منذ الاستقلال، ارتبط الاقتصاد الجزائري بالاقتصاد الأوروبي من خلال اتفاقية التعاون الاقتصادي مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية على مدى ثلاثين عاما الأولى من عمر الاستقلال, قبل أن تتحول هذه العلاقة إلى شراكة دائمة, بعد إعلان برشلونة سنة 1995 ، الذي حدد استراتيجة الاتحاد الأوروبي الجديدة تجاه الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط ,و أصبح يشكل الإطار الذي ينظم العلاقات الثنائية بين الطرفين، كما وضع المحاور الكبرى للتعاون بين الاتحاد الأوروبي والجزائر في المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، و ركز في شقه الاقتصادي على إقامة منطقة للتبادل الحر بين الجزائر والاتحاد الأوروبي في آفاق 2017. و قد بدأت المفاوضات حول الشراكة الأورو-جزائرية رسميا في مارس 1997،و تواصلت على مدى 17 جولة, كانت تحتضنها بالتناوب الجزائر وفرنسا ,طيلة خمس سنوات . حيث اصطدمت الجولات العشر الأولى بعقبات جراء اختلاف المواقف حول عدد من الملفات خصت الجوانب السياسية و الأمنية و الاقتصادية على وجه الخصوص و لا سيما ملف العدالة والتعاون القضائي، و ملف الشؤون الداخلية، و قضية حرية تنقل الأشخاص، و ملف مكافحة الإرهاب, و هي جوانب شائكة لم تقتصر على الجزائر وحدها, و إنما عانت منها أطراف أخرى و مازالت تعاني منها حتى بلدان أوروبية كسويسرا . و في الشق الاقتصادي تباينت الرؤى كذلك بخصوص المطالب الجزائرية المتعلقة بوتيرة الانفتاح الاقتصادي الوطني بشكل تدريجي للتحرر من التبعية لمداخيل المحروقات. و بتوسيع مجال التعاون الاقتصادي ليشمل نشاطات إنتاجية أخرى إلى جانب المبادلات التجارية المعتادة .و بمساعدة الجزائر على تأهيل قطاعها الصناعي ,و بتطوير آليات التعاون المالي بين الطرفين. و كذا وضع برنامج لدعم صادرات الجزائر خارج المحروقات. و يرجع طول المدة التي استغرقتها المفاوضات بين الجزائر و الاتحاد الأوروبي مقارنة مع جيرانها المتوسطين إلى الظروف الأمنية الصعبة التي عرفتها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي , إلى جانب الإمكانيات التي تتوفر عليها البلاد, و التي أراد المفاوض الجزائري أن تؤخذ في الحسبان خلال التفاوض, و أثناء وضع الصياغة النهائية لاتفاق الشراكة, من منطلق أن الجزائر تزخر بإمكانيات بشرية و قاعدة صناعية هامة متكونة من مركبات و مصانع غير مستغلة أو مستغلة دون طاقتها.و كذا أهمية حجم وارداتها من المواد الزراعية و السلع الصناعية الجاهزة, بخلاف جيرانها. بينما تكاد تكون قيمة الصادرات الجزائرية نحو أوروبا خارج المواد الطاقوية , معدومة, و هي كلها عوامل كان لا بد من أخذها بعين الاعتبار خلال المفاوضات . آليات التصحيح كثيرة.. تنازلات أحادية الطرف ، تستفيد منها الجهة الأوروبية فقط دون مقابل ملموس للجزائر . بحيث تكون السوق الجزائرية مفتوحة كليا للمنتجات والسلع الأوروبية ، دون أن تستقبل السوق الأوروبية أي منتوج جزائري ، كون معظم السلع الجزائرية غير قابلة للتصدير لنقص تنافسيتها وعدم تطابقها للمعايير الأوروبية.و رغم حرص المفاوض الجزائري على تجنب هذا الوضع , غير أن تنفيذ اتفاقية الشراكة بين الطرفين على أرض الواقع كرس الغلبة للطرف الأوروبي , و هو أمر منتظر إذ لا يمكن لاقتصاد بلد واحد مهما بلغت قوته منافسة اقتصاد 28 دولة متقدمة, و بعد المفوضات الماراطونية جاء التوقيع بصفة رسمية على الاتفاق يوم 22 أفريل 2002 بمدينة فالنسيا الإسبانية، لدى افتتاح الندوة الأورو-متوسطية. ودخل حيز التنفيذ في 01 سبتمبر 2005. وهناك من يربط اتفاق الشراكة بين الجزائر و الاتحاد الأوروبي بخلفيات سياسية من منطلق أن الجزائر التي عانت طيلة العشرية السوداء من حصار اقتصادي و سياسي و أمني و فني و في مجالات أخرى حيوية كالمجال العسكري , حاولت بشتى الطرق كسر هذا الحصار , و منها توقيعها في أفريل 2002 على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بغرض تنظيم علاقات الطرفين في مجالات التجارة والتعاون . وجرت مراسم التوقيع بحضور الرئيس عبد العزيز بوتفليقة و رئيس الوزراء الإسباني خوسي ماريا أثنار, الذي كانت بلاده ترأس آنذاك الاتحاد الأوروبي. و من بين ما نصت عليه الاتفاقية أن يمنح الاتحاد الأوروبي مساعدة مالية للجزائر قدرها 160 مليون يورو في الفترة ما بين 2002 و2006 وذلك في إطار الترتيبات المالية لاتفاق برشلونة. هذا الأخير , الموقع عليه عام 1995, و ينص على خلق منطقة للتبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي و12 من الدول المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط بحلول عام 2010 وبالإضافة إلى الجزائر فإن البلدان الإفريقية المشاركة في هذه العملية هي المغرب و تونس و مصر و ليبيا التي حضرت بصفة مراقب . و أضحت الاتفاقية بعد التصديق عليها من طرف البرلمان الجزائري وبرلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد إضافة إلى البرلمان الأوروبي سارية المفعول بداية من 2005 .وتعفي هذه الاتفاقية العديد من المنتجات الزراعية الجزائرية من الضرائب كما تسمح بترويجها بحرية في أسواق الاتحاد ,غير أن الاتفاقية تفرض رسوما جمركية على مجموعة من المنتجات الزراعية التي يصنفها الاتحاد كمنتجات حساسة . وبالمقابل تستفيد المنتجات الزراعية الأوروبية من خفض قيمة الرسوم الجمركية المفروضة على دخولها إلى الأراضي الجزائرية و تنص الاتفاقية من جهة أخرى على التقليص التدريجي للضرائب المفروضة على المنتجات الزراعية المحولة وأيضا منتجات البحر. وعلى الصعيد السياسي تعهد الطرفان باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية. و إقامة هيئات لتكثيف الحوار السياسي ,وتعزيز التعاون في العديد من المجالات التي تشمل الثقافة والتعليم ومكافحة الجرائم وتبييض الأموال, ومكافحة تهريب المخدرات والإرهاب. كما التزم الاتحاد الأوروبي بتقديم المساعدة الفنية والمالية للجزائر . و من أجل دعم تنفيذ اتفاق الشراكة الأورو- جزائرية , دأب الاتحاد الأوروبي على تمويل برامج مختلفة للمساعدة التقنية لتأهيل الاقتصاديات المستفيدة و المؤسسات الانتاجية و رفع مستوى تنافسيتها , و قد انطلق هذا النوع من الدعم حتى قبل توقيع اتفاق الشراكة من خلال برامج ميدا 1و2 في إطار إعلان برشلونة , غير ان البرنامجين من هذا النوع الموجهين للجزائر لتغطية فترة 1995/2000 و فترة 2000/2006 بغلاف مالي مبلغه 164 مليون أورو و 232 مليون أورو على التوالي , لم ينفذا إلا بنسبة 26 % أي في حدود 105 مليون أورو لعقد من الزمن؟ غير أن كل هذه الآليات لم ترجح كفة الميزان التجاري لصالح الاقتصاد الجزائري .