وبتحييد الخلفية السياسية الكامنة وراء تطورات الحراك, نصبح وجها لوجه أمام التحديات الاقتصادية التي على النظام المقبل معالجتها, وهي تحديات لم تعد تقتصر على الانتقال من اقتصاد مخطط إلى اقتصاد السوق, ولا من اقتصاد أحادي المورد إلى آخر متعدد الموارد و لكنها تكمن في استبدال اقتصاد زائل باقتصاد دائم , أو الاقتصاد الأخضر الذي تحاول كل الدول تكريسه لتجاوز ما تواجهه إشكالات اجتماعية كالقضاء على الفقر واستحداث مناصب العمل الخضراء, وضمان الصحة العامة وتسيير النفايات والموارد المائية, مع الحفاظ على البيئة بالاعتماد أكثر على الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية ,بما يحقق التنمية المستدامة وهي التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي دون التضحية بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها, ونظرا لهذه التحديات, لم يعد التحول إلى الاقتصاد الأخضر, مجرد خيار للجزائر, وإنما أصبح التزاما ضروريا لتأمين مسار صحيح نحو تنمية مستدامة. لا شك أن الجزائر أضحى لها وزارة قائمة بذاتها خاصة بالبيئة وتهيئة الإقليم, وسنت قوانين, ووقعت اتفاقيات بيئية دولية رئيسية, وتعاونت مع هيئات دولية لتنفيذ مشاريع بيئية متنوعة, وبدأ يتشكل فيها مجتمع مدني يهتم بشؤون البيئة, ويحاول فهم قضاياها ورهاناتها الآنية والمستقبلية. واستثمرت أموالا طائلة خلال العقدين الماضيين لتنمية القطاعات ذات الصلة بالاقتصاد الأخضر, كالزراعة والموارد المائية والطاقة المتجددة,والصناعة والنقل والمواصلات, والتنمية الريفية المندمجة, وإدارة و تسيير النفايات والسياحة البيئية والبحث العلمي والتكوين والتشغيل والشباب والمرأة, وقد تتدعم كل هذه المكتسبات والانجازات بما يأتي به النظام الجديد من مشاريع تحمي الاقتصاد الوطني وتثبت أسس الشراكة بين القطاعين العام و الخاص مما يوفر ما يكفي من فرص العمل للبطالين. غير أن كل هذه المؤشرات لم تكن كافية لتحفيق النقلة إلى الاقتصاد الأخضر, إذ رغم امتلاك الجزائر لموارد مهمة من المحروقات, فلا بد لها من التحضير للانتقال نحو نموذج طاقوي يستند على الطاقات المتجددة وسيسمح مثل هذا الانتقال بالتحرر تدريجيا من المحروقات لتلبية احتياجاتنا الداخلية أو للتصدير ,كما أن القدرات التي تملكها الجزائر من مصادر الطاقة المتجددة تشكل ميزة كبيرة يمكن تثمينها لجعل بلادنا ممونا لأوروبا بالطاقة الكهربائية على غرار الغاز الطبيعي حاليا. ولذا فقد أضحى من الضروري توظيف الريع البترولي- كلما توفر- في تكريس الاقتصاد الأخضر بأسرع ما يمكن لوضع حد لطمع كل الحالمين بالتعويضات و المنح و القروض غير المضمونة, أو بالمزايا الخاصة, أو بالمنح الريعية الدائمة التي سادت خلال النظام السابق , وتحييد كل الانتهازيين الذين استغلوا الانفتاح الديمقراطي والإعلامي وللإثراء بمختلف أنواع الدعم الممول بالمال العام, نقول للهؤلاء ولمن يوظفهم: «اعملوا ؛ فإن أي نظام سياسي لا يشرفه أن يكون منتجا للمتسولين».