من المكاسب التي كرسها الدستور الجزائري ويجب دعمها, مكسب إحداث مجلس وطني للبحث العلمي والتكنولوجيا يتولى على الخصوص مهام ترقية البحث الوطني في مجال الابتكار التكنولوجي والعلمي واقتراح التدابير الكفيلة بتنمية القدرات الوطنية في مجال البحث والتطوير، وتقييم فعالية الأجهزة الوطنية المتخصصة في تثمين نتائج البحث لفائدة الاقتصاد الوطني في إطار التنمية المستدامة. والمكسب يكمن في تثمين المادة الرمادية للعنصر البشري , وتوظيفها ليس فقط في تنمية القطاعات التقليدية المتوارثة جيلا بعد جيل , وإنما في إيجاد قطاعات جديدة تواكب التطورات المستقبلية لما يأتي من أجيال تكنولوجية لا متناهية بدأ الغرب في اقتحام عوالمها الأولى من بوابة الثورة الصناعية الرابعة و عنوانها البارز الذكاء الاصطناعي . ولا شك أن اللحاق بركب هذا الموكب التكنولوجي المتقدم , سيحتاج إلى كثير من الوقت, لكنه يحتاج أكثر إلى تنظيم الجهد وتركيزه على الأولويات, وانتقاء الكفاءات الأجدر وحشد التمويل الكافي ولو بإشراك المجتمع كله . وكل ذلك وأكثر يقع على عاتق المجلس الوطني للبحث العلمي و التكنولوجيا , و لكي يؤدي هذا المجلس دوره المنوط به لا بد من إبعاد «المتعالمين الذين اتخذوا من البحث العلمي وظيفة مأجورة دون هدف واضح , أو نتيجة مجدية للمجتمع, بدليل العدد المتزايد من الباحثين المستقلين والمخترعين الأحرار الذين برهنوا عن قدراتهم في مجالات البحث العلمي, رغم أنهم خارج أسوار المؤسسات الرسمية والمراكز المتخصصة. نجاعة الحلول، حتمية فالعجز الواضح حتى في مجال حماية المستهلك الجزائري من عواقب السلع والبضائع المغشوشة والمضرة بالصحة, وعدم توفير معطيات دقيقة لأصحاب القرار من أجل مواجهة الأمراض الناجمة عن ذلك, والافتقار إلى أبحاث ذات مصداقية توجه السلطات نحو الحلول الأنجع لبعض الآفات الاجتماعية , و غيرها من النقائص التي يشتكي منها مجال البحث العلمي , كل ذلك يؤكد أن كل الذين تتوفر فيهم أهلية البحث العلمي وأدواته , تقع عليهم اليوم مسؤولية ثقيلة من أجل إعادة قطار البحث العلمي إلى سكته في إطار المجلس الذي نص عليه الدستور. ونأمل ألا يركب القطار سوى من يملك تذكرته ,أي مشروع بحث قابل للتجسيد . إلى جانب هذا الرهان المحوري الذي يجب التركيز عليه لضمان أرضية ثابتة لأي إقلاع تنموي ناجع ومستدام, تواجه البلاد تحديات في مجالات عديدة تحول دون هذا الإقلاع, ومنها ضرورة الفصل في الملف السياسي لتحضير أرضية صلبة لبناء الديمقراطية وإعادة الثقة بين الحاكم والمحكوم , وهو الملف الحاضر دائما في جميع البرامج السياسية دون أن يرسو على صيغة متوافق عليها بين الفرقاء السياسيين, الأمر الذي يفسح المجال للتدخل الأجنبي ولهشاشة الجبهة الداخلية.. ومنها استئناف النمو الاقتصادي؛ والتحرر من التبعية للريع البترولي؛ والحد من النمو الديمغرافي لإحداث التوازن المطلوب بين الاقتصاد والساكنة؛ وتوفير مناصب الشغل؛ وتخفيض نسب الفقر, وتحسين المناطق الحضرية, وإطار الحياة عموما ؛ وتوفير الغذاء, بتطوير وتنويع الاقتصاد والفلاحة والحفاظ على البيئة ؛ ثم جلب الاستثمارات الأجنبية, بحسب الحاجات المحلية, وبما يساعد على معالجة الجوانب الهشة في بنية الاقتصاد الوطني. تحديات يجب رفعها نصبح وجها لوجه أمام التحديات الاقتصادية التي على العهدة الرئاسية المقبلة معالجتها , وهي تحديات لم تعد تقتصر على الانتقال من اقتصاد مخطط إلى اقتصاد السوق , ولا من اقتصاد أحادي المورد إلى آخر متعدد الموارد ولكنها تكمن في استبدال اقتصاد زائل باقتصاد دائم , إشكالاته الاجتماعية المتمثلة في القضاء على الفقر واستحداث مناصب العمل «ليد عاملة غير مؤهلة, أو مؤهلة في مجالات تعاني من التضخم في عدد العمال», وضمان الصحة العامة وتسيير النفايات والموارد المائية , مع الحفاظ على البيئة بالاعتماد أكثر على الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية, بما يحقق التنمية المستدامة وهي التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحالي دون التضحية بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها, ونظرا لهذه التحديات, لم يعد تنويع الاقتصاد, مجرد خيار للجزائر, وإنما أصبح التزاما ضروريا لتأمين مسار صحيح نحو تنمية مستدامة . لا شك أن الجزائر استثمرت أموالا طائلة خلال العقدين الماضيين لتنمية القطاعات ذات الصلة بالاقتصاد المتنوع, كالزراعة والموارد المائية والطاقة المتجددة, والصناعة والنقل والمواصلات, والتنمية الريفية المندمجة, وإدارة وتسيير النفايات و السياحة البيئية والبحث العلمي والتكوين والتشغيل والشباب والمرأة, وقد تتدعم كل هذه المكتسبات والانجازات بأخرى التزم بها الرئيس المنتخب, على أمل أن تكون كافية لتحقيق النقلة إلى الاقتصاد المستدام, إذ رغم امتلاك الجزائر لموارد مهمة من المحروقات, فلا بد لها من التحضير للانتقال نحو نموذج طاقوي يستند على الطاقات المتجددة وسيسمح هذا الانتقال بالتحرر تدريجيا من المحروقات لتلبية احتياجاتنا الداخلية أو للتصدير ,كما أن القدرات التي تملكها الجزائر من مصادر الطاقة المتجددة تشكل ميزة كبيرة يمكن تثمينها لجعل بلادنا ممونا لأوروبا بالطاقة الكهربائية على غرار الغاز الطبيعي حاليا , غير أن كل ما قيل يظل مجرد وجهة نظر, إن لم يدمج الجانب العلمي في بلورة برنامج متكامل للتنمية الاقتصادية, لدعم مواطن الضعف ؛ وهي معدودة ؛ وتوظيف عوامل القوة وهي كثيرة .