يصدر عصر الحداثة مقولة بان الواقع قد خلقه الإنسان، بدل بديهة أن العالم خلقته كلمات علوية، فالواقع مرتبط بالإنسان أنطولوجيا، محكوم بوعيه، وإدراكه، وبحضوره،وتموضعه الجسدي في العالم، والحاح ضروراته وقوى ارادته المادية في تشكيل عالمه. مثلما ان عالمه انطباع ذاته عنه، فالجسد هو حضور الارادة الفيزيائي ازاء حضور ما لا نهاية من الارادات ، سواء المتجسدة، أوتلك الضامرة، غير المتجسدة للجمادات. وهنا فالجسد قوة تشكيل العالم المادية فمثلما ان معيار العالم هو الانسان بذاته الُمدركة، فهو كذلك العالم موضع اسقاط الارادة، وتحقيق رغبة الذات في ان يكون على شاكلتها، وهو الفاعل المادي لتحقيق موضوعات رغبة الذات في العالم. فالجسد مُشرِعٌ ايديلوجي، ومُصدِر لخطابات الثقافي، مثلما هو مُصدَر لها، ومعيار تقويمها وتعديلها، فهو جسد سارد، ومتضمن في بنى السرد، شاهدا، وموضوعا، ومتاثرا، مُنزاحا في كلية مبنى السرد. وفي المسرح، الذي هو احتفال بالجسد وتقديس لسرديته التي يطرحها الجسد نفسه، هو المشرع للمقدس والايديولوجي، في بنية الوحدة الادائية الكلية للمشهد المسرحي، بوصف الجسد القوة المحركة، التي تشكل كافة الاطر المادية في انجاز خطاب العرض المسرحي، بمستوى عملية التجسيد المسرحي، ومُحركةً لعناصر المشهد بما يفيض الجسد عليها من قوة ومن طاقة تنتزعها من اليومي المألوف، نحو تشكلات المُتخيل الدرامي وفعالية التخييل المسرحي، فلا يمكن بأية طريقة صناعة مشهدٍ خالٍ من الجسد، فحتى عند اكثر دعوات المستقبلية تطرفا بالماكنة الخارقة والتكنولوجيا التي تشكل العالم لا يمكن العبور على مبدا القوة الذي تمثله طاقة الجسد بتحريك ابعاد المكان وتشكيل الفضاء، فالجسد يبقى له موقع المركز بالماكنة رغم استحالته من الجسد البشري الى جسد المؤتمت والذي يبقى ليس غير ازاحة ايديولوجية، يقترحها الجسد لمشروعه باحتواء العالم وتشييد فضاء التكنولوجيا فضاء لتحقق إرادته بالوحدة والكلية والشمولية امتدادا له. فلا يكون المسرح مسرحا دون ان تنطلق فيه تلك القوى المحركة والطاقة الحية بإزاحة مركوماته المادية من المفردات على خشبة المسرح نحو التحول السحري والازاحة من المعطى الواقعي لتلك المفردات الميتة باتجاه الفرض الجمالي المتحرك والحي، لذلك فالجسد هو تلك الطاقة التي تحيي الميت على خشبة المسرح وتبث الحياة في فضاء التشكيل والخلق الابتكاري على الخشبة.