياسية من اجل مستقبل افضل فاحدثت قطيعة وجودية مع عهد ساسة الحرب واسقطت الجنرال ديغول ولكنها لم تفكر في الاستيلاء على السلطة فكان هدفها احداث تغيير في نظام الحكم لتلبية تطلعات الاجيال الناشئة لتعيش في حرية وكرامة وأمن وهو ما حصلت عليه فعلا لكن بعد نصف قرن عادت المشاكل لتطرح من جديد دون أن تلقى الاستجابة لها أو الحلول الملائمة وألقي بعبء الأزمة على الطبقة الضعيفة وحدها وفسح المجال للراسمالية المتوحشة لتحقيق المزيد من المكاسب والارباح ونسوا تاريخ الحركة الاجتماعية في فرنسا التي غيرت ثورتها 1789 وجه العالم الحديث وما تلاها من حركات مثل كمونة باريس وثورة 1848وهذا خطأ في التقدير وقع فيه الرئيس ماكرون المطالب بالاستقالة والمهدد بالفشل . فقد أضاع الفرصة عندما ولى وجهه عن القاعدة الشعبية التي صوتت لصالحه ومن ضيع الفرصة تجرع الغصة